رولا سالم: أن تكتب لتفكّر، لا لتملأ الفراغ

رولا سالم: أن تكتب لتفكّر، لا لتملأ الفراغ

كتب: خالد البسيوني.
في مشهدٍ صحفي يزداد فيه التكرار، ويتراجع فيه التأمل، تبرز رولا سالم كاسمٍ يشي بحضور مختلف، يجمع بين الدقة الصحفية وعمق الرؤية الفلسفية. لم تكن مسيرتها وليدة الصدفة، بل هي ثمرة مسار أكاديمي وفكري بدأ من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، قسم الفلسفة، حيث تخرّجت عام 2010، محمّلة بأسئلة لا تنضب، وسعيٍ دائم لربط المفاهيم بالنصوص، والواقع بالتحليل.
من الجامعة إلى الميدان الإعلامي
بدأت رولا رحلتها المهنية عبر بوابة الإعلام الاقتصادي، حيث انضمّت إلى فريق موقع “سيريانديز” ومجلة “بورصات وأسواق” بين عامي 2013 و2018، وهناك صاغت أسلوبها الأولي في الكتابة: بسيط في اللغة، دقيق في الأرقام، متأنٍ في الاستنتاج. لم تكن الأخبار المالية مجرد تقارير، بل مدخلاً لتحليل التغيرات البنيوية في المجتمع السوري، ولاحقًا، لتتبع آثار الأزمة الاقتصادية على الطبقات الوسطى والفقيرة.
ثم انتقلت إلى الكتابة في جريدة “تشرين”، حيث عملت بين عامي 2018 و2020، محررةً في قسمي الاقتصاد والمجتمع، وهو ما سمح لها بتوسيع نطاق تغطياتها لتشمل القضايا اليومية والمعيشية، والتحديات التي تواجه النساء، والشباب، والعمال، في ظل بيئة اقتصادية وسياسية مضطربة.
ولم تكن تجربة الصحافة الورقية سوى جانب من حضورها، إذ كتبت أيضًا في منصات رقمية جديدة مثل “هاشتاغ سوريا” و”سناك سيريا”، بين عامي 2017 و2020، مساهمةً في خلق صحافة أكثر قربًا من القارئ، وأكثر انفتاحًا على القضايا التي ظلت مهمّشة لسنوات، من الفقر إلى الصحة النفسية، ومن التعليم إلى الهوية الثقافية.
حين تتحدث الفلسفة بلغة الرأي
رولا ليست صحفية تقليدية، بل كاتبة رأي تمتلك أدوات تحليل نادرة. وهذا ما أثبته ترشيحها عام 2014 لجائزة “أفضل زاوية رأي” في اتحاد الصحفيين السوريين، عن مقالها الجريء “فلسفة مالتوس… النسخة السورية”. المقال الذي تناوَل فيه فكرة الندرة السكانية والموارد، ليس من منظور ديموغرافي فقط، بل باعتباره مرآة سياسية لاختلالات التوزيع ومآزق التخطيط.
هذا النمط الكتابي الذي يمزج بين الفلسفة والسياسة، بين الاجتماعي والاقتصادي، أصبح علامةً لها في مختلف كتاباتها، وحتى في إعدادها لبرنامج “الأربعاء الاقتصادي” على إذاعة صوت الشباب عام 2020، حيث استضافت خبراء وناقشت قضايا محورية من منطلق تحليلي لا دعائي.
من الميدان إلى كواليس الإعلام المؤسسي
لم تتوقف مسيرتها عند حدود الكتابة، بل انتقلت لاحقًا إلى العمل في الإعلام المؤسسي، إذ تشغل اليوم منصب مديرة قسم الإعلام والعلاقات العامة في شركة “ماجيستي” للخدمات السياحية. في هذا الدور، تدمج رولا بين المهارات الصحفية والاتصالية، لتعيد تعريف التواصل بين الشركات والجمهور، وبين الترويج والرؤية الثقافية. وهي منسقة إعلامية لمشاركة الشركة في معرض سوق السفر العربي بدبي 2024، حيث أشرفت على التخطيط والتغطية الإعلامية لجناح الشركة الموسّع في قسم التكنولوجيا والتطوير.
جوائز وتكريمات
على مدار مسيرتها، نالت رولا عدة جوائز تقدير وتكريم من جهات إعلامية سورية، توّجت أعمالها المتميزة، وشهدت على قدرتها في تجاوز الأطر التقليدية للعمل الصحفي. هذه الجوائز لم تكن لحظات احتفاء فقط، بل محطات تأكيد على أن الكلمة عندما تُكتب بضمير، تصبح فعلاً عاماً.
إن تجربة رولا الصحفية ليست مجرد سيرة ذاتية أو لائحة مناصب، بل هي سيرة فكر يسعى لقول الحقيقة، لا مجرد رواية الحدث. إنها تكتب كما يكتب الفلاسفة: ببطء، بشك، وبحنكة. وهي، في عالم سريع التقلّب، نموذج لصحفية تعرف أن التأمل ليس ترفاً، وأن الصدق لا يتجزأ، وأن الصوت الصادق، مهما بدا هامشيًا، يبقى الأصدق أثرًا.
في رولا سالم، يتجسد صوتٌ نسائيّ مختلف، عقلٌ لا يتهافت أمام الضجيج، وقلمٌ لا يساوم على المعنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *