رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن التوبة
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن التوبة
يقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ: الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ – تَعَالَى -، وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ، وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِهَا، وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهَا، بِالْإِضَافَةِ إِلَى التَّحَلُّلِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ… وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَسَبَبٌ لِلْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّـهِ – تَعَالَى -: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
، فَلْتُبْشِرْ مَهْمَا كَثُرَتْ ذُنُوبُكَ، وَمَهْمَا عَظُمَتْ خَطَايَاكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ – تَعَالَى – قَدْ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ فِي وَجْهِكَ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، وَوَعَدَكَ بِقَبُولِ تَوْبَتِكَ الصَّادِقَةِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ – سُبْحَـانَهُ -: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ… كَمَا أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَلْجَئُواْ إِلَى سَاحَاتِ كَرَمِهِ وَجُودِهِ، لَا يُوصَدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّـهِ بَابٌ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ – عَزَّ مِنْ قَائِلٍ -: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ… وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ – أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ – تَعَالَى -: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.
هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْكَافِرِ؟، فَلَيْسَ هُنَاكَ ذَنْبٌ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ بِاللَّـهِ، لَكِنَّ بَابَ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ حَتَّى فِي وَجْهِ الْمُشْرِك وَالْكَافِر، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ غَفَرَ اللَّـهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ… وَقَوْلُهُ – سُبْحَانَهُ -: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا… وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ – أَنَّهُ قَالَ: …لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ لِأُبَايِعَكَ. فَبَسَطَ يَدَهُ، فَقَبَضْتُ يَدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟! قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: تَشْتَرِطُ مَاذَا؟ قَالَ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمرُو! أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟!…
: هَلْ يُغْلَقُ بَابُ التَّوْبَةِ؟، فَبَابُ التَّوْبَةِ – كَمَا قُلْنَا – مَفْتُوحٌ، وَلَا يُغْلَقُ إِلَّا فِي حَالَتيْنِ:
الْحَالَةُ الْأُولَى: حِينَمَا يُغَرْغِرُ الْإِنْسَانُ، وَمَعْنَى [الْغَرْغَرَةِ] هُوَ: بُلُوغُ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ، وَالْوُصُولُ إِلَى حَدٍّ لَا تُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْحَيَاةُ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللهَ – عَزَّ وَجَلَّ – يقْبَلُ توْبةَ الْعبْدِ مَالَمْ يُغرْغِرْ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: حِينَمَا تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَيْ: عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ – رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللهَ – تَعَالَى – يبْسُطُ يَدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها.
وُجُوبُ التَّوْبَةِ عَلَى الْفَوْرِ، فَالْإِنْسَانُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ التَّوْبَةَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي مَهْمَا كَانتِ الْأَسْبَابُ وَالظُّرُوفُ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى تَنْقَضِي أَيَّامُهُ، وَتَنْصَرِمُ لَيَالِيهِ، وَتَنْقَطِعُ أَنْفَاسُهُ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّـهُ – تَعَالَى -: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا … فَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّـهِ – جَلَّ جَلَالُهُ – بِقَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ يَرْتَكِبُونَ الذَّنْبَ فِي حَالِ الْحَمَاقَةِ وَالطَّيْشِ، ثُمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَطِعَ الْآمَالُ، وَتَحْضُرَ الْآجَالُ، وَيُغْلَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ الْمَوْتَ لَنْ يَنْتَظِرَ اسْتِقَامَتَكَ، بَلِ اِسْتَقِمْ أَنْتَ وَانْتَظَرِ الْمَوْتَ. -، وَلْنُبَادِرْ إِلَى التَّوْبَةِ مَعَ التَّائِبِينَ، وَلْنَغْتَنِمْ لِذَلِكَ شَهْرَ الصِّيَامِ نَفُزْ مَعَ الْفَائِزِينَ،