رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الأمة الإسلامية بين الحاضر والماضى
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الأمة الإسلامية بين الحاضر والماضى
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن التحدِّيات التي تواجه الأمةَ الإسلاميَّة اليومَ تستوجب علينا دراسةَ واقع الأُمَّة بكلِّ موضوعيَّة وأمانة؛ لأنَّ الواقع الآن لا يُمكن إغفالُه أو التهرُّب منه بحالٍ من الأحوال، وحتى نستطيع أن نتكاتَف ونَجمع شَمْلنا للتصدِّي لهذه النَّكبات التي تواجِه أُمَّتنا اليوم.
وإنَّ ما يحدث اليوم لتمزيق وَحْدة الأُمة يَدفعنا إلى التحرُّك السريع والمدروس؛ لإعادة وتحقيق الوحدة للأُمَّة الإسلامية عملاً لا شعارًا، ويَدفعنا لتعبئة كلِّ الجهود لمواجهة الخطر الذي يُمزِّق أوصال أُمَّتنا الإسلاميَّة ويُهدِّدنا جميعًا، مع فتْح كلِّ الأبواب من أجْل التقدُّم العلمي للنهوض بالأُمة الإسلاميَّة، وَفْقًا لَما نادى به دينُنا الإسلامي، وما يتناسَب مع تعاليم شَرْعنا الحنيف.
تعيش أُمَّتنا الإسلامية اليوم حِقبة من أشد الحِقَب حَرَجًا، وتُعاني أشدَّ المعاناة، من جرَّاء ما نزَل بها من الشدائد والمِحَن، وعلى الرغم من جَسَامة هذه المحنة – أعني: تمزيق أوصال الأمة الإسلاميَّة – فإن الاستسلام لها لهو أشدُّ خطرًا من المحنة ذاتها، بل إنَّ الذي يجب علينا في ظلِّ هذه الظروف – كأُمَّة لها أمجادٌ – أن نتكاتَف ونَجمع شَمْلنا؛ لمواجهة هذه التحدِّيات، واستعادة أمجاد أُمَّتنا، ولنا أن نَعلمَ أنَّ في الاتحِّاد قوَّةً، وفي التفرُّق ضَعْفًا، لنا أن نجعلَ من ذلك دافعًا لأن نكون يدًا واحدة، وأن نعملَ على نزْع الفُرقة والنزاع من بيننا؛ حتى نستعيدَ أمجاد أُمَّتنا الخالدة، وإنَّ الناظر لواقع الأُمَّة الإسلاميَّة اليوم – بكلِّ ما فيه من الأَسى – يتذكَّر حديث رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – الذي قال فيه: ((يوشِك الأُمم أن تَدَاعى عليكم، كما تداعى الأَكَلة إلى قَصْعتها))، فقال قائل: مِن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: ((بل أنتم كثير، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهن))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حُب الدنيا، وكراهية الموت))؛ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والطبراني في الكبير عن ثوبان، وهذا هو واقع الأُمَّة الإسلاميَّة اليوم.
إنَّ افتقاد الأُمَّة الإسلاميَّة للقوة والإرادة لهو من الأسباب التي أدَّت إلى السقوط الحضاري والسقوط السياسي والثقافي، فتَفَتَّتت الأُمَّة وتبَعْثَرت، وتمزَّقت رُقعة التفكير في الوَحْدة وإعادة أمجاد الأُمَّة، فما عاد واقعنا اليوم كماضينا، وما أظنُّ أنَّ واقِعنا اليوم يحتاج إلى شواهدَ أو إسقاطات تاريخيَّة، وعَجْز الأمة عن استعادة أمجادها وحماية تاريخها المؤصَّل، كلُّ ذلك وغيره يشكِّل مواطنَ الضَّعف التي أُوتِينا من قِبَلها، وصِرنا هدفًا للغرب يُسيطر ويُهيمن عليه، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله، وعلينا أن نعلمَ أنَّ العالَم الغربي بجميع طوائفه ليس له هدفٌ إلاَّ تفكيك العالَم الإسلامي، وتشريد المسلمين، وتقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة، وذلك هو الواقع الذي يعمل من أجْله الغرب؛ وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: العمل على تقسيم العالَم الإسلامي، وإضعاف شأنه في جميع المجالات، وشَغْل العالَم الإسلامي بقضايا فرعية من شأنها تمزيق وَحْدته، ونشْر الكراهية بين جميع فئات المجتمع؛ حتى لا تكون للإسلام قوَّة، وحتى لا يكون للمسلمين شأنٌ.
