رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن نداءات العلي القدير لرسول الإسلام في القراّن الكريم
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن نداءات العلي القدير لرسول الإسلام في القراّن الكريم
بقلم المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
أرسلَ اللهُ تعالى نبيَّنَا ﷺ رحمةً للعالمينَ، وهو صاحبُ المقامِ المحمودِ، والحوضِ المورودِ، أعلَى اللهُ مقامَهُ، وشرَحَ صدرَهُ، ووضَعَ وِزرَهُ، ورفَعَ ذِكرَهُ، فَضْلُهُ ﷺ على البشريةِ عظيمٌ، فبهِ هُدوا إلى الصراطِ المستقيمِ، وأنقَذَهُم بهِ مِن عذابِ الجحيمِ، قالَ ربُّنَا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، قال ابنُ عباسٍ – رضي اللهُ عنهما-: “ما خلَق اللهُ وما ذرَأَ وما برَأَ نفسًا أكرمَ عليهِ مِن سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وما سمعتُ اللهَ أقسَمَ بحياةِ أحدٍ غيرِه” يريدُ قولَهُ تعالى:﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ .
وقد كثرَ نداءُ اللهِ – تعالى- لنبيِّهِ ﷺ في القرآنِ الكريمِ، وفيمَا يلِي وقفةٌ مع بعضِهَا:
*الأمرُ بقيامِ الليلِ، وتقوىَ اللهِ تعالَى: قال ربُّنَا آمرًا إيَّاهُ ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾، فكان ﷺ يواظبُ على قيامِ الليلِ والتبتُّلِ، مواظبةً أفرَغتْ في قلوبِ المسلمينَ إيمانًا بهِ وحبًّا لهُ، وتفانيًا في نُصرتِهِ، وتحققًا مِن صِدقِ قولِهِ، وفي ذلك يقولُ ابنُ رَواحةَ:
وفينَا رسولُ اللهِ يَتلُو كتابَهُ … إذا انشقَّ معروفٌ مِن الفجْرِ ساطعُ
أرانَا الهُدَى بعدَ العَمَى فقلوبُنَا … به مؤمناتٌ أنَّ ما قالَ واقعُ
يَبيتُ يُجافِي جَنْبَهُ عن فراشِهِ … إذا استَثْقَلتْ بالمشركينَ المَضاجعُ
ومِن كثرةِ وجلِهِ وقيامِهِ ﷺ كَثُرَ الشيبُ عندَهُ ﷺ قبلَ أوانِهِ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالوَاقِعَةُ، وَالمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» (الترمذي وحسنه) .
يقولُ الإمامُ الطيبِي: “قال العلماءُ: لعلَّ ذلك لِمَا فيهنَّ مِن التخويفِ الفظيعِ، والوعيدِ الشديدِ؛ لاشتمالِهِنَّ مع قصرهنَّ على حكايةِ أهوالِ الآخرةِ وعجائِبِهَا وفظائِعِهَا، وأحوالِ الهالكين والمعذَّبين مع ما في بعضهنَّ مِن الأمرِ بالاستقامةِ” أ.ه.
لقد خُيِّلَ إلى بعضِ الصحابةِ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ بعدَ أنْ أجزَلَ لهُ ربُّهُ في العطاءِ، حتى غفَرَ لهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ وما تأخَّرَ، وبعدَ أنْ نصَرَهُ نصرًا عزيزًا، وفتَحَ لهُ فتحًا مبينًا- خُيِّلَ إلى هذا البعضِ أنَّهُ ﷺ بعدَ أنْ بلَغَ تلك المنزلةَ، سيُسَلِّمُ نفسَهُ إلى شيءٍ مِن الدَّعةِ، ويَخلدُ إلى قليلٍ مِن الراحةِ، ولكنَّهُ عليهِ السلامُ يَغرقُ في العبادةِ، ويُكثرُ مِن الخَلوةِ، ويُبالغُ في التهجُّدِ، فيَعجبُ لذلك هؤلاء الأصحاب، ويسألون عن السرِّ فيهِ، فعَنِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا؟ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» (مسلم) .
فلننظرْ حالنَا مع ربِّنَا – عزَّ وجلَّ – وأينَ نحنُ مِن حبيبِنَا ﷺ الذي ناداهُ ربُّهُ آمرًا إيَّاهُ: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ فالمرادُ بأمرِه: “المداومةُ على ذلك، والازديادُ مِن هذه التقوى”؛ لأنَّها على رأسِ الفضائلِ التي يحبُّهَا سبحانه.
يقولُ ابنُ كثيرٍ: (هذا تنبيهٌ بالأعلَى على الأدنَى، فإنَّهُ- تعالى- إذا كان يأمرُ عبدَهُ ورسولَهُ بهذا، فلأنْ يأتمرَ مِن دونِه بذلك بطريقِ الأولَى والأحرَى) أ.ه. (تفسير القرآن العظيم) .
وبعدَ الأمرِ بالتقوىَ جاءَ النهيُ عن طاعةِ غيرِ المؤمنين، وفي إيرادِ هذا النهيِ إشارةٌ وإيحاءٌ إلى ما كان يبذلُهُ هؤلاءِ الكافرون والمنافقون مِن جهودٍ عنيفةٍ لزحزحةِ النبيِّ ﷺ عمَّا هو عليهِ مِن حقٍّ، ولصرفهِ عن دعوتِهِم إلى الإسلامِ.
وأحيانًا يكونُ هذا النداءُ مصحوبًا بالعتابِ على فعلِ النبيِّ ﷺ شيئًا ما كان لا ينبغِي فعلهُ كقولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ .
قال بعضُ العلماءِ: («ناداهُ بلفظِ «النبيِّ» إشعارًا بأنَّهُ الذي نبئَ بأسرارِ التحليلِ والتحريمِ الإلهِى، والمرادُ بتحريمِهِ ما أحلَّ لهُ، امتناعهُ منه، وحظرهُ إيَّاهُ على نفسِه، وهذا المقدارُ مباحٌ، ليس في ارتكابِه جناحٌ، وإنَّما قِيلَ لهُ: “لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ”: رفقًا بهِ، وشفقةً عليهِ، وتنويهًا لقدرهِ ولمنصبِه ﷺ أنْ يراعِى مرضاةَ أزواجِه بمَا يشقُّ عليهِ جريًا على ما ألفَ مِن لطفِ اللهِ بهِ، ورفعَهُ عن أنْ يحرجَ بسببِ أحدٍ مِن البشرِ الذين هم أتباعُهُ) أ.ه.
وقد أرشدَهُ ربُّهُ سبحانَهُ والأمةَ مِن بعدِه إلى المخرجِ مِن ذلك، وهذا مِن مظاهرِ رحمتِه بهِ وبأتباعِهِ فقال: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ وقال ﷺ: «… وَاللَّهِ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا» (البخاري) .
*الأمرُ بقتالِ المعتدينَ والباغينَ على اختلافِ طوائفِهِم: نادَى ربُّنَا نبيَّهُ ﷺ آمرًا إيَّاهُ والأمةَ مِن بعدِه بذلك فقالَ سبحانَهُ: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ﴾، وقال أيضًا: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾، وهنا يجبُ علينَا بيانُ أنّ هذا الجهادَ يشملُ صورًا، ويأخذُ أشكالًا متعددةً كما قال ربُّنَا في وصفِ القرآنِ: ﴿وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً﴾، ومِن صورِ هذا الجهادِ أنْ يقومَ كلُّ مسلمٍ بواجبهِ المنوطِ بهِ، فكلٌّ مكلفٌ في محرابِ عملِهِ ومجالِهِ حتى نتفوقَ ونتقدمَ على عدوِّنَا في كلِّ المجالاتِ تعليمًا واقتصادًا وعسكريًّا … إلخ، ثمّ إنَّ هذا القتالَ إنّمَا يتولاهُ الحاكمُ أو مَن يختصُّ بذلك، مِن هنا نحفظُ للناسِ أمنَهُم، قالَ ربُّنَا: ﴿وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ .
أما الآمنونَ أو المعاهدونَ فهم معصومو الدمِ والمالِ والعرضِ، ولم يأمرْ الإسلامُ قطٌ بقتالِهِم أو الاعتداءِ عليهِم بل جعلَ كمالَ الإيمانِ أنْ يسلمَ الخلقُ مِن أذَى المسلمِ، فقالَ ﷺ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» (أحمد)، وما انتشرَ الفهمُ الخاطئُ إلّا بسببِ تغييبِ العقولِ، وعدمِ الفهمِ السديدِ لمقاصدِ الشريعةِ، فالإسلامُ لا يتعطشُ للدماءِ أو يدعُو للقتلِ والوحشيةِ بل هذا يتعارضُ جملةً وتفصيلًا مع وقائعِ التاريخِ، ومجرَى الأحداثِ، قال ﷺ:«مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» (البخاري) .
*وصفهُ بالبشارةِ والنذارةِ، والقيامِ بواجبِ الدعوةِ: وجَّهَ- سبحانَهُ- نداءً إلى النبيِّ ﷺ حددَ له فيهِ وظيفتَهُ، وأمرَهُ بتبشيرِ المؤمنينَ بمَا يسرُّهُم، ونهاهُ عن طاعةِ الكافرين والمنافقين فقالَ: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَداعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا* وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾، وقدَّمَ- سبحانَهُ- التبشيرَ على الإنذارِ؛ تكريمًا للمؤمنين المبشرين، وإشعارًا بأنَّ الأصلَ في رسالتِه ﷺ التبشير، فقد أرسلَهُ اللهُ- تعالى- رحمةً للعالمين .
فهو سراجٌ للأمةِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ، فإذا قرأتَ مِن سنتهِ أو عملتَ بهَا أضاءَ اللهُ في قلبِكَ سراجَ الإيمانِ، ونورَ اليقينِ، وهو لم يدَعْ خيرًا إلّا دلَّ الأمةَ عليهِ، ولا شرًّا إلّا حذَّرَ الأمةَ منهُ.
يقولُ الزمخشرِي: (جلَى اللهُ بنبيِّهِ ﷺ ظلماتِ الشركِ، فاهتدَى بهِ الضالون كما يُجلَى ظلامُ الليلِ بالسراجِ المنيرِ ويهتدِى بهِ، أو أمدَّ اللهُ بنورِ نبوتهِ نورَ البصائرِ كمَا يُمَدُّ بنورِ السراجِ نورُ الأبصارِ، ووصفَهٌ بالإنارةِ؛ لأنَّ مِن السراجِ ما لا يضيءُ إذا قلَّ سليطُهُ أى: زيتُهٌ، ودقتْ فتيلتُهُ) أ.ه.
وقالَ لهُ ربُّنَا – عزَّ وجلَّ- متلطفًا ومؤآنسًا في النداءِ لمَّا تدثرَ بالفراشِ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾، فالآيةُ فيهَا أمرٌ للنبيِّ ﷺ ومَن هُم متأهلينَ علميًّا وفكريًّا أنْ ينهضُوا مِن مضاجعِهِم، ويبادرُوا بعزيمةٍ وتصميمٍ على إنذارِ الناسِ وتخويفِهِم مِن سوءِ عاقبتِهِم إذا ما استمرُّوا في عنادِهِم، وداومُوا على إعراضِهِم، كما أمرَهُم أيضًا أنْ يقومُوا بتطهيرِ الظاهرِ في بدنِ الإنسانِ وثوبِه ورقعتِه، بهذا يجمعُ المسلمُ بينَ النظافتينِ، ويحافظُ على الطهارتين، وحين يجمّلُ الدينُ بواطنَهُم بالهدايةِ إلى الصراطِ المستقيمِ، فإنَّه يجمّلُ ظواهرَهُم في أحسنِ تقويمٍ.
يقولُ القرطبِيُّ: (قولُهُ: “يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ” ملاطفةٌ في الخطابِ مِن الكريمِ إلى الحبيبِ، إذ ناداهُ بحالِه، وعبّرَ عنهُ بصفتِه، ولم يقلْ: “يا محمدٌ” و “يا فلانٌ”؛ ليستشعرَ اللينَ والملاطفةَ مِن ربِّهِ، ومثلُهُ قولُ النبيِّ ﷺ لعلىٍّ إذ نامَ في المسجدِ «قُم أبَا ترابٍ»، وكان قد خرجَ مُغاضبًا لفاطمةَ رضى اللهُ عنها، فسقطَ رداؤُه، وأصابَهُ التراب، ومثلُهُ قولُهُ لحذيفةَ بنَ اليمانِ ليلةَ الخندقِ: «قُم يا نومان») أ.ه.
فهل ﷺ منذرٌ فحسب أم مبشرٌ؟ والجمعُ بينهمَا أنْ يُقالَ: إذا تكلمَ اللهُ عن إنذارِ المشركينَ الذين عطّلُوا حواسَّهُم عن الإيمانِ باللهِ حصرَ مهمتَهُ في الإنذارِ، وإذا تكلَّمَ عن البشارةِ سمَّى البشارةَ، ويستفادُ مِن ذلك أنَّ الداعيةَ يجبُ عليهِ أنْ يجمعَ في خطابِهِ بينَ الترغيبِ والترهيبِ أو الوعدِ والوعيدِ، وهو منهجٌ قرآنيٌّ نبويٌّ، فمَا مِن كلامٍ عن الجنةِ إلَّا ويعقبُهُ حديثٌ عن النارِ؛ كيلَا لا يقنطُ الناسُ مِن رحمةِ اللهِ، ولا يبتعدُوا عن منهجِهِ بالكليةِ، فتنبهْ وافهمْ.
(2) لم يُنادَى سيدُنَا مُحمدٌ ﷺ باسمِه مجردًا في الكتابِ الحكيمِ:
المستقرىءُ لكتابِ اللهِ – عزّ وجلَّ – يجدُ أنَّ جميعَ الأنبياءِ والمرسلين قد نُودُوا بأسمائِهِم مجردينَ كقولِهِ سبحانه: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾، وقولِه: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾، وقولِه: ﴿قالَ يَا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي﴾، وقولِه: ﴿إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ﴾ بينمَا سيدُنَا مُحمدٌ ﷺ اقترنَ اسمُهُ بوصفِ النبوةِ أو الرسالةِ أو غيرِهَا مِن الأوصافِ، فنادَاهُ ربُّنَا ب “الرسولِ” مرتينِ في سورةِ المائدة، كقولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ﴾، ونادَاهُ ب “النبيِّ” ثلاثَ عشرةَ مرةً كقولِهِ سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾، ونادَاهُ ب “المزملِ” مرةً واحدةً، ونادَاهُ ب “المدثرِ” مرةً واحدةً.
أمّا المواضعُ التي وردَ فيها ذكرُ اسمِ سيدِنَا “مُحمدٍ” مجردًا أربعُ مراتٍ في القرآنِ الكريمِ، ثلاثةٌ منهَا مقترنةٌ بوصفِهِ بالرسالةِ، وهي قولُهُ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾، وقولُهُ: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾، وقولُهُ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، والملاحظُ أنَّ هذه المواضعَ ذُكِرَ فيها ﷺ مجردًا مِن أجلِ إثباتِ قضيةٍ أو نفيِ قضيةٍ مَا: أمّا الأولَى: فوردتْ في سياقِ الحديثِ عن تقريرِ “قضيةِ الموتِ” التي تجرِي ويستوي فيها الجميعُ، والثانيةُ: في التشريعِ الإلهِي في “قضيةِ التبنِّي”؛ ليقطعَ العلائقَ بينَ النبيِّ ﷺ وبينَ غيرهِ فيمَا يتعلقُ بهذا الأمرِ، والثالثةُ: في تقريرِ وتأكيدِ قضيةٍ أنَّه رسولُ اللهِ، فإنْ أنكرَ ذلك بعضُ الخلقِ فلن يضيرَهُ ﷺ فهي جملةٌ مكونةٌ مِن مبتدأٍ وخبرٍ تثبتُ شهادةَ اللهِ لهُ بالرسالةِ.
وواحدةٌ في سياقِ إنزالِ القرآنِ عليهِ ﷺ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾، فقولُه: “آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ” يستلزمُ الإيمانَ بكلِّ الإنبياءِ بمَا فيهِم سيدِنَا ﷺ، وقولُه:”وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ” تخصيصٌ بعدَ تعميمٍ؛ لشرفِ ورفعةِ مقامِهِ ﷺ.
يقولُ الزمخشرِيُّ: (فإنْ قلتَ: إنْ لم يوقعْ اسمهُ في النداءِ، فقد أوقعَهُ في الإخبارِ في قولِهِ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾؟ قلتُ: ذلك لتعليمِ الناسِ بأنَّهُ رسولٌ، وتلقينٌ لهم أنْ يسموهُ بذلك ويدعوهُ به) أ.ه. (الكشاف) .
وقد تكلّمَ العلماءُ عن الحكمةِ في تركِ النداءِ باسمِ النبيِّ ﷺ في القرآنِ الكريمِ، وعامةَ ما ذكروهُ يرجعُ إلى أمرينِ:
الأولُ: تعليمُ الأمةِ ألّا تُنادِي رسولَ اللهِ ﷺ باسمِهِ مجردًا: فهذا هو خطابُ ملكِ الملوكِ لنبيِّنَا وحبيبِنَا ﷺ؛ ليُعلِّمَ اللهُ أهلَ الأرضِ جميعًا كيف يتأدبونَ مع الحبيبِ؟ وكيف ينادونَهُ؟ وكيف يتكلمونَ في حضرتِهِ.
ثانيًا: تعظيمُ قدرِ النبيِّ ﷺ وإجلالُهُ كما قالَ ربُّنَا: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ .
يقولُ الرازِيُّ: (فإنْ قِيلَ: كيف قال: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ”، ولم يقلْ يا ”محمدٌ” كما قال: “يا موسى”، و “يا عيسى”، و “يا داودُ” ونحوهُ؟ قلنًا: إنَّمَا عدلَ عن ندائِه باسمِه إلى ندائِه ب”النبيِّ”، و”الرسولِ”؛ إجلالًا وتعظيمًا لهُ) أ.ه.
وقد حذّرَ المولى– سبحانه– أنّ نداءَ النبيِّ ﷺ كما يُنادِي بعضُنَا بعضًا مِن “محبطاتِ الأعمالِ” فقالَ سبحانَهُ:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ .
ما أحوجنَا في هذا الزمنِ ألّا نرفعَ صوتَنَا على شرعِ اللهِ – عزّ وجلّ – وعلى سنةِ نبيِّهِ ﷺ فلا يقدمُ المسلمُ على شيءٍ إلّا إذا وافقَ حكمَ اللهِ ورسولِه﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾، فرسولُنَا ﷺ وشرعُهُ لهُ حرمتُه وقدسيتُه .
يقولُ ابنُ كثيرٍ: (وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ قبرِه ﷺ كما كان يُكرَهُ في حياتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَفِي قَبْرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا) أ.ه.
وقد روي عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه: “أنَّه سمعَ صوتَ رجلينِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَجَاءَ فَقَالَ: أَتَدْرِيَانِ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ ثُمَّ قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَأَوْجَعْتُكُمَا ضَرْبًا” (تفسير القرآن العظيم 7 / 343) .
وقد يحتجُّ مَن يُنادِي نبيَّنَا ﷺ باسمِه مجردًا بحديثِ “ لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ” لكنْ حكمَ العلماءُ عليهِ بالضعفِ بل الوضعِ قَالَ السَّخَاوِيُّ: “لَا أَصْلَ لَهُ” (المقاصد الحسنة)، فضلًا عن اللغطِ اللغوِي المنزهِ عنهُ ﷺ يقولُ الناجِي في أوائلِ مولدِهِ المسمَّى بـ “كنزِ العفاة”: (وأمّا النقلُ عن سيّدِ الورَى: “لا تسودونِي في الصلاةِ”، فكذبٌ مولدٌ مفترَى، والعوامُ مع إيرادِهِم لهُ يلحنونَ فيهِ أيضًا فيقولون: “لا تسيدونِي” بالياءِ، وإنّمَا اللفظةُ بالواوِ) أ.ه.
أمَّا حديثُ البخارِي في التشهدِ لَمَّا سُئِلَ: “كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: ” قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ …” (متفق عليه)، فقالَهُ ﷺ تواضعًا منهُ وهضمًا للنفسِ وإلَّا فعن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْر» (ابن حبان)، ف”السيدُ”: الذي يفوقُ قومَهُ في الخيرِ، ويفزعُ إليهِ في النوائبِ والشدائدِ فيقومُ بأمرِهِم ويتحملُ عنهم مكارهَهُم ويدفعُهَا عنهُم، وسببُ التقييدِ ب “الآخرةِ” أنَّ في يومِ القيامةِ يظهرُ سؤددُهُ لكلِّ أحدٍ، ولا يبقَى مناعٌ ولا معاندٌ ونحوهُ بخلافِ الدنيا فقد نازعَهُ ذلك فيها ملوكٌ كثرٌ، فقولُهُ ﷺ: “أنَا سيّدُ ولدِ آدم”: “لم يقلْهُ فخرًا، وإنَّمَا قالَهُ لوجهينِ أحدهمَا: امتثالُ قولِهِ تعالَى: ﴿وأمّا بنعمةِ ربِّكَ فحدثْ﴾ والثاني: أنه مِن البيانِ الذي يجبُ عليهِ تبليغُهُ إلى أمتِهِ ليعرفُوه ويعتقدُوه ويعملُوا بمقتضاه ويوقرُوه ﷺ بما تقتضِي مرتبتُه كمَا أمرَهُم اللهُ تعالى” أ.ه.(شرح النووي 15 / 37).
فالخلاصةُ في هذه المسألةِ: أنَّنَا بينَ مقامينِ: مقامُ اتباعِ النصِّ أو مقامُ التزامِ الأدبِ مع سيدِنَا رسولِ اللهِ ﷺ، ولا إنكارَ في المختلفِ فيهِ، فلا نقيمُ معركةً في غيرِ ميدانٍ، فافهمْ والزمْ.
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنَا، وأنْ يزيلَ همومَنَا، وأنْ يذهبَ أحزانَنَا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا، لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.