رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن نظام الحياة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن نظام الحياة
بقلم \  المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن من الأمور التي يجب أن يَسعى الفرد المسلم إلى تَحقيقها: انتظامُ حياته على الوَجه الصَّحيح، فيكون كلُّ نشاط يقوم به في نصابه وفي وَقته المناسب، دون خلْط وإضاعة جهد، قد يكون ثمينًا جدًّا وحاسمًا في مصيره في هذه الحياة.
ولهذا نجد حياتنا في هذه الدنيا – كبشر – تُصنَّف في أربعة عناصر لا غِنى لنا عنها أبدًا:
أولًا: العبادة وتأدية حقِّ الله سبحانه وتعالى، فعلينا إراحة النَّفس وطمأنتها وإضفاءُ روح السَّكينة عليها بالإيمان.
ثانيًا: تغذية العقل بالعلم، ومنحه ما يحتاج من نورٍ يَستهدي به، فيعيش الإنسان على استِهداء وبصيرة، ولا يضيره شيءٌ ما دام هو يعلم إلى أين هو ذاهب.
ثالثًا: للبدن على الفرد حقٌّ عظيم؛ فلولا هذا الجسم الذي وُهِب الإنسانُ إيَّاه، لَما استطاع الاضطلاع بمهامِّه في حياته، ولَما قدر على تَحقيق هدف من أهدافه.
رابعًا: العلاقات الاجتماعيَّة، والتواصل مع الناس، وتبادل المنافع والرُّؤى والأفكار معهم، والاتِّحاد مع غيره من أفراد المجتمع؛ من أجل أن يسير الرَّكب ككل في سلام.
بعد هذه التوطئة اليسيرة، أعرض على القارئ الكريم الحديثَ النَّبوي الشريف الذي يرويه أبو جحيفة رضي الله عنه قال: “آخَى النَّبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سَلمان أبا الدَّرْداء، فرأى أمَّ الدَّرْداء مُتَبَذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُك؟ فقالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنعَ له طعامًا، فقال له: كُلْ، فإنِّي صائمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتى تأكُل، فأكَل، فلمَّا كان الليلُ ذهب أبو الدرداء يقومُ، فقال: نَم، فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نَم، فلمَّا كان من آخر الليل، قال: سلمانُ: قُم الآن، فصلَّيَا، فقال له سلمانُ: إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لنَفْسِك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صَدَق سَلمانُ))”؛ أخرجه البخاري والترمذي.
هذا الحديث النَّبوي الشريف يُحاكي ما أسلفتُ من أركانٍ أربعة لحياة الإنسان، وهذا ما يشير إلى أنَّ الإسلام الحنيف دينُ نظام، وشرعة حياة، ومِنهاج حقيقي لنا كمسلمين؛ بمعنى أنَّ دوره يذهب في عُمق حياتنا، ويؤثِّر فيها تأثيرًا بالغًا لا يستهان به.
تقول الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 9، 10].
هذا شاهد آخر، وهو من القرآن الحكيم، يبيِّن لنا أنَّ نشاطات الفرد المسلم يَعقب بعضها بعضًا، ولا يجب أن يَركن المسلم إلى الخمول؛ بل يسعى دائمًا في مناكب الحياة وتحقيقِ مآربه منها، واستثمارها على الوجه الذي هو مطلوب منه، كخليفة الله على أرض هذه المعمورة.
إنَّ مشهد الآلاف من المسلمين – بل قل: الملايين – وهم ينتظمون الصفَّ تلو الصف والمنكب إلى جانب المنكب، دون اعوِجاج أو خلَل خلف الإمام في الصَّلاة في بيت الله المحرم – لَيَحارُ فيه العقلُ البشري القاصر، هذه الرَّوعة من الدقَّة، وكأنَّها رسالة إلى هذه الأمَّة بأنَّ حالها يجب أن يكون بالضبط كحال انتِظامها في الصَّلاة واصطفافِها خلف الإمام، دون زيغٍ أو شطَط.
ليس من العيب مطلقًا أن يقارن الفرد نفسه بغيره، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن أحبَّ الناس إليَّ من أهدى إليَّ عيوبي”، فإذا قارنَّا حالَ الأمَّة الإسلامية بالأمم التي تَقود العالمَ اليوم، قد تتمعَّر وجوهنا وتذهل ألسنتنا عن النَّبْس بكلمة! فالفرق شاسع بيننا وبينهم في إتقان العمَل، وفي أخلاقٍ دنيوية؛ كالصِّدق، واحترام الوقت، وخدمةِ الأوطان، والسَّعي في سبيل إعلاء شأنها بالعلم والمعرفة والثقافة.
إنَّ الفرد المسلم يعيش فَوضى عارمة؛ من حيث الأفكار، وكيفيَّة بذل المال، وتنظيم أوقاته، ونحن نعلم جيدًا أنَّ كل دقيقة لها وزنها الذَّهبي، والإسلام يحثُّ المرَّة تلو الأخرى على عدَم هدر الأوقات في التَّوافه، فيا حبَّذا لو كانت جلُّ نشاطاتنا في إحياء العلوم، والعملِ الحثيث، ومُحاولةِ البناء والتشييد، كل فرد في مساحته الضيِّقة وبما أُتيح له من وسائل لتحقيق ذلك، يقول الشاعر “أحمد شوقي” في أبيات عن أهمية الوقت:
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة له:
إنَّ الحياة دقائقٌ وثواني
فارفعْ لنفسك بعدَ موتكَ ذِكرها
فالذِّكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
للمرءِ في الدنيا وجَمِّ شؤونها
ما شاء مِن ربحٍ ومِن خسرانِ
للجانب الإيماني دَور، وللعلم دور، وللأفراد من حولك دور، ولجسدك عليك حقٌّ، إنها مَنظومة متكاملة، إن تكاملَت في الفرد وجسَّدها بإعطاء كل عنصر منها ما يستحق، فستَنتظم حياته، ويُساهم في إصلاح مثالب مجتمعه، وإن الآية الكريمة التي تقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، لَدليلٌ قاطِع على ضرورة تَحرُّك الناس حتى يتحقَّق لهم الهدف المنشود، أمَّا أن يرمي كلٌّ منهم المسؤوليَّة على الآخر، فذلك هو الخطأ بعينه.
ويا ليتها تتحقَّق الأمنية في تفعيل نظام حياتنا! فتختفي الكثير من المساوئ، والتي للأسف أصبحَت السِّمة البارزة للمجتمع المسلم، في زمن تَسير فيه مجتمعات أخرى على وَتيرة مضبوطة، فترتقي على إثر ذلك في سُلَّم بنائها الحضاري.
________________________________________

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *