رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحرية الحقيقية في التمسك بالقيم الدينية
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحرية الحقيقية في التمسك بالقيم الدينية
بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الحرية حق طبيعي للإنسان، ومطلَب أساسي له في الحياة، لا يستطيع العيش بدونها، ولا قيمة له ولا معنى لحياته بلا حرية، ولقد خلق الله – عز وجل – الإنسان حرًّا كريمًا، وميَّزه على سائر المخلوقات بإرادة حرة، وعقل واعٍ، يَختار ما يصلح له، ويميز ما ينفعه، فليس مُصَيَّرًا مَجبورًا، بل حرٌّ مختار، يختار ما يشاء، ويتصرَّف كيفما أراد في إطار المُباحات، يتكلم بما في داخله، ويعبر عن نفسه.
ولقد حفظ الإسلام حرية الإنسان وأحاطها بسياج من الحدود والضَّوابط، ففرَض عُقوبات وزَواجر لمن يتعدَّى على حرية الناس ويَعتدي عليهم.
فلا يتعرَّض أحدٌ لأحد بأذى؛ لا في بدنه، ولا عِرضه، ولا دينه، ولا ماله، بأي شكل مِن الأشكال، فالعدلُ واجب في ميزان الإسلام، فلا احتِقار ولا امتِهان لكرامة الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
إنَّ دُعاة الحرية اليوم – الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عنها والتكلُّم باسمها – قد سبقتهم الشريعة الإسلامية منذ قرون من الزمان، ووضعت ضوابطها، وسنَّت قوانينَ لحمايتها.
ومقارنة سريعة بين المجتمع الإسلامي وغيره من المجتمعات تُنبئك كيف حمَت الشَّريعة الإسلامية حرية الإنسان، وحدَّت مِن الجَرائم التي من شأنها الاعتداء عليها.
وعلى حين المجتمع الغربي لم يَستطعْ إيقاف الجريمة، فهي في تزايُد وانتِشار بسبب قوانين وضعيةٍ قاصرة من وضع البشر، ما كان لها أن تَحمي الحُقوق والحُريات كاملة كما رسمها الإسلام؛ فقد جرَّبت أوروبا كل الأيديولوجيات والمذاهب، وأحدث الصيحات في منْع الجريمة، ومع هذا لم تتحرَّر مِن سُلطانها وطغيانها.
وجاء الإسلام لينظِّم الحياة بكافة أشكالها، ومُختلَف صورها، بما يَكفُل للناس الحرية الكاملة المنضبطة التي تنظِّم عيشَهم، وتُساعد على مُمارسة الحياة بشكل آمن مستقرٍّ، ضامنًا لهم تحقيق السعادة والتقدم الحضاري في أبهى صوره وأثمن مَعانيه وغاياته.
ضمنَ الإسلام للإنسان حقه الكامل في الثقافة والعلم والتعبير عن رأيه، والتصرُّف في ماله، واختيار طعامه وشرابه وملبسه في إطار مِن المباحات، ولم يُحرم عليه إلا ما كان ضررًا محضًا وخطرًا على صحَّته، وموردًا لهلاكه، فالإسلام لم يُقيِّد الحرية في الطعام والشراب إلا ما كان رجسًا تعافُه النفس ويَستقذره الطبع، أو كان مهلكًا للصحة، أو مغيبًا للعقل.
والبشر بحاجة ماسة لمن يُحرِّر قلوبهم وأفكارهم وعقولهم من عبودية الشهوات التي تسبِّب الذلَّ والصغار، والمهانة والشنار.
وليست الحُرية في الركض خلف الشهوات والانغِماس في الملذات، فيصير الإنسان عبدًا لها ومقيدًا بها، لا يرجع منها سالمًا، بل يعودُ محطمًا، حائر الفكْر مُنكسر الفؤاد، إنَّ الحرية الحقيقية هي الخضوع لله – عز وجل – واتِّباع أوامره واجتناب نواهيه؛ فالإسلام هو مصدر الحرية ومنبعها، حرية لا استعباد فيها، وكرامة لا ذل معها، فالعبودية لله وحده تحرِّر الإنسان من كل عبودية نسبية لغيره كائنًا من كان.
والإنسان لا يَبلُغ قمة الحرية وغايتها إلا حين يكون عبدًا لربه – جلَّ وعلا – خاضِعًا له وحده لا لسواه.
ولكي تؤتي الحرية ثمارها المرجوَّة لا بدَّ أن تمارَس بشكلٍ صحيحٍ، لا يتعارض والأخلاق التي نصَّ عليها الدينُ، وبُعث مِن أجْل إتمامها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
فلا تتعدَّ على حرية أحد، مارِس حريتك، لكن في إطار النظام العام، ولا تَتجاوز ميزان الشريعة، وقد أرسى الإسلام دعائم الحرية في بني الإنسان، فما كان له أن يكون عبدًا لشهوة أو مال، أو جاه أو ولد؛ ((تعس عبد الدينار)).
فمنذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهو حريص على تحرير العقل من سلطان الهوى، ومن العادات والتقاليد التي تستذله وتستعبده من دون الله، يريد له أن يكون حرًّا في معتقده وفكره وتعبُّده.
الحرية في الإسلام لا تتبع الهوى ولا الشهوة، وليس فيها إضرار بالغير، ولا اعتداء على أحد، ولا تعدٍّ على مقدَّسات الأمة وثوابتها ومقدراتها؛ حرية وسطية متوازِنة بين الفرد والمجتمع.
حرَّر البشرية مِن أغلال الرق الذي سيطر عليهم ردْحًا من الزمن، حتى كان الرجل يبيع ابنه وأمه إذا احتاج لبعض المتاع، ناهيك عن وأد ابنته حيَّة، أو قتل ولده خشية الفقر.
حرَّم الإسلام وأد البنت أو التعرُّض لها، وجرَّم مُرتكب هذه الفعلة الشنعاء، وفرض لها حقوقًا، وسنَّ لها قوانين تُساويها بالرجل في الحقوق والواجبات وتَحفظها من الإهمال والضياع، وحقق لها العدالة الاجتماعية، وأعطاها حقها في الميراث بعد أن كانت تورَث هي مع التركة كأي متاع مَملوك.
أفبعد كل هذا نلهث خلف أدعياء الحرية الذين خدَعوها فقالوا: إن الإسلام سبب تخلفها وظُلمِها؟!
إن نهضة المسلمين لا تقوم على ركام مُضطرب، ومزيج مختلط من أفكار واهية ومُحاولات فاشلة عابثة لمزج تعاليم الدين الحنيف مع فساد توجُّه الحضارة الغربية، وغياب وجهتها الربانية، واضمحلال مُنطلقِها الأخلاقيِّ.
جاء الإسلام بأكمل المناهج وأعظم الأيديولوجيات التي تحفظ حرية الإنسان في كل مكان، فلماذا نَنصهر في بوتقة التبعية للفكر الوافد والثقافات الدخيلة والدعوات الزائفة الباطِلة، ولا نَحمي ذاتيتنا المتميِّزة الفَريدة التي تحفظ أصالتنا وكرامتنا على امتداد العصور والأزمان؟ لا نريد حرية مستورَدة تَهوي بنا إلى فحش الأخلاق وسوء النهايات.
والحرية المطلَقة التي هي رفض أي نوع مِن التقيُّد خطر على المجتمع، فما كانت الحرية لتفهم على أنها رفع القيود مُطلقًا، فلو تُرك كل إنسان وما أراد لاستحالت الحياة إلى غابة، فالنفس الإنسانية بطبيعتها تحبُّ التفلُّت مِن كلِّ قيد، فليست الحرية أن يفعل كل امرئ ما يهواه أو يَحلو له، فعندها تصبح الحرية فوضى؛ لأنَّ الحرية لها ضوابط وقوانين وحدود لا يُمكن تجاهلُها أو إهمالها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينةٍ فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقْنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ مَن فوقنا؟! فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا))؛ متفق عليه.
لا وجود لحرية مطلقة في هذا العالم، وإلا تحول المجتمع إلى غابة من الفوضى تضيع فيها الحقوق، وتذوب فيها المسؤوليات، وتتداخَل الأهداف والغايات، وحينها فقط يُصبِح البقاء للأقوى، ليس الأقوى إيمانًا ولا أخلاقًا ولا برهانًا، وإنما القادر على انتزاع ما بأيدي الآخرين ونهب حقوقهم وسلب حرياتهم، فتقييد الحرية ليس نفيًا لها، وإنما تركها على إطلاقها دون ضوابط هو النفي الحقيقي لها، ومَحْق وجودها.
ليس في التكليف إكراهٌ، بل الحرية بعينها أن تستجيبَ لأمر الله، فلا يأمرك إلا بما فيه مصلحتك، ولا ينهاك إلا لمنْع ضررك، وحين تنتفي المصلَحة من هذا التكليف يُرفع الحرج؛ كجواز فطر الصائم لمرضه مثلاً، فالضروراتُ تُبيح المحظورات.
إنَّ الإسلام الذي مثَّل عصر رشد الإنسانية أقام حضارة الرحمة والعدل والإخاء الإنساني، وقدم مفاهيم عن الحرية ما كانت البشرية لتصل إلى عُشر مِعشارها؛ قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256].
فالإسلام ليس بحاجة إلى مناهج وافدة تُملي علينا ما ينبغي فعله، أو ما يوهموننا أنه في مصلحتنا؛ فلسنا بحاجة إلى قاذورات القصص الغربي، والأدب المكشوف، والكتابات الداعرة، والانفتاح غير المقيد ولا المنضبط!
وحين تركنا ديننا وراءنا ظهريًّا، أصبحنا نُطالب بحقوقنا استِعطافًا، على حين تُؤخذ الحقوق في بلاد الحرية استِحقاقًا.
إن الغاية التي خُلق الإنسان لأجلها – وهي عبودية الله سبحانه وإعمار الكون – لا تتأتى إلا من إنسان حر مختار، له إرادة حرة، وعقل واعٍ مدرك تتحقَّق به ذاتيته وكرامته، وتقرر الهدف الوجودي الذي يسعى إليه.
وللحرية أبعاد وحدود، وحدود الفرد تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين، وهذا ما يُسميه علماء الاجتماع بـ”الضبط الاجتماعي”، الذي هو: مراعاة شعور الناس، والحِفاظ على حرياتهم وحقوقهم.
شرَع الله – عز وجل – الحدود لتحفظ الدماء أن تُسفك، والأعراض أن تُنتهك، والأنساب أن تختلط، والحريات أن تُصادَر، فما كانت الحدود تعذيبًا ولا قسوة، بل أمانٌ ورحمة، وإهمال الحدود يحوِّل المجتمع إلى غابة لا أمْن فيها، فقد شُرعت إذًا لضمان حرية الحق لا حرية الكفر والفسق، والحروب التي شرعها الإسلام وخاضها المسلمون على مدار التاريخ لم تكن إلا حفاظًا على حرية الاعتقاد الديني أن تمسَّ؛ ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ [الأنفال: 39]، وردًّا للعدوان عن المسلمين، ودفاعًا عن مقدَّساتهم، ودحرًا لأعدائهم؛ فبحدِّ السيف تُحمى الحريات.
إن الفهم السيئ للحرية أدَّى إلى خروج جيل يروِّج لنزع الفضيلة تحت شعار الحرية، وتحت مسمى الحداثة والديموقراطية، والحرية التي ينشدها دعاة العلمانية والماركسية الإلحادية ويتغنون بها – أثبتت التجارب العلمية التطبيقية فشلها الذريع، وعجزها المقيت عن حفظ كرامة الإنسان وتحقيق القيمة المنوطة بالحرية الحقيقية.
وإن الجهل بمعنى الحرية في الإسلام هو الذي حَدا ببعض المسلمين إلى الجري وراء الأمم الأخرى، طالبين ما عندهم من ديمقراطية ومسميات حداثية، فوقعوا في براثن الإلحاد والتكشُّف والتعري والتفسُّخ الأخلاقي، وانخدعوا ببريق المذاهب المادية ووعودها الزائفة، فتراهم ناكسي رؤوسهم تحت أقدام المدنية الحديثة.
ولا أظنُّ هؤلاء وأمثالهم إلا يصدِّرون لنا حرية مزيفة ليسلبوا حريتنا الحقيقية، وما أراها إلا جاهلية قديمة في ثوبها الحضاري الحديث.
وقد خرج علينا اليوم من ينعق باسم الحرية، يريدون إخراج المرأة من طهرها وعَفافها؛ قال تعالى في هؤلاء وأمثالهم: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89].
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: “ودَّت الزانية لو زنا النساء”؛ مجموع الفتاوى لابن تيمية، فما انفكَّ أعداء الإسلام يبثون سُمومهم في المجتمع المسلم مستهدفين أهم جزء في كيانه، وهو المرأة المسلمة، وليتَ شِعري من أوهم هؤلاء أن حرية المرأة في انفلاتها وخروجها من سترها الذي أسبغه الله عليها؟!
إنها – أيها السادة – ليست مطالبة بالحرية، وإنما هي الثورة على الدين والأخلاق والفضائل والأعراف التي تواضع عليها المجتمع، والنظم الاجتماعية التي نادى بها الإسلام، هي ثورة على الفِطرة البشرية، وتحرُّر وانفِلات، وتمرُّد على كل ما مِن شأنه أن يضبط الغريزة ويقوِّمها.
إنَّ التعرِّي والتكشُّف ونزْع الحِجاب ما هو إلا دعوة داعرة، وشِعارات زائفة، ومَزاعم كاذبة، تنمُّ عن انحطاط الأخلاق وفساد الذَّوق السليم، وانحِراف الفطرة، واختلال مفاهيم القيم الدينية والعقائدية، ولا يَخفى أنَّ نزع الستر هو ما أخرج آدم عليه السلام وزوجه من الجنة، وأهوى بهما إلى الأرض، فلماذا الإصرار على نزعه ثانية؟ قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 27].
إنَّ حرية المرأة وانعتاقها لا يكون أبدًا فيما يتعلَّق بالجسد أو في غير الممكن والمشروع، فتحرر جسد المرأة الذي ينعق به مدعو قيم الحداثة والتنمية المعاصرة ما هو إلا نوع من الاستغلال الخبيث الماكر للمُتاجرة بجسد المرأة لإفساد المجتمعات الإسلامية، وسقوط بها إلى درك الشهوات البهيميَّة.
يُريدون أن يهدموا كيان الأمة المسلمة، ويعبَثوا بأصالة دينها الحنيف، ويزلزلوا ثوابتها الدينية والعقدية، ويطعنوا في أصولها الحضارية والتاريخية، وهذا بمثابة انتزاع للهُوية الإسلامية والعربية.
وآخرون مقرَّنون في أصفاد الجهل حين تُرك لهم حبل الحرية على غاربهم، نادوا بإنشاء نوادٍ للعراة، وإباحة الشذوذ الجنسي، فليس بمُستَغرب عليهم اليوم أن ينادوا بنزع حجاب الفتاة المسلمة، فما هذه الدعوات الداعرة الماجنة بجديدة على أمثالهم!
إن الكفر ببعض الدين كفرٌ به جميعًا، فكفر بالحجاب كفر بكل ما أمر الله – عز وجل – به ورسوله صلى الله عليه وسلم، إن جسد المرأة ليس خاضعًا لرغبة أحد ولا لهواه، وإنما ملك لخالقها خاضع لأمره هو لا لسواه.
إنَّ نسبة الأمية في النساء ضعف نسبتها في الرجال في البلاد الإسلامية؛ كما أثبتت الإحصائيات، فهلا طالب أدعياء الحرية بتحرير المرأة أولاً مِن ربقة الجهل والأوهام والعادات الباطلة الناتجة عن الجهالة والأمية، وهل حرَّروها من كل شيء ولم يبق إلا نزْع ثيابها؟!
المرأة المسلمة لا تقبل أن تُساق كالقطيع خلف كل ناعق، ولا أن تقاد بلا وعي ولا إدراك ولا بصيرة خلف كل أحد مهما حاول إغراءها وخداعها.
ترد عليهم متمثلة قول الشاعر:
بعزيزِ إيماني أصونُ حجابي
وأصونُ عرضي في حِمى جلبابي
كذب الذين يُتاجرون بقصَّتِي
كذبوا وكانوا مثل زَيفِ سرابِ
تجريرَهمْ أبصرتُ لا تَحريرَهم
قد خابَ مَن قد سار خلف غرابِ
لا لن أكونَ كما أرادوا سلعةً
ضاعت بسوق نِخاسةٍ وبغابِ
لا لن أحيدَ عن الحجاب وطهرهِ
رغم الذئاب ورغم نبحِ كلابِ
لقد فرَض الله الحجاب على المرأة حفاظًا على كرامتها أن تُنتهك، وعرضها أن يمسَّ، وعفَّتها أن تُمتهَن، وحفظًا لها من لصوص الأعراض، وحفاظًا على شخصيتها مِن الذوبان في المجتمعات الأخرى، وإزالة كل أسباب الفتن، وحصرها في أضيق نطاق بستر العورات التي تثير في النفوس لواعج الشَّهوات، وفي الحجاب إحساس المرأة بكرامتها الإنسانية عند الله؛ حيث صارت أهلاً لأن يُشرِّفها الله بالتكليف، فلا تنحط للمرتَبة الحيوانية، حين تركن للحياة المادية الشهوانية، والحجاب تعبير عن حُرية المرأة في نفسها، وإعلان منها أنها ليست نهبًا لكل أحد، وبحجاب المرأة يصبح المجتمع طاهرًا نقيًّا؛ لا تهاج فيه الشهوات، ولا تُثار فيه أسباب الفتن، تَنحصر فيه فرص الانحراف، وتحد فيه وسائل الإثارة.
فلماذا يريدون رفع ستر الله عنها؟!
موجات تغريبية تترى، شذوذ فكري، وهوس لترويج الإباحيات، تشبعت نفوسهم بما يسمونه حرية فكرية، وأراها لوثة عقلية لامتهان الثوابت الدينية.
ونظرة بعيدة إلى أفق الحرية تجد أن لذتها ليست في الشهوات المادية بلا قيد، بل لوحظ في واقعنا المرئي أن هذا النوع من الحريات يؤدي في نهايته إلى اكتئاب صاحبه، ومِن ثَمَّ الانتحار الذي يتبعه الفوضى والدمار.
وإنما الحرية الحقيقية في تحرر الجسد والروح معًا من قيود الرذائل التي تستذل الإنسان وتغرقه في أوحالها، إنها الحرية في أسمى معانيها، وأنبل غايتها، وأسمى مقاصدها.
الحرية في استقامة الإنسان على طريق الحق، واستكمال فضائل النفس وطهرها؛ فهذا هو الخلاص الحقيقي.
أَقبِلْ على النفس واسْتَكْمِل فَضائلها = فأنتَ بالنفس لا بالجسْم إنسان
[شعر أبي الفتح علي بن محمد البستي]
إنَّ دعاة التقدمية والعصرية الذين خدعهم بريق الحضارة الغربية حاولوا هدْم ذاتية الإسلام وتفرُّده وصهره في بوتقة العالمية أو الأممية والحضارة المعاصرة، نعم حاولوا كثيرًا، ومع هذا ما اسطاعوا أن يَظهروه وما استطاعوا له نقبًا.
ويجب أن نُدرك هذه المحاولات الماكرة الخبيثة، ونقف منها موقفًا حاسمًا.
وما كتبتُ هذا المقال دفاعًا عن الحرية في الإسلام، ولا تعريفًا بمزايا الحجاب، ولا تسفيهًا لمن ينادون بتحرير المرأة، فكل هذه مسلَّمات لا تقبل جدالاً ولا تحتمل نقاشًا، وإنما كتبته لتبصير المرأة المسلمة بما يُحاك لها ويدبَّر؛ من مؤامرات لإخراجها مِن طهرها ولباس عفَّتها ونقائها.
وختامًا أقول: إنه لا خوف على الإسلام من أمثال هؤلاء، فالإسلام دين الله، تكفَّل بحفظه، وسينكسرون أمام عظمة هذا الدين وقوته، ولن يَستطيعوا أن ينالوا منه حرفًا أو يهزموا منه نُسُكًا، فأصالة هذا الدين راسخة رغم أنف الحاقدين، وحِفْظُ الله له ممتد وباقٍ رغم كيد الكائدين، وضعفُ المسلمين مُؤقَّت يُوشك أن يزول، وكل ما يفعله هؤلاء هو إيذاء أنفسهم بإثارة اشمئزاز المجتمع من حديثهم وتسفيه عقولهم.
سُحقًا للحرية التي انحرفوا باسمها، واستظلوا برايتها، وتدثَّروا بشعارها، وركبوا ظهرها فأبعدوا السير وجدُّوا في الشطط، وانحدروا بالمجتمع إلى مهبط سحيق، وسفول مروِّع!
ونظرة فاحصة متأنية للحضارات التي انهارت في القديم والحديث تجد السبب الأساسي لانهيارها تحلُّلَها الأخلاقيَّ، وتفسُّخَها القيمي، ألا فانهضي أمة الإسلام والْفِظي هؤلاء السفلة والأقزام، حتى لا يُصيبك ما أصاب الأمم الخوالي مِن الانقسام والانهزام، حفظ الله أمَّتنا رجالاً ونساءً، وهدانا جميعًا إلى صراطه القويم.