رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مفهوم العقل

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مفهوم العقل
بقلم \  المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أنه بالنظر إلى المعاني اللغوية نجد أن مادة “عقل” وردت بعدة معاني ومنها:
المعنى الأول: الحبس، قال ابن فارس “(عقل) العين والقاف واللام أصل واحد منقاس مطرد، يدل عُظمُه على حُبسةٍ في الشيء أو ما يقارب الحبسة. ومن ذلك العقل، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل”[1].
المعنى الثاني: العقل نقيض الجهل، “قال الخليل[2]: العقل: نقيض الجهل، يقال عقل يعقل عقلا، إذا عرف ما كان يجهله قبل، أو انزجر عما كان يفعله. وجمعه عقول. ورجل عاقل وقوم عقلاء. وعاقلون. ورجل عقول، إذا كان حسن الفهم وافر العقل”[3].
المعنى الثالث: الحجر والنهي، “العقل الحجر والنهى ضد الحمق والجمع عقول، وفي الحديث عن عمرو بن العاص قال: تلك عقول كادها بارئها أي أرادها بسوء. عقل يعقل عقلا ومعقولا”[4]. وقد أورد ابن منظور العديد من المعاني للعقل، ولم يفرق بينه وبين القلب[5]، وقد ورد بنفس هذا المعنى السابق هذا في قاموسٍ آخر: ” عقل العقل: الحجر والنهى. ورجل عاقل وعقول. وقد عقل يعقل عقلا ومعقولا أيضا وهو مصدر، وقال سيبويه: هو صفة “[6].
فمن المعنى الثالث (الحجر والنهي) قوله تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [7] أفلا تفقهون وتفهمون قبح ما تأتون من معصيتكم ربكم التي تأمرون الناس بخلافها وتنهونهم عن ركوبها وأنتم راكبوها، وأنتم تعلمون أن الذي عليكم من حق الله وطاعته، واتباع محمد والإيمان به وبما جاء به[8].
ومن المعنى الثاني (نقيض الجهل) قوله تعالى: ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [9] قُبحا لكم وللآلهة التي تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون قبح ما تفعلون من عبادتكم ما لا يضرّ ولا ينفع، فتتركوا عبادته، وتعبدوا الله الذي فطر السماوات والأرض، والذي بيده النفع والضرّ[10].
ومن المعنى الأول (الحبس عن ذميم القول والفعل) قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [11] أفلا يعقل هؤلاء المشركون قُدْرة الله على ما يشاء بمعاينتهم ما يعاينون من تصريفه خلقه فيما شاء وأحب من صغر إلى كبر، ومن تنكيس بعد كبر في هرم[12].
وبهذا فإن مفهوم العقل في القرآن يأخذ مناحي متعددة، مجملها تشير إلى أنه أداة العلم والمعرفة، والتمييز بين الأشياء، والحبس والحجر عن الوقوع في المهالك والمضار، وذميم القول والفعل لأن العاقل يعرف به الضار من النافع والخير من الشر، ومجمل الآيات التي تحدثت عن العقل تدعوه إلى العمل بالطرق المختلفة والتي سنتناولها لاحقاً.
وبالنظر إلى ما ورد في القرآن الكريم من مادة العقل نجد أنه وردت 49 مرة معظمها بصيغة المضارع، ففعل ” تعقلون” تكرر 24مرة، وفعل ” يعقلون” تكرر 22مرة، وفعل “عقل” و” نعقل” و”يعقل” جاء كل واحدٍ منها مرة واحدة ولم يرد لفظ العقل معرفاً[13].
تعريف العقل في الاصطلاح:
عرف العلماء العقل بتعريفات كثيرة، بعضها يجعل العقل هو الروح، لأن العقل لا إدراك له بلا روح، وبعضهم يجعله هو القلب، لأن محل العقل القلب، وبعضهم يجعله هو الإنسان لأن ما يميز الإنسان عن غيره العقل، وبعضهم يجعله غريزة تعرف بها العلوم، وبعضهم يجعله ذات العلوم.
وعرّف أبو الوليد الباجي العقل بأنه: “العلم الضروري، الذي يقع ابتداء ويعمّ العقلاء”.
والعلم الضروري هو ما يلزم نفس المخلوق بحيث لا يمكنه الانفكاك منه، ولا الخروج عنه.
وقوله: “يقع ابتداء” أي من غير تحصيل، ولا كسب له عن طريق أحد الحواس الخمس، كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الضدّين لا يجتمعان.
وقوله: “ويعمّ العقلاء” أي كل عاقل من بني آدم، وأراد بذلك إخراج المجانين، ومن في حكمهم، وكذلك الحيوانات.
وأُورد على هذا التعريف الانتقاد التالي:
أن الباجي قصر العقل على العلوم الضرورية، وخصّ منها ما يقع ابتداء، دون ما يحصل بكسب الحواس؛ فجعل العقل بذلك شاملًا لجميع العقلاء، ومن ثَمّ فلا يمتاز أحد عن أحد من جهة العقل؛ فلا يقال: فلان ذو عقل، أو فلان عقول، أو غير ذلك من ألقاب التفاضل.
والتعريف الذي اختاره العلماء، هو أن يقال: العقل يقع بالاستعمال على أربعة معانٍ: الغريزة المدركة، والعلوم الضرورية، والعلوم النظرية، والعمل بمقتضى العلم:
الأول: الغريزة التي في الإنسان، فبها يعلم ويعقل، وهي فيه كقوة البصر في العين، والذوق في اللسان، فهي شرط في المعقولات والمعلومات، وهي مناط التكليف، وبها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان، يقول شيخ الإسلام:” الغريزة التي يعقل بها الإنسان، وهذه مما تتنوع في وجودها، والسلف والأئمة متفقون على إثبات هذه[14] ويقول أيضا “هو غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين”[15]، وبه قال الإمام أحمد[16].
الثاني: العلوم الضرورية أو البديهيات العقلية وهي التي يتفق عليها جميع العقلاء كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء إلى غيرها من البديهيات وهي علوم لا تحتاج إلى دليل لإقرارها وغير مكتسبة ولو لزم كونها تحتاج لبرهان لأفضى ذلك إلى التسلسل وهو محال[17].
يقول ابن تيمية في تعريفه للمعنى الثاني للعقل: ” علوم ضرورية يفرق بها بين المجنون الذي رفع القلم عنه، وبين العاقل الذي جرى عليه العقل، فهو مناط التكليف”.
الثالث: العلوم النظرية، وهي التي تحصل بالنظر والاستدلال، وتفاوت الناس وتفاضلهم فيها، أمر جليّ وواقع، وهي التي “تدعو الإنسان إلى فعل ما ينفعه وترك ما يضره”.
الرابع: الأعمال التي تكون بموجب العلم، ولهذا قال الأصمعي: “العقل: الإمساك عن القبيح، وقصر النفس وحبسها على الحسن” وقيل لرجل وصف نصرانيًّا بالعقل: “مه، إنما العاقل من وجد الله وعمل بطاعته”، وقال أصحاب النار: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [18].
فتعريف بعض الناس العقل بذكر بعض هذه المعاني ليس بجامع، والصواب ذكر معانيه مجتمعة.
وفي كل معاني العقل المتقدمة لا يوصف بأنه جوهر قائم بنفسه، خلافًا للفلاسفة ومن شايعهم من المتكلمين، بل العقل صفة أو عرض – عند من يتكلّم بالجوهر والعرض- يقوم بالعاقل، وكونه صفة يمنع كونه أول المخلوقات، لأن الصفة لا تقوم بنفسها.
________________________________________
[1] معجم مقاييس اللغة ابن فارس، أبو الحسين أحمد.، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، (دار الفكر، الطبعة: 1399هـ 1979م) ج4، ص69.
[2] الخليل بن أحمد الفراهيدي أستاذ عصره في اللغة العربية وأحد أهم علماء اللغة العربية، ولد في عمان عام 718م. توجه إلى البصرة ليتلقى العلم هناك ولُقِّب بالبصري. كما تميز الفراهيدي في علم الموسيقى، والرياضة والترجمة تتلمذ على يد كبار العلماء وفي مقدمتهم أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر. (معجم الأدباء (11/ 72 – 77) والسير (7/ 429 – 431).
[3] المصدر السابق، ج4، ص69.
[4] لسان العرب، ابن منظور، محمد بن مكرم، (بيروت: دار صادر، الطبعة الأولى) ج11، ص458.
[5] ومنها التثبت في الأمور، وقال: العقل القلب والقلب العقل، ومن المعاني سمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي يحبسه، ومنها: العقل هو التمييز الذي به يتميز الإنسان من سائر الحيوان، ومنها العقل الفهم وعقول أي فهوم، (انظر: المرجع السابق، ج4، ص69).
[6] الصحاح تاج العربية، الجوهري، إسماعيل بن حماد، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، (بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 1407ه- 1987م) ج5، ص1769.
[7] سورة البقرة:44
[8] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( ج1 ص 10 ).
[9] سورة الأنبياء:67.
[10] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( ج18 ص 464).
[11] سورة يس:68
[12] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( ج20 ص 549).
[13] العقل والعلم في القرآن الكريم، يوسف القرضاوي، (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1422هـ-2001م) ص13 بتصرف يسير.
[14] بغية المرتاد لابن تيمية ص 260-263.
شرف الدين ابن تيمية (727 ه) عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن تيمية الحراني شرف الدين أبو محمد الدمشقي أخو الشيخ الإمام العلامة تقي الدين. ولد في حادي عشر محرم سنة ست وستين وستمائة بحران. سمع من ابن أبي اليسر وابن علان وابن الصيرفي وابن أبي عمر وخلق كثير وسمع منه الطلبة. ذكره الذهبي في معجم شيوخه. فقال: كان إماماً بارعاً، فقيهاً عارفاً بالمذهب وأصوله وأصول الديانات، عارفا بدقائق العربية، وبالفرائض والحساب والهيئة، كثير المحفوظ، له مشاركة جيدة في الحديث، ومشاهير الأئمة والحوادث، ويعرف قطعة كثيرة من السيرة، وكان متقناً للمناظرة وقواعدها، والخلاف. وكان حلو المحاضرة متواضعا، كثير العبادة والخير ذا حظ من صدق وإخلاص وتوجه وعرفان. (الدرر الكامنة (2/ 266) وشذرات الذهب (6/ 76).
[15] درء التعارض بين العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 89 ج 1.
[16] العقيدة بين السلف والمتكلمين – حسن بن محمد شبانة ص 47.
[17] وقد أشار الفيلسوف اليوناني أرسطو لهذا المعنى حيث قال: ((للمبادئ الأولى خصلتان، الأولى عدم احتياجها إلى الإثبات بالدليل، والثانية كونها معلومة بيقين أعلى من جميع النتائج التي يمكن أن تُستنتج منها )) ويقول أيضا: ((لو احتاجت كل معرفة إلى برهان لاستحال العلم )).
[18] سورة الملك:10

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *