رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن العلاقة بين التربية والتعليم

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن العلاقة بين التربية والتعليم
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لاشك فيه أن العلاقة بين التربية والتعليم علاقة جدلية ضرورية وحتميَّة، متكاملة الأهداف والمرامي والغايات، ولا يمكن الفصل بينهما إلا لضرورة البحث، ونشأ الفصل والتفرقة بينهما في التسمية بميدان الممارسات التربوية عن طريق الأهداف وانقسامها إلى: الأهداف الأغراض، والأهداف الوسائل، فأُطلق على النوع الأول اسم الأهداف التربوية، بينما أطلق على النوع الثاني اسم الأهداف التعليمية.
والأهداف التربوية:
هي تلك التغييرات التي يراد حصولها في سلوك الإنسان الفرد، وفي ممارسات واتجاهات المجتمع المحلِّي أو المجتمعات الإنسانية، وهذه الأهداف هي الثمرات النهائية للعملية التربوية.
أما الأهداف التعليمية:
فهي نتائج موقف تعليمي معيَّن؛ أي: هي المهارات المحددة التي يراد تنميتها من خلال تعليم خبرة دراسةٍ معينة أو محتوًى معيَّن من المنهاج.
وهذا التمييز بين الأهداف التربوية والأهداف التعليمية أمرٌ ضروري؛ لسببين: الأول: أن عدم التناسق بين النوعين هو أحدُ مظاهر الأزمة القائمة في التربية الحديثة، والسبب الثاني: هو أن العلاقة والتمييز بين النوعين من الأهداف غيرُ واضحين عند الكثيرين من الباحثين والمختصين في ميدان التربية، خاصة وأنه ليس هناك في اللغة العربية تمييز واضح بينهما في الاسم، كما هو الشأن في اللغة الإنجليزية.
والتربية ثابتة فيما يتَّصل بأهدافها العامَّة؛ كبناء الإنسان العابد لله، وثابتة أيضًا فيما يتصل بمحتواها الخاص بالحقائق والمعايير والقِيم الإلهية الثابتة، ولكنها متغيرة فيما يتصل بالخبرات والمعارف والمهارات الإنسانية المتطورة، وهي تستعينُ بوسائل؛ منها التعليم الذي قد يهدف إلى تحصيلِ المعرفة، أو إلى التدريب على مهارةٍ، أو إلى حفظ نصٍّ أو قانون.
والتربية تتخذ كلَّ ذلك وسيلة لتربية المشاعر، وتنمية الإحساس، وتربية الضمير والوجدان، وتربية الإرادة الحرة الواعية، والقِيم الإيمانية والقيمِ الخُلقية النابعة منها، وأنماطِ السلوك التابعة لها.
فمرحلة التعليم عمليةٌ ضرورية؛ كونها هي الطريق أولاً لمعرفة مصدر الخير والسعادة والكمال الحقيقي، ثم معرفة الطريقِ المطلوب خوضُه والسير على وفقه مِن أجل إحداث الأثر العملي المطلوب في التربية وتقويم السلوك؛ أي: إن التعليمَ هو بدايةُ الطريق للتربية والتكامل على مستوى النفس المتحلِّية بالأخلاق والكمالات.
والأهداف التربوية هي التي تحدِّدُ مسارات الأنشطة التربوية، وتحدد الوسائلَ والأدوات اللازمة للتنفيذ والتقويم، وهذه الأهداف سابقة على المنهاج التعليمي، وهي توجهه وتحدِّد بِنيته وطبيعته وطرائقَ ووسائل تنفيذه، وهي التي توجِّه الأهدافَ التعليمية، وتمنحها الشرعية اللازمة، بينما تعمل الأهداف التعليميَّة على تجسيد الغايات التي تتضمنها الأهداف التربوية في ممارسات عمليَّة.
والتعليم الجيِّد هو الذي يكون له هدفٌ تَربوي؛ ذلك أنه يحقِّق أهدافًا معرفية، وأخرى سلوكية قِيمية في حين واحد، فالمعلِّم من خلال تثبيته للمفاهيم العلميَّة والاجتماعية أو الظواهر اللغوية وغيرها، يستغل المواقفَ الواردة بالنصوص والوثائق أو البحوث الداعمة والتجارب العلمية الهادفة، ليستثمرها أخلاقيًّا وروحيًّا بما ينفع المتعلمينَ في تعاملهم وسلوكهم مثلما استثمرها علميًّا.
والتربية الإسلامية تربيةٌ عملية، فالإسلام يحثُّ على تعليم كلِّ علمٍ نافع للإنسان ولمجتمعه وللإنسانية جمعاء، فالمعلومات والمعارف من أهمِّ محتويات التربية الإسلامية، ونظرةُ الإسلام المُثلى والعميقة إلى اكتساب المعارف والعلوم ترفع عمليةَ التربية والتعليم إلى درجة العبادة والقداسة، ويربط الإسلامُ مضمونَ المعارف والعلوم بالهدف الأكبر للتربية الإسلامية، وهو تقوَى الله وخشيته ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].
والقِيم والمبادئ الإسلامية تتكوَّن في نفوس النشء بالالتقاط والمحاكاة من ذَويهم ومن المجتمع، وتنشأ في نفوسهم منذ الصِّغر فتكون عميقةَ الجذور، ثم تزداد بالتعليم رسوخًا، ويزيدها المجتمع الإسلاميُّ قوةً، حين يكبر الطفلُ فيتلقى التعليمَ، ثم يكبر أكثر فيحتكُّ بالمجتمع ويأخذ منه ويعطي.
إذًا فالتربية أعمُّ وأشمل من التعليم، ولكنهما ليسا متعارضين ولا منفصلين، بل هما متآزران ومتكاملان لكلٍّ منهما دَور له حدود من حيث يبدأ وينتهى، وعلاقته بالآخر، ويترتب على هذه العلاقة تطبيقات كثيرة في تخطيط المناهج وتطويرها… وغير ذلك.
والتربية والتعليم عِلم له قواعد معيَّنة، وأصول مرعيَّة، تنبثقُ من طبيعة المجتمع وعقيدته وثقافته، وقد جاء ذلك جليًّا في القرآن الكريم في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخَضر، وفي الإسلام بدأ علمُ التربية والتعليم مع بزوغ فجر الإسلام، فالنواة الأولى للتربية بدأت بمكَّة المكرمة، وأما التعليم فبدأت نواتُه بالمدينة المنورة وسارا متلازمين، وصارت له مدرسة في مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هذه المدرسة التي أنشأها الرسولُ الكريم للتربية والتعليم، كان كِتَابها القرآن، وهو الوحي المتلوُّ، وبيانها ما جاء عن النبي من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، وقد شرحه لهم عمليًّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونَما مع تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ونضج معه وبه، وهذا مصداقًا لقوله عزَّ وعَلَا: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، ومما يدل على تلازم التربية والتعليم في عصر النُّبوَّة ما ذكره أبو ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه، قال: لقيت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلت: يا رسولَ اللهِ، ادفَعْني إلى رجلٍ حسَن التعليمِ، فدفعني إلى أبي عبيدةَ بنِ الجراحِ، ثم قال: ((قد دفعتُك إلى رجلٍ يحسنُ تعليمَك وأدبَك))؛ (المعجم الكبير؛ لأبي القاسم الطبراني: 368)، فتربى الصحابةُ وتعلموا أن العلم والتفقُّه في الدين وسيلةٌ إلى غاية عظيمة؛ وهي عبادة الله وحده لا شريك له على علمٍ وبصيرة، ثم ألَّف العلماء في علم التربية والتعليم بشكلٍ مستفيضٍ في نهاية القرن الثاني الهجري.
والمجتمع الإسلامي يُعَدُّ أرقى المجتمعات الإنسانية في مجال التربية والتعليم، وللمسلمين السَّبق في ذلك، ومؤلفاتهم تشهد بذلك.
وتعقد الدول الآمالَ على التربية والتعليم في تحقيق التقدم وتطوير وتنمية الفرد والمجتمع؛ إذ به تتحقق النهضة، فالتربية أداةُ التغيير، والتعليم أداة البِناء، وكلاهما يَسعى للمستقبل الأفضل، وهذا ما نراه في الدول التي حقَّقت نهوضًا بعد نكسة؛ كاليابان وألمانيا، حين استثمرت التربية والتعليم في إعادة بناء نهضتها.
وإن ما يميِّز أفرادَ مجتمعٍ ما عن أفراد مجتمع آخر، هو ثقافة وتعليم ذلك المجتمع، ونوع التربية السائدةِ فيه، والتي تجعل منهم أشخاصًا أصحاب هُوية.
للاستزادة – المراجع:
1. ماجد الكيلاني: أهداف التربية الإسلامية.
2. علي مدكور: مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها.
3. عاطف السيد: التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها.
4. محمد قطب، منهج التربية الإسلامية.
5. كمال الدين المرسي: من قضايا التربية الدينية في المجتمع الإسلامي.
6. خالد القرشي: تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه.
7. محمد أفقير: جذور التربية والتعليم في تاريخ الإسلام، (مقال).
8. سالم شيخ باوزير: جدلية العلاقة بين التعليم والتربية، (مقال).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *