رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الإسلام دين يدعو إلى الشورى والتخلص من الإستبداد
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الإسلام دين يدعو إلى الشورى والتخلص من الإستبداد
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الشورى أن يستطلع الحاكم رأي أولى الرأي من أصحابه ويعمل به إن تبين له الخير فيه، وأن يقبل النصح ممن يدلي به.
ويقابل الشورى الاستبداد، وقد عرفه علماء السياسة: بأنه تصرف فرد أو جماعة في حقوق قوم بغير خوف من تبعة؛ أو حذر من حساب، أو إشفاق من عقاب. وهو أصل من أصول الشر، وعامل من شر عوامل الهدم والتخريب والفاسد والتدمير؛ يعبث بكل مرافق الدولة، ويأتي بنيانها من القواعد، فيفسد على الناس دينهم ودنياهم. ويضر بهم في آخرتهم وأولاهم.
الاستبداد مفسد للدين، لأنه يكثر سواد العلماء المنافقين الذين يبيعون الدين بالدنيا، ويشترون بآيات الله ثمنًا قليلا، ويؤولون بأهوائهم الشرائع على غير وجهها، ويحرفون الكلم عن مواضعه ازدلافا إلى الحاكم المستبد، وابتغاء مرضاته.
والاستبداد يطلق لأهل التأويل والتحريف عنان القول، فيأتون بكل منكر وزور، ويصد العلماء المحققين عن البحث والنظر، والكشف عن الحقائق؛ بل يكُم أفواههم، ويحطم أقلامهم؛ ويلزمهم عُقر دورهم.
الاستبداد يفسد العلم؛ إذا ليس من مصلحة المستبد أن تستنير رعيته بنور العلم فتعرف حقها وتطالب به، ويهمّه أن تظل الرعية جاهلة غافلة حمقاء، تخبط في ظلام الجهل، وتضل في تيه الغباء، كما أنه مفسد للحياة الاقتصادية إذ يجعل المال في أيدي الناس عرضة لسلب المستبد وأعوانه وعماله. والإنسان لا يحصل على المال إلا بشق النفس، فمن ذا الذي يقدم على ركوب الأهوال واقتحام الأخطار في جمع المال وهو واثق بأنه لا ينتفع به؟ وإنما يكد في جمعه وتحصيله ليأخذه الظالم سهلا هينًا بلا كد ولا نصب.
وهو مفسد للأخلاق، بما يتركه في نفوس المحكومين من الذلة والجبن، والملق والنفاق، والكذب والرياء، والحقد وفقدان الثقة، ويقتل جميع الفضائل الإنسانية ويحيي الغرائز الحيوانية، ويقتل الإرادة قتلا، ويقضي على فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحول بين الأمة والرقي، فتعيش منحطة مسفة في كل شؤونها وأطوارها.
فلما علم الله ما في الاستبداد من هذه الشرور وأمثالها أرسل نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم بالدين الإسلامي هادما له، قاضيًا عليه؛ داعيًا إلى الشورى وحاضًا عليها، وجعل لكل فرد من الأمة حق مراقبة الحكومة وإبداء الرأي في الشؤون العامة. قال تعالى مخاطبًا نبيه الكريم عليه الصلاة وأتم التسليم ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159] أي لا تقطع أمرًا من الأمور العامة المتعلقة بالدنيا حتى تشاور فيه أصحابك من المؤمنين، وتقف على رأيهم. أما أمور الدين فقد تكفل الوحي بها، ولم يحوجه الله فيها إلى الاستنارة برأي أحد كائنًا ما كان رأيه.
وقال الله تعالى جده في شأن المؤمنين ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾؛ وقص علينا جل ثناؤه ما كان من أمر الملوك الذين اعتصموا بالشورى في أمرهم فقال حكاية عن ملكة سبأ ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل: 32] وقال سبحانه فيما يحكى عن فرعون عليه اللعنة ﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾ [الأعراف: 109 – 111] يريد الله – وله الحمد – أن يبين لنا أن هذا الكافر الذي لا يدين دين الحق يعتصم بالشورى وينتفع بها، ويستطلع رأي الملأ من حوله، فكيف لا ينتفع بها المؤمنون الذين هداهم الله إلى الطيب من القول وإلى صراطه المستقيم.
وقال عليه الصلاة والسلام «الدين النصيحة»، قالوا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله، ولأئمة المؤمنين وعامتهم».
وقد قرر الإسلام أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أقدس حقوق المسلم على المسلم، وأمر أن تختص فئة من المسلمين بالقيام به. قال تعالى ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
وقد قص الله علينا من أنباء الأمم الغابرة ما فيه عبرة وعظة، وبيّن لنا أن ما أصابهم من المحن والكوارث ما كان إلا نتيجة لتركهم التناهي عن المنكر. قال تعالى ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 79].
وقد نبهنا عليه الصلاة والسلام إلى أننا إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعرضنا لأحداث سيئة؛ وأهوال شنيعة، وكوارث لا قبل لنا باحتمالها، ولا طاقة لنا بها. قال عليه الصلاة وأتم التسليم «لتأمرن بالمعروف؛ ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا؛ أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، أو ليلعنكم كما لعنهم».
وأمر عليه الصلاة والسلام جميع المسلمين بتغيير المنكر إذا رأوه، فقال «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك ضعف الإيمان».
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هو في التناصح بين المسلمين، وهو نوع من المشاورة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في الحرص على المشاورة والعمل بها فقد ضرب أحسن المثل بما كان منه في وقعة بدر، حين نزل بأدنى ماء منها وأراد أن يعسكر فيه، فقال له الحباب بن المنذر بن الجموح – وكان خبيرًا بالمكان – «يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله، فليس لنا أن نتقدم عنه ولا نتأخر، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزل، ثم نغور ما وراءه من القُلَب (الآبار) ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب وهم لا يشربون» ولم يلبث النبي صلى الله عليه وسلم أن تبين له صواب ما أشار به الحباب حتى نهض ونهض من معه متبعًا رأى صاحبه الذي أشار به، والذي ظهر له أنه حق، وفي ذلك ما يقنع أصحابه بأنه بشر مثلهم وأن الأمر شورى بينهم فيما لم يوح إليه بشيء فيه.
وكذلك تشاور النبي صلى الله عليه وأصحابه عند غزوة أحد، حين جمعت قريش جموعها وسارت إلى المدينة، وترامت أخبارها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع أصحاب الرأي والمشورة من المسلمين وعرض عليهم الأمر. وكان من رأيه عليه الصلاة والسلام أن يتحصنوا بالمدينة، وأن يذروا قريشًا خارجها، وإذا حاولوا اقتحامها صدوهم وتغلبوا عليهم، وكان ذلك رأي الأكابر من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ولكن فتيانًا من أولي الحمية لم يشهدوا بدرًا، ورجالا شهدوها وأمتعهم الله بالنصر فيها – أحبوا الخروج إلى العدو حتى لا يظن أنهم جبنوا عن لقائه، فلما تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أن الذين أشاروا بالخروج كانوا كثرة نزل على رأيهم.
وكذلك كان عليه الصلاة والسلام يستشير أصحابه دائما في الأمر ولا ينفرد دونهم برأي إلا إذا جاءه الوحي بشيء، فلم يكن له محيص من تنفيذ ما أوحى الله تعالى به إليه.
وكان إذا تم الأمر في جانب الكثرة، لا ينثني عنه مهما تكن الأمور، يشهد لذلك أن الكثرة حين أشارت عليه بالخروج يوم أحد، فلبس درعه، وتقلد سيفه، عادوا فقالوا «ما كان لنا أن نخالفك؛ فاصنع ما ترى، وما كان لنا أن نستكرهك؛ والأمر لله ثم لك، فقال عليه الصلاة والسلام: ما كان لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه».
وذلك خير نظام للشورى:
يستشير الحاكم أصحاب الرأي والمشورة من الأمة، ثم يعمل على تنفيذ ما تشير به الكثرة، فإذا عدلت الكثرة عن رأيها بعد ذلك؛ لم يعدل معها، حتى لا يقضي التردد على الحزم؛ ولا يفسد الأمر بين الإقدام والإحجام، قال تعالى ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
وكذلك وضع الإسلام أساس الشورى، ونظام النصيحة، وهو خير نظام تحكم به الشعوب وتساس به الدول، فينهض بها في مدارج الرقي وينيف بها على البقاع.
وهذه الأنظمة الحديثة التي يظن الكثير أنها من مبتكرات دول الغرب قد وضع الإسلام أساسها منذ نيف وثلاثة عشر قرنا على أتم نظام وأبلغ إحكام، بل أنهم قد شوهوها بما أدخلوا عليها من نظم قضت فيها على الروح الإصلاحية التي جعلها الله فيها، وأصبحوا قد أشربت قلوبهم القسوة والعلو في الأرض؛ فتظاهروا بالشورى وحب الشورى وهم أحرص الناس على الظلم والاستبداد، وما ذلك إلا لأن الشورى أولا إنما تكون بين قوم يخافون الله، ويرغبون إلى مرضاته؛ طهرت نفوسهم من كل حظوظ الدنيا، فهي حينئذ تقول كلمتها خالصة من الهوى والغرض؛ صافية من حب النفس وعبادة المادة، فيكون لها من ذلك نور وهدى في المشورة. وإذا هي ردت عليها مشورتها لم تأخذها الحمية والعصبية. فأمن شرها وكفل خيرها.
تلك هي بعض أسس الشورى في القرآن الكريم ولكن انصراف الناس عن تعرف أسرار كتابهم ومفاخر دينهم جعلهم في غفلة عن هذا الفخر العظيم جعلنا الله من السائرين على ضوء الإسلام. المؤتسين بنبيه صلى الله عليه وسلم. آمين.
: