رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أثر مظاهر ثواب المؤمنين على الأفراد
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أثر مظاهر ثواب المؤمنين على الأفراد
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
ركز القرآن المكي على اليوم الآخر غاية التركيز، فقل أن توجد سورة مكية لم يذكر فيها بعض أحوال يوم القيامة وأحوال المنعمين في الجنة ومآلهم فيها، ومظاهر الثواب وكيفية حشر الناس ومحاسبتهم حتى لكأن الإنسان ينظر إلى الجنة والنار رأي العين، لكننا سنركز على مظاهر الثواب للمؤمنين في الآخرة، وقد جاءت آيات كثيرة مبينة وواصفة للجنة، وأن لها أبواباً، وفيها درجات، وتجري من تحتها الأنهار، وفيها عيون، وقصور وخيام وفيها أشجار متنوعة، كسدرة المنتهى، وشجرة طوبى، وتحدث القرآن عن نعيم أهلها، وطعامهم وشرابهم، وخمرهم ولباسهم وحليهم وفرشهم وخدمهم، وأحاديث نساءهم وعن أفضل ما يعطى أهل الجنة وغير ذلك من المظاهر، حتى لكأن الإنسان ينظر إلى الجنة كأنها معروضة أمامه، لذلك إن للإيمان بالآخرة وما فيها من نعيم مقيم له آثار عظيمة في حياة الإنسان.
ومن أهم ما يترتب بهذا الإيمان هو توجيه الإنسان وانضباطه والتزامه بالعمل الصالح وتقوى الله تعالى، ذلك أن تصرفات البشر إذا قامت على خشية الله تعالى والتطلع إليه والطمع في رضوانه، فإن ذلك له أشد الأشر في توجيه الإنسان إلى فعل الخير واجتناب الشر، بل هو ميزان الذي يقف عليه الإنسان ليزن أعماله[1]، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [2].
إذاً الإيمان باليوم الآخر هو الذي يهيئ الاهتمامات، ويجعل التعلق بالدنيا أمراً لا مجال له عندما يعلم الإنسان أن هذا الدنيا زائلة، وأن الآخرة مقبلة، وأن هذه الأيام والأنفاس ستنقضي لا محالة، وأنه سيقدم على الله، فنتيجة للإيمان بهذا اليوم، وبأن هناك وجنةً وجزاءً حسناً، تنشأ سلوكيات لم تكن تنشأ لولا الإيمان بالجنة وما فيها من نعيم مقيم.
الشوق إلى نعيم الجنة:
إن من آمن بالبعث قد علم أن الله قد أعد للمؤمنين دارا يتحقق فيها رضاءه عنهم في صورة نعيم ما بعده نعيم، وإن أهل هذا الإيمان في حالة من الشوق إلى ذلك النعيم لا يصرفهم عن ذلك شيء، كما وصف الله تعالى إبراهيم عليه السلام وبنيه بقوله: ﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾[3]، ذكر ابن كثير عدة أقوال في تفسير هذه الآية منها: أي جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم غيرها، وقيل: نزع الله تعالى من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها، وقيل: كانوا يذكرون الناس الدار الآخرة والعمل لها[4]. ثم إن مغريات الحياة الدنيا كثيرة جداً، ولا علاج لها إلا ما يربي القرآن في نفوسنا من إيثار الآخرة على الدنيا.
فنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن من أفضل النساء في عصرهن، اجتمعن ليطالبن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يمتعهن بزينة الحياة الدنيا، كما تتمتع نساء الملوك، فنزل فيهن قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [5]، فاخترن الله وسوله والدار الآخرة، وبقين في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبرن على شظف العيش.
. البذل والتضحية:
النفس عندما تعلم ضخامة العوض، وأن طاعة الله عاقبتها جنة عرضها السماوات والأرض، نعيمها لا يفنى، وعيشها دائم، أكلها وظلها دائمان، وما فيها من أنواع النعيم، فإن هذا الجزاء العظيم ينسي المسلم تعب العمل وكده لله عز وجل؛ لأنه يتطلع إلى الأمام، يتطلع إلى الآخرة، فنعيم الجنة ينسيه ما في طاعة الله من المشقة والتعب، لأنه يدرك بأنه لا جنة بلا عمل أو تعب أو مشقة، فيتحمل المشقة والجهد في طاعة الله. ما الذي يجعل المصلي يقوم لصلاة الفجر من الفراش والنوم الهانئ بالتعب والمشقة إذا لم يكن هناك عوض ولم يكن هناك جزاء، وقس على ذلك جميع الأعمال التي يقوم بها العبد لرب العالمين، من صيام وحج وزكاة وجهاد وغير ذلك.
فاليوم الآخر إذاً هو المتنفس، هو الأمل، هو النعيم الحقيقي الذي ينسي المسلم التعب الذي يتعبه في الدنيا، وهو النعيم الذي يعوض المؤمن عما يفوته الآن من نعيم الدنيا؛ لأنه يعمل لله رب العالمين.
لذلك من هنا إذا علمت النفس عظم العوض استعدت للبذل، وما الذي يجعل المقاتل المجاهد في سبيل الله يدفع روحه ونفسه وماله لله رب العالمين؟ إذا لم يكن هناك عوض أكبر من التضحية بالنفس والمال، هل كان سيضحي بنفسه وماله؟ والكفار على النقيض من المؤمنين لا يفكرون في اليوم الآخر مطلقاً، ولا يحسبون له أي حساب كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ﴾ [6].
«والاعتقاد في عدل الجزاء في الدار الآخرة، وفي ضخامة العوض عما يفوت ونفاسته؛ استعدت النفس للبذل في سبيل الحق والخير والصلاح الذي تعلم أنه من أمر الله، وأنه مناط العوض والجزاء، وصلح خلق الفرد واستقام سلوكه – متى استيقن من الآخر كما هي في التصور الاسلامي – وصلحت الأوضاع والأنظمة، التي لا يتركها الأفراد تسوء وتنحرف، وهم يعلمون أن سكوتهم على فسادها لا يحرمهم صلاح الحياة الدنيا وحدها وخيراتها؛ ولكنه يحرمهم كذلك العوض في الآخرة! فيخسرون الدنيا والآخرة[7].
________________________________________
[1] مجتمعنا المعاصر. ص: 43. المرجع السابق.
[2] سورة الزلزلة. آية 7، 8.
[3] سورة ص. آية 46.
[4] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص: 1611.
[5] سورة الأحزاب. آية 28، 29.
[6] سورة الإنسان. آية 27.
[7] اليوم الآخر في ظلال القرآن، أحمد فائز، ص: 5، ط: مؤسسة الرسالة، بيروت 1983م.