ثانيًا: يَسهُل بعد ذلك الاستيلاء على ثروات الشعوب، واستخدامها كسلاح لِمُحاربة الإسلام والمسلمين، وما حدَث في بعض البلاد الإسلاميَّة خيرُ شاهدٍ على ذلك، وظهور النيات السيِّئة المُبَيَّتة ضد العالَم الإسلامي والعالم العربي على وجْه الخصوص.
ثالثًا: الانفراد بكلِّ السَّطوة والقوة؛ حتى يمكنَ السيطرةُ على العالم أجمع، والقضاء على أيِّ قوة إسلامية تحاول الظهور، واستخدام القوة لإخمادها بأيِّ حال من الأحوال.
وتلك حقائق مؤكَّدة لا تَقبل التزييف، والواقع يشهد بذلك، فواجبٌ علينا – كأُمَّة مسلمة لها تاريخ مؤصَّل وعريق – أن نأخُذَ هذه الأسباب بعين الاعتبار؛ حتى لا يتفاقم الأمر، وحتى نستطيع أن نَقِفَ وجْهًا لوجْه أمام أي عدوٍّ أراد أو يُحاول تفكيكَ وَحْدة الأُمة.
وإذا رَجَعنا إلى تاريخ أسلافنا، فإننا نَجد أنَّ الدولة الإسلامية عندما قامت، قامَت على أُسسٍ ومبادئَ وقِيَم إسلامية، وعلى نَبْذ العصبيَّة الجاهليَّة والعُنصريَّة، عندها ساد التآلُف وتوحَّدت عناصر الأمة الإسلامية، فكان ذلك نموذجًا في تأسيس الدولة الإسلامية في مُدة زمنيَّة محدودة، وأما اليوم، فإننا نحتاج إلى عمل جاد دائمٍ ودؤوب في جميع المجالات؛ لتقوية دعائم الأمة الإسلامية لمواجهة هذه الظروف والتحدِّيات التي تُواجه الأُمة الإسلاميَّة اليوم، والتكامل الفردي والجماعي بين الأفراد والجماعات في المجتمع المسلم؛ حتى نَلحق بالرَّكب الحضاري، ويتحقَّق الهدف، وتتحقَّق وَحْدة الأمة الإسلامية؛ عملاً بقول الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
لقد حافَظ المسلمون الأوائل على هذه القوَّة، وعَمِلوا على أن تكون الدولة الإسلامية هي الأقوى، وتلك هي القوة والإرادة لهؤلاء الرجال الذين صنعوا التاريخ لنا، تاريخًا نَفخر به، وجاء دور الخُلفاء، فحافظوا على قوَّة الدولة الإسلامية، بل وزادوا في رُقعتها وقوَّتها قوَّة فوق قوة، فكانت الفتوحات الإسلامية التي لَم يَسبق لها مثيلٌ، ودانَت الأرض من مَشرقها إلى مغربها لدولة الإسلام، وسادَت الهُويَّة الإسلاميَّة بما فيها من حضارة، وتأثَّرت بها الحضارات المجاورة، وإنَّ التاريخ لخيرُ شاهدٍ على ذلك.
فيا ليْتَ لنا أن نُعيد أمجاد أُمَّتنا، ونستعيد ماضينا العريق، لقد كان لأُمَّتنا الإسلاميَّة تاريخٌ وأمجاد وحضارة، وحاوَل الغرب المستحدَث طمْسَ هُويَّتنا الإسلاميَّة بكلِّ مَعالمها، ولكنَّه لن يستطيعَ؛ لأنَّ أمة الإسلام قامَت على أركان وأُسس قويَّة منذ تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، ومرورًا بالدولة الإسلاميَّة في بلاد الشام ودمشق، ثم بعد ذلك الدولة العباسيَّة، حتى امتدَّت دولة الإسلام إلى مصر والمغرب العربي، ثم الغرب الأوروبي وجنوب فرنسا، ودولة الأندلس بكلِّ حضارتها الإسلاميَّة، والعالَم كله يشهد بذلك المجد العريق.
فإنَّ الأُمَّة الإسلامية اليوم تحتاج إلى أن تتضافَر الجهود كلٌّ في مكانه ومجاله – حُكَّامًا ومحكومين، أفرادًا وجماعات – لإعادة هذا المجد المنشود؛ حتى يعلوَ شأْن الأمة الإسلامية، ولسوف يكون ذلك بعون الله؛ فالله لا يرضى لأمة الإسلام المَذَّلة، وإنَّ غدًا لناظرِه لقريب.