رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن ظاهرة الرق في العصر الحديث

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن ظاهرة الرق في العصر الحديث
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الشباب
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
من يظن أن عصر الرق قد انتهى، وأن الناس أحرار فيما يقولون ويعتقدون ويفعلون، ونحن في بداية الألفية الثالثة لميلاد المسيح عليه السلام.
فالرق في هذا العصر تغير شكلاً وبقي مضموناً، ومن ثم فهو لم ينته بعد، بل بدأ انطلاقته الجديدة في ظل التكنولوجيا المعاصرة، التي تدعمه بكل أسباب القوة من مال وسلاح ودعاية، فما أكثر صور الرق في هذا العصر!
فالاستعمار مثلاً أعطى لنفسه حق نهب الشعوب المغلوبة، والوصاية عليها، وسحق مجاهديها وثوارها تحت دباباته وجحافل جنوده، ثم نجده يفلسف تسلطه على الشعوب المسحوقة بمبررات هي في النهاية أقرب على الكذب والألاعيب منها إلى الحقيقة والواقع.
إن هذا الرق يصفد الشعوب الفقيرة بمعاهدات طويلة الأجل، ويربطها بسلسلة من التحالفات المشبوهة، ويجعلها سوقاً لمنتجات المستعمر، ومصدراً لمواد الصناعة الأولية، ويسلط عليها من أذنابه من يستعبدها باسم الحرية، فيكمم الأفواه، ويسحق الرؤوس، ويحرق بيوت العبادة، ويثلم كل القيم الفاضلة والأعراف الإنسانية الرشيدة، يحدث كل ذلك ابتغاء رضاء العقل المدبر للفتن والمتمثل بالاستعمار.
وهنالك رق آخر، وهو رق المرأة، حيث تم تجريدها في كثير من البلدان من الحياء، وتحويلها إلى دمية في أيدي العابثين بها، ويجري هذا كله باسم القانون وتحت شعار تحرير المرأة، فنجد عملية الغواية والانفلات يروج لها في الطرقات باسم الفن والتقدم، والعملية كلها لون من ألوان الرق، حيث صارت المرأة تستخدم للدعاية والإعلان بعيداً عن دورها كأم ومربية للمجتمع، فلكي تروج أية بضاعة ولو كانت علب السمن أو الأحذية، فما عليك إلا أن تبحث عن المرأة المناسبة التي تروج لك الإعلان، ابتزاز مقرف، وانحطاط لم تعرف له البشرية مثيلاً من قبل.
صورة ثالثة من صور الرق وهي رق العلم الذي تحتجز الدول العظمى أسراره، ولا تسمح لغيرها إلا بهامش منه، وإذا حاولت دولة أن تدور حول الحمى نزلت عليها اللعنة، وقذفت بالحمم وتعرضت للردع والحصار والعقوبات.
صورة رابعة من صور الرق وهي رق الفكر والمعلومات، فمعظم الناس تستقي معلوماتها اليوم من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وهم يأخذون ما تقوله وسائل الإعلام على أنه حقيقة ولو كان عار من الحقيقة، فالكسل وحب الراحة يجعلان الناس تقبل على وسائل الإعلام برغبة كبيرة، وتردد ما تسمعه دون تمحيص ولا تثبت، وقد استغلت وسائل الإعلام هذا فسخرت نفسها لأغراض دعائية وتجارية وسياسية بعيداً عن المهنية والموضوعية، وقامت بغسل عقول الناس أو تكييفها وفق هوى المؤسسة التي تديرها.
صورة خامسة من صور الرق وهي رق الفقر والمجاعات، وهنا تنتشر فرق الإغاثة الأجنبية لتقدم اللقمة مقابل الكرامة، والدواء مقابل الولاء، وقد يضطر الجائع إلى الخضوع، فالجوع كافر كما يقال.
صورة سادسة من صور الرق وهي رق الحروب المنتشرة بين الجيران والإخوان، حيث ينتهي الأمر بجميع المتحاربين إلى الركوع عند رغبة بائعي الأسلحة وشروطهم، فيما تحترق شعوبهم بنيران تلك الأسلحة التي تدمر البناء المشيد، وتجعل الناس طراً كالعبيد.
صورة سابعة من صور الرق وهي رق المودة والأزياء، فما أكثر المجلات في هذا الباب!؟ وكم تنهب الموضة من جيوب الرجال والنساء معا!؟ وأسوأ ما في الأمر ليس النفقات الباهظة وحسب، بل هو انعدام الشخصية والتبعية للآخرين، وكفى بهذا تحللاً وضعفاً، إنه رق عن طواعية، وكفى بهذا ذلة لفاعله.
صورة ثامنة من صور الرق تحدث عنها العقاد وهي رق الوظيفة في القرن العشرين، وذلك تحت عنوان: (الاستخدام رق القرن العشرين)، وكان رحمه الله تعالى أول موظف مصري استقال من وظيفة حكومية بمحض اختياره، يوم كانت الاستقالة من الوظيفة والانتحار في طبقة واحدة من الغربة وخطل الرأي عند الأكثرين، بل ربما كانت حوادث الاستقالة أندر من حوادث الانتحار، وكان رحمه الله لا يعيب الوظيفة في ذاتها، وإنما يعيبها إذا كانت المستقبل الوحيد أمام الشباب المتعلم، وعندما تكون عملاً آلياً لا نصيب فيه للموظف الكبير والصغير غير التسخير.[1]
صورة تاسعة من صور الرق، وهي الحكم الفردي المطلق الذي لا يستند إلى شرعية القانون والانتخاب، وقد تحدث عنه الكواكبي في كتاب طبائع الاستبداد، وهذا النوع من الرق موجود من عهد الفراعنة، وما زال باقياً، وإن كان آخذاً بالتقلص، قال تعالى يذكر سياسة فرعون: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾ [الزخرف:54].
صورة عاشرة من صور الرق وهي رق العبودية لغير الله، وقد استشرى هذا الرق في عصرنا بسبب الإلحاد والنزعات المادية في الفكر الإنساني، والعزلة السياسية والاجتماعية عن هدي الأنبياء.
فهناك من عبد هواه، قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ﴾ [الفرقان:43].
وهناك من عبد شهوات الدنيا وزينتها، قال تعالى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [النجم:29].
وهناك من عبد الشيطان، وهي عبادة موجودة من قديم الزمان، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس:60].
وهناك من عبد الأصنام، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 74].
وهناك من عبد الطاغوت، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 60].
وهناك من ينزع حق التشريع لنفسه، مع العلم بأن حق التشريع المطلق خاص بالله تعالى، فالذي أوجد البشر له الحق في أن يشرع لهم ما يصلح أمر دينهم ودنياهم، وشرعته فيها العدل والرحمة للجميع، وفيها يتساوى الحاكم والمحكوم، أما أن يشرع الناس لبعضهم بعضاً ما لم يأذن به الله تعالى فهذا منتهى الاستعباد والرق، حيث جعل المشرع نفسه في رتبة أعلى من رتبة البشر، وفرض حق الوصاية عليهم، واخترع لهم من الشرائع والنظم ما لا يتفق مع فطرتهم والغرض من وجودهم، وطلب منهم الاستجابة لها، دون أن يأذن الله له بذلك، وهذه من أسوأ صور الرق والعبودية، حيث يعبد البشر بعضهم بعضاً من دون الله تعالى، قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].
وفي هذا النوع من الرق قد لا يشعر البشر بأنهم يؤدون عبودية لبشر مثلهم، ولا يستحق أحد أن يطاع من دون الله تعالى، ولا أن يتفوق عليهم بحق ليس له، وإنما ينتزعه ظلماً وطغياناً.
وختاماً نقول:
إن الرق لم ينته، وإنما تحول من صورة إلى أخرى، فقديما كان السيد يملك الجسد دون الروح، فنجد بلالاً يقول: أحد أحد متحدياً صولة سيده أمية بن خلف، والصخرة على ظهره وهو يعذب في رمضاء مكة، أما اليوم فقد أطلقت حرية الجسد واستعبدت الروح، فتجد الإنسان متعباً وهو يجري وراء أشياء تستقطبه وتتحكم فيه، وهو لا يملك منها فراراً.
في الماضي كان السيد فرداً، واليوم قد يكون دولة أو أمة تستعمر الآخرين وتذيقهم ويل العبودية والذل والصغار.
في الماضي يستطيع العبد أن يهرب من سيده، أو يشتري نفسه منه، أما اليوم فلا مهرب في الأرض، لأن السيد يملك من أدوات القهر والتجسس ما لا يترك مجالاً لحرية الآخرين ولو بالأحلام.
في الماضي كانت العبودية ظاهرة في سوق النخاسة وأما اليوم فهي خفية لا شعورية، وسوق النخاسة قد تكون سوق المال والأعمال، أو سوق المودة والأزياء، أو سوق وسائل الأعلام التي تقول ما يملى عليها.
ليت البشرية تستطيع التخلص من رقها الجديد كما تخلصت من الرق القديم، فقد فاق رق هذا العصر كل جرائم الرق في تاريخ الإنسانية.
________________________________________
[1] كتاب (أنا) للعقاد، ص (75-76) المكتبة العصرية، بيروت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *