رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن العلم طريق الإيمان
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن العلم طريق الإيمان
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
اقتضت حكمةُ الخالق – عز وجل – أن يجعل التقديمَ في هذه الحياة مرتَهَناً بالجهد الذي يبذلُه البشرُ على جميع الصُّعُدِ، وفي كل المجالات، ولهذا فإنَّ كثيراً من الإمكانات البشرية هي استعدادتٌ وقابلياتٌ، وحتى تتحول إلى أشياء ومعطيات ملموسة مثمرة؛ لا بد من قيام الناس بالكثير من العمل.
إن الله – سبحانه – وزَّعَ الإمكاناتِ العقليةَ على الأمم والشعوب بالتساوي، فليس هناك شعب أو عرق هو مجموعات من الأذكياء والنبهاء! كما ليس هناك أمة أو شعب هو مجموعة من الأغبياء والبُلَهاء!!!
إذن؛ لماذا نرى شعوباً تُسجِّل – في كل يوم – عشراتِ بـراءات الاختراع، وتعلن الكثيرَ من الحلول الإبداعية لمشكلات مستعصية؟
ولماذا – في المقابل – نرى شعوباً ليس لديها هاجسُ قلقٍ لتخلفها عن الإبداع والاختراع والتطوير التقني؟ كما أنه ليس لديها أي مؤسسات تهتم بالإبداع والمبدعين؟ كما أنه ليس في حوزتها أية منتجات قيّمة تحمل بصمات إبداعية عالية؟!
الجواب عن كل هذا يكمن في طريقة التربية في الأسر، وفي طريقة التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات. فالتربية الجيدة تفتِّح وعيَ من يتلقَّاها من الأطفال – على اختلاف إمكاناتهم الذهنية – وتساعدهم في استثمارها على النحو الأمثل.
كما أن المدارس الجيدة تُكَمِّل ما بدأتْه الأسرة المهتمة، وتكشف عن المواهب والإمكانات المتفوقة، وتقدِّم الفرصَ تلو الفرص؛ لظهور المواهب في مبتكرات ومنتجات نافعة ذكية.
نحن – في العادة – نقسِّم العقل إلى قسمين: عقل أول، وعقل ثان، وإذا كان العقل الأول هو: إمكاناتٌ ذهنية مدهِشةٍ، موحَّدة على مستوى الأمم والشعوب، متفاوتة – طبعاً – على مستوى الأفراد؛ فإن العقل الثاني هو (الثقافة)، أي: مجموعةُ العقائد والأفكار والتقاليد والنظم والقيم السائدة في بيئة معينة.
والمدهش – فعلاً – أن الحَسْم في تجسيد الفوارق بين الأمم لا يأتي من مكونات العقل الأول، وإنما من مضامين العقل الثاني، ولنا أن ندرك ذلك جيداً من طبيعة الرسائل السماوية، حيث إن الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – لم يهتموا بتنمية الذاكرة أو الخيال أو القدرة على التحليل والتركيب.. لدى الأمم التي أُرسِلوا إليها، وإنما منحوها الأهدافَ الكليةَ والمناهجَ، وأكدوا ضرورةَ بعدِها عن الظنون والأهواء والأوهام؛ عند فهم الوجود، وعند الحكم على الأشخاص والأحداث..
ومما يؤسَف له حقّاً أن معظم المدارس في العالم الإسلامي؛ لا تهتم – على نحو جاد وواضح – بتأسيس عقول طلابها تأسيساً صحيحاً، ولا تهتم بتعليمهم المبادئ والمفاهيم التي تساعدهم في رؤية الأشياء على ما هي عليه، أو تساعدهم في التعامل الصحيح مع كل ما هو لهم!
نحن في هذه المقالة وما يليها من مقالات – بحول الله تعالى – سنركز على هذا، ونحاول أن نقدم بعض الأفكار والمفاهيم، التي تكوِّن العقلية الراشدة المتفتِّحة المعاصرة، عبر المفردات الآتية:
1- تثقيفُ (العقل) المعرفةَ بطبيعته، وما هو من شأنه، وما ليس من شأنه؛ حتى لا نعطِّلَه حيث ينبغي إعمالُه، وحتى لا نُعمِلَه حيث يجب تحييدُه، ويتطلب أيضاً الصيرورةَ إلى القطعيات والثوابت. وفي هذا الإطار يمكن القول: إن عمل (العقل) يشبه عمل (الأرض) فهي تتلقى البذور والماء والسماد والمبيدات، وبذلك تُخرِج لنا الغذاءَ الشهي الذي به قوام الحياة.
وحسب حال تلك البذورِ تكونُ الفاكهةُ، ويكون النباتُ، فإن كانت طيبةً، فإن لنا أن نتوقع نباتاً طيباً، وإن كانت فاسدةً أو ضعيفة، فإن لنا أن نتوقع شيئاً ضعيفاً، أو ألا نحصل على أي شيء.
وهكذا العقلُ، فإنه مثل الأرض، يتلقى المعارفَ والمعلومات، ويشتغل بها، ثم يخرج لنا الأفكارَ والمفاهيم التي تتناسب – طرداً – مع نوعية تلك المعلومات التي يتلقاها.
وكما أن أنواعاً من الأرض لا تنبتُ الكلأَ، وتضيع فيها المياه ُوالبذورُ سدىً؛ فإن من العقول ما يكون غبياً، فلا ينتفِع بالعلم، ولا يقوى على (عصره) واستخراج أي شيء منه!!
لكن – ولله الحمد والمنة – الأراضي والعقولُ المُنبِتة والعامِلة هي الكثرةُ الكاثرة، وهي – جميعاً – تظل قابلةً لنوع من المعالجة.
ومن هنا يمكن القول: إن التعليمَ الجيدَ والثقيفَ الثريَّ الصحيحَ هو حياة العقل، كما أنه يحدِّدُ مسارَه ونوعيةَ عمله. وقد صدق من قال: إن العقل من غير معرفة هباء! وقد آن الأوان للكف عن إجراء الموازنات بين فضائل العقل والعلم، حيث إننا إذا أردنا بالعقل (العقلَ الأول)؛ فإنه – من غير علم وتعلم وممارسة – لا يكادُ يكفي – اليومَ – إلا لتلبية بعض ضروريات الحياة، أما إذا أردنا به (الحكمةَ)؛ فهي مزيج من الذكاء والمعرفة والإرادة الصلبة.
أما العقل الثاني فهو عبارة عن معارفَ وعاداتٍ ونظمٍ مكتسبةٍ، أي إنها تدخل في نطاق المعرفة؛ إذا توسعنا في مدلولها، وتسامحنا بعض التسامح. وهذه الحقيقة جليةٌ في القرآن الكريم، فهو لا يتحدث عن العقل بوصفه جوهراً فرداً، أو بوصفه شيئاً ثابتاً، ولهذا فإنه لم يَرِد ذكرُه بكلمة (عقل)، أو (فكر)، أو (دماغ)؛ وإنما نجد تركيزاً واضحاً على إعمال العقل واستثماره، كما نجد نوعاً من الحث على تنميته، وهكذا نجد في القرآن الكريم: {يَعْقِلُونَ}، {يَفْقَهُونَ}، {يُبْصِرُونَ}، {يَتَفَكَّرُونَ}، {يَتَدَبَّرُونَ}.
إن العقلَ – مثل كل العضلات – ينمو ويكبُر باستخدامه وإعماله، ويضمر ويتراجع بإهماله وتهميشه. ونحن نعرف أن ممارسة التدبر والتفكر تعني خضَّ المعارف والمعطيات التي نمتلكها في الأمر الذي نفكر فيه، وفي هذا حثٌّ خَفِيٌّ لنا على زيادة حصيلتنا من تلك المعارف، كما أن فيه الإحالة على شيء يمكن أن نستزيد منه، في حين أن الإحالة على الإمكانات الذهنية تعني طلبَ معالجةِ شيءٍ لا يقبلُ إلا القليل من النمو.
العلم هو ماءُ العقل وهواؤه وضياؤه، وبدونه قد يسبب استخدامُ العقولِ من المشكلات أكثر بكثير مما يقدمه من الحلول، أو يفتحه من الآفاق!!