رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد على التأمل في الاّيات الكونية
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد على التأمل في الاّيات الكونية
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن القرآن الكريم مملوء بالآيات الكريمة الآمرة بالنظر إلى آيات الله الكونيَّة، فَكَمْ في ذلك من العِبَر الظاهرة، والعِظَات البليغة، يقول الله -جل وعلا-: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النُّورِ: 44]، آيات عظيمة ودلائل باهرة، على عظمة الخالق -جل وعلا-، وعلى وحدانيته، وأنَّه هو المستحق للعبادة وحدَه لا شريكَ له، فالمتأمل في مخلوقات الله والناظر في عجيب صنعه -سبحانه- وبحمده، يعظم حينئذ يقينه بربه -عز شأنه-، ويزداد إيمانُه وثباتُه بأنَّه -عز وجل- المتفرد بالخلق والتدبير، والتصريف والتدبير، والملكوت وكمال القدرة وتمام الحكمة؛ مما يوجب على العباد حينئذ كمال التوحيد والاستسلام التام له، والانقياد له بالطاعة والخضوع، يقول جلَّ وعلا في وصف عباده: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا إنَّ الواجب على العبد أن يعتبر بتغيُّر الأحوال، وأن يتذكَّر بذلك دارَ القرارِ، وأنَّ هذه الدارَ زائلةٌ؛ فالسعيد مَنْ كان في ذلك معتَبِرًا، ومُدَّكِرًا، يقول جل وعلا: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْقَصَصِ: 73]، ألَا وإنَّ الموفَّق -يا عباد الله-، مَنِ استغلَّ حياتَه فيما ينفعه في الدار الآخرة، وإن المغبون من جعل حياته في اللعب واللهو ونسيان أمر الله -جل وعلا- وطاعته وعبادته، يقول الله -جل وعلا-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الْفُرْقَانِ: 62].
ومن العبر تعاقب الفصول؛ من شتاء وصيف، وربيع وخريف، ففي شدة الحر فليتذكر العبد حر نار جهنم، ويستعمل حينئذ نفسه بكل ما يرضي الله -جل وعلا-، وينجيه من سخطه وعقابه، قال الله -جل وعلا- حكاية عن المنافقين وتخلفهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التَّوْبَةِ: 81]، وقد أخرج الشيخان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: “اشتكتِ النارُ إلى ربها، فقالت: أكَل بعضي بعضًا، فَأَذِنَ لها بنفَسَينِ؛ نَفَسٍ في الشتاء، وَنَفَسٍ في الصيف، فهو أشدُّ ما تجدون من الحَرِّ، وأشدُّ ما تَجِدُونَ من الزمهريرِ”، فَكُنْ -أيُّها المسلمُ- على حذرٍ شديدٍ من يوم الوعيد، واعلم أن الآخرة فيها الشقيُّ والسعيدُ، فَكُنْ من أهل التقوى، ومُلازَمة طاعة المولى، روى مسلمٌ عن المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- مرفوعًا: “تُدنَى الشمسُ يوم القيامة من الخَلْق، حتى تكون منهم كمقدار مِيل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق، فمنهم مَنْ يكون إلى كعبيه، ومنهم مَنْ يكون إلى رُكبتيه، ومنهم مَنْ يكون إلى حقويه، ومنهم مَنْ يُلجِمه العرقُ إلجامًا، وأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى فيه”، وأخرَج الشيخانِ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: “يَعرَق الناسُ يومَ القيامة حتى يذهب عرقُهم في الأرض سبعينَ ذراعًا، ويُلجِمُهم حتى يَبلُغ آذانَهم”.
فلئن أعددتُم كلَّ الوسائل الممكنة في هذه الحياة للوقاية من أذى الحر وشدته، فكونوا عاملينَ، مشمرينَ، مجاهدينَ، في كل ما يقيكم من عذاب الله -جل وعلا- في الآخرة وأهوالها، يقول سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[الْمُرْسَلَاتِ: 41-44]، ولقد كان سلفنا -رضي الله عنهم- في إدراك تام لهذه الحقيقة، فمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- حين حضرته الوفاة يأسف لا على دُنيا، وإنَّما على قيام الليل، ومُزاحَمة العلماء بالرُّكَب، وعلى الصيام في أيام الصيف، وأبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: “صوموا يومًا شديدًا حرُّه، لحَرِّ يومِ النشورِ، وصلُّوا ركعتينِ لظُلمةِ القبورِ”.
فيا إخوة الإسلام: إن في تعاقب الفصول وتبدل الأحوال لآيات للاعتبار والتذكر، بحال هذه الدنيا، وسرعة زوالها، وما يؤول إليه العبد يوم القيامة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: “ما لي وللدنيا! ما مَثَلِي ومَثَلُ الدنيا إلا كراكب سارَ في يوم صائف فاستظلَّ تحتَ شجرة ساعةً ثم راح وتركها”(حديث صحيح).
إن الواجب علينا أن نشكر الله -جل وعلا- بقلوبنا وجوارحنا، على نِعَمِه العُظمى، ومِنَنِه الكبرى، التي أسبَغَها على ما لم تكن مِنْ قبلُ، وأن نحمده على أفضاله المتكاثرة، ونعمه المدرارة؛ إذ هيأ لنا في مثل هذه العصور من أسباب الراحة ووسائل دفع الأذى، ما لم يتهيأ لمن كان قَبلَنا، يقول أنس -رضي الله عنه-: “كُنَّا نُصلِّي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيضع أحدُنا طرفَ ثوبِه من شدة الحر في مكان السجود”(رواه البخاري)؛ فما أحوجَنا إلى معرفة حقوق خالِقِنا -جل وعلا-، والقيام بامتثال أوامره، واجتنابِ أسبابِ سَخَطِهِ، قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[الْبَقَرَةِ: 152]، فمن قام بحق شكر الله -جل وعلا- توحيدًا وطاعةً أغدَق عليه من نعمه، وزادَه من فضله، وأسعدَه في حياته وبعد مماته؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