رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الأحكام والرخص التي يحتاج المسافر إلى معرفتها في سفره
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الأحكام والرخص التي يحتاج المسافر إلى معرفتها في سفره
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن شريعتنا الإسلامية إتسمت بِسِمَات كثيرة، وتفرَّدت وتميَّزت بأمور عظيمة لم تكن لغيرها من الشرائع السابقة. وإنَّ من أبرز وأجلِّ ما تميَّزت به تلك الشريعة الغَرَّاء أنها جاءت سهْلَة سَمْحة؛ ترفع الحرج، وتدفع المشقَّة، وتُقدِّر الضرورة، وتلتمس العذر، وتراعي أحوال الناس في كيفية أداء التكاليف الشرعية، فَفَرَّقت بين الصحيح والمريض، والمسافر والمقيم، والآمن والخائف، وجعلت لكل صِنْفٍ من هؤلاء ما يناسبه من الأحكام، تطبيقاً لقول الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. ولقوله سبحانه أيضاً: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
ومِنْ هنا كان للمسافر أحكامه الخاصة التي تتناسب مع حالته وما يَعْتريه فيها من مَشقَّة وتعب وإرهاق، كما قال أصدق الخلق صلى الله عليه وسلم: ((السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ)) متفق عليه. فحَرِيُّ بكلِّ مسافرٍ أن يَتَعرَّف على هذه الأحكام، وأن يَطَّلع على هذه الرُّخص التي أرخصها الله عز وجل له في سفره، فإنه سبحانه يحبُّ أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه، كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس المقصود بأخذ الرُّخَص: تتبع رُخَص المذاهب الفقهيَّة وأقوال العلماء، واختيار الأسهل منها؛ بل المراد الرُّخَص الشرعيَّة التي جاء الدليلُ الشرعيّ بالترخيص فيها، وما سنذكره في هذه الخطبة من الرخص المتعلقة بالمسافر كلها مما نص عليها الشرع في الكتاب والسنة.
فمن أهم هذه الأحكام والرخص التي يحتاج المسافر إلى معرفتها في سفره ما يلي:
أولا: قَصْرُ الصَّلاة: فقد أجمع أهل العلم على مشروعية قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين في السفر؛ بدليل قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ …}. وقد تواترت الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة الرباعية في أسفاره. ومما ثبت في ذلك ما جاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((صَحِبْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَقَدْ قَالَ الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ})) رواه مسلم. وأما الفجر والمغرب فلا تُقْصر الصلاة فيهما إجماعاً .
ومن الأحكام التي يحتاج المسلم إلى معرفتها في السفر أنه يجوز للمسافر أن يصلي خلف المقيم، لكن يجب على المسافر أن يُتِمَّ الصلاة مثل إمامه، سواء أدرك جميع الصلاة، أو ركعة، أو أقل؛ لحديث موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: (إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا، وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد والبيهقي بإسناد حسن.
كما أنه يجوز للمقيم أن يصلي خلف المسافر، لكن المقيم يُتمُّ صلاته بعد سلام إمامه المسافر؛ فقد ثبت عن عمر رضي الله عنه (أنه كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى لَهُمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ). رواه البيهقي بإسناد صحيح . وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث أنه يستحب للإمام المسافر بعد تسليمه من الصلاة أن يقول لهم: “أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفر”.
ومن الأحكام التي يحتاج المسلم إلى معرفتها في سفره الجمع بين الصلاتين: يجوز للمسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير، سواءً أكان سائراً أم نازلا – يعني في البلد الذي سافر إليه – والأدلة على ذلك كثيرة منها: حديث معاذٍ رضي الله عنه قال: ((خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلاَةَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلاَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا)) رواه مسلم.
وهنا تنبيهات ثلاثة يجدر لي أن أذكركم بها أيها الإخوة والأخوات:
أولها: أن الجمع ليس مرتبطاً بالقصر، بل الجمع مرتبطٌ بالحاجة فمتى احتاج الإنسان للجمع في حضرٍ أو سفر فليجمع… ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوفٍ ولا مطر. فقالوا: ما أراد؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته)) أي لا يلحقها حرجٌ في ترك الجمع، وهذا هو الضابط كلما حصل حرجٌ في ترك الجمع جاز له الجمع، وإذا لم يكن عليه حرج فلا يجمع؛ لكن السفر مظنةُ الحرج بترك الجمع، وعلى هذا يجوز للمسافر أن يجمع سواءً كان جاداً في السفر أم نازلا إلا أنه إن كان جاداً في السفر فالجمع أفضل. وإن كان نازلا فترك الجمع أفضل. ويستثنى من ذلك ما إذا كان الإنسان نازلا في بلدٍ تقام فيه الجماعة فإن الواجب عليه حضور الجماعة وحينئذ لا يجمع ولا يقصر. لكن لو فاتته الجماعة فإنه يقصر من دون جمع إلا إذا احتاج إلى الجمع. ومن هنا أقول : لا يُجْمَعُ بين الصلاتَيْن قبل الشروع في السفر؛ إذ أن رخص السفر “من القصر والجمع والفطر” لا تستباح إلا بالشروع في السفر ومجاوزة العمران، اللهم إذا كانت هناك حاجة أخرى وسبب آخر من أسباب الجمع فيجمع. فتنبهوا لهذا رحمكم الله .
التنبيه الثاني: إذا نوى المسافر جمع تأخير، ولكنه وصل إلى بلده قبل خروج وقت الأولى، فهنا لا يجوز له أن يجمع ولا أن يقصر؛ لانقطاع العذر وزواله، فيجب عليه أن يصلي كل صلاةٍ في وقتها تامة، فيصلي الأولى في وقتها تامة، فإذا دخل وقت الثانية صلاها تامة؛ لأن علة جواز الجمع والقصر وهي السفر قد زالت. وإن وصل بعد دخول وقت الثانية فإنه يجمع بلا قصر.
وأما التنبيه الثالث والمهم: فهو يجب عليك أخي المسافر أن تؤدي فريضة الصلاة في وقتها؛ لقول ربنا سبحانه: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}أي: مفروضا في وقته، فدل ذلك على فرضيتها، وأن لها وقتا لا تصح إلا به، وعليه؛ فلا يجوز لك أخي المسافر أختي المسافرة أن تؤخر الصلاة على وقتها بحجة أنك لم تجد مكانا للصلاة فيه أو تعذر عليك الوضوء في الطريق، أو أن ملابسك متسخة ولم تعد صالحة للصلاة…كل هذه الأعذار لا تصلح ولا تقبل منك في تأخير الصلاة على وقتها، فما عليك إلا أن تتفقه في دينك، وتبحث عما خفي عنك من هذه الأحكام، وتتسلح بالعلم بدل أن تلتمس لنفسك الأعذار الواهية…
وكم نرى من الناس مَن يستهين بالصلاة في نُزُهَاتِهِمْ ورحلاتهم أو يؤخرونها عن وقتها أو يتركونها بالمرة!!، ولوِ استشعر المرء أن تلك الأماكن تشهد له يوم القيامة، وأن الله سبحانه وتعالى يراه أينما كان لحرَص عليها ولَمَا فرط فيها!!.
ومن الأحكام التي يجب معرفتها أيها الإخوة والأخوات في السفر: أن صلاة الفريضة في السفر لا بد من النزول لها، وأن يصلي قائماً، مستقبل القبلة، لحديث جابر رضي الله عنه ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ المَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ)) رواه البخاري. إلا إذا عجز عن القيام أو استقبال القبلة أو عجز عنهما معاً فيصلي حيثما استطاع؛ لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
ومنها أيضا: من السُّنَّة ترك الرواتب في السفر إلا سنة الفجر والوتر؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك. أَمَّا ما عدا الرواتب؛ كالضحى وقيام الليل وغير ذلك من مطلق التطوع فله أن يصلي منها ما شاء؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ((أنه صلى الضُّحى في بيت أم هانئ يوم فتح مكة)) رواه البخاري ومسلم. ويصح التطوع على المركوب في السفر: مِنْ طائرة وسيَّارة وسفينة وغيرها من وسائل النقل، سواءً كان قائماً أم قاعداً، مستقبل القبلة أم غير مستقبِلِها؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ)) رواه البخاري ومسلم.
ومن الأحكام التي يحتاجها المسافر في سفره المسح على الخفين: يشرع للمسافر أن يمسح على الخفين والجوربين وما في معناهما ثلاثة أيامٍ وليالهيَن بدءاً من الحَدَثِ بعد لبسهما؛ لحديث علي رضي الله عنه في المسح على الخفين قال: ((جَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ)) رواه مسلم. بشرط أن يكون قد لبس الخفين أو الجوربين على طهارةٍ، وأن يكونا ساترين لمحل الفرض من القَدَم، وألا يكون الجورب شفافاً بحيث يصف البشرة.
وكيفية المسح: أن يبدأ بالمسح على الخفين أو الجوربين من أصابع القَدم إلى جهة الساق، فيضع أصابِع يده اليمنى على مُقدَّم خُفِّ رجله اليمنى، وَيضع أصابع يده اليسرى على مُقدَّم خُف رجله اليسرى إلى الساق.
ومن تلكم الأحكامِ عباد الله التيمم إذا تعذر الوضوء؛ بحيث أنك لم تجد الماء الذي تتوضأ به بعد البحث عنه، أو تعذر عليك استخدامُ الماء في الوضوء بسبب الإصابة بالأمراض التي من الممكن أن تتفاقم إذا وصلها الماء، ففي هذه الحالة جاز لك أن تتيمم وتصلي في الوقت، ولا يجوز ترك الصلاة أو تأخيرها عن الوقت؛ لقول ربنا سبحانه: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ، مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}.
وكيفية التيمم: أن تضرب بيدك التراب أو الحجر ضربةً واحدةً، ثم امسح وجهك بها مرةً واحدةً. ثم امسح ظاهر كفك اليمنى بباطن كفك اليسرى، وكفك اليسرى بباطن كفك اليمنى.
ولكن لابد من الجد في البحث عن الماء ثم اذا تعذر لجىء إلى الماء
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم