سننموت_حتشبسوت الخلاص
بقلم :الدكتورة سمر عبد العظيم
انهمرت دموعها دون صوت وهي تقف وسط وصيفات العرش وقد تبارين في تجميل ردائها الحريري
كان اليوم عرس نفرو رع علي تحتمس الثالث وقد احتفلت طيبة كلها علي مدار الثلاث ايام وليلي الماضية، ذبحت مئات الأبقار والنوق ووزع اللحم في شوارع طيبة، وكان الملك ابن الإله “آمون” قد خرج في رحله من معبد الكرنك في طريقه لمعبد الأقصر وقد تزينت له السفينه المقدسه الخاصه بالإله “آمون” ووضعت في مقصوراتها المزهوة كالطاووس وتتبعها سفينة الإله “موت” زوجة “آمون” وسفينه إبنهما “خونسو” وكان أهل طيبة يتتبعون رحلة ثالوث “طيبه” المقدس ويحتشدون عند بوابة معبد الأقصر في انتظار قدومهم في تعبير عن الفرحة والإحتفال بالزفاف الذي باركه الإله أمون.
استمعت في شرود لحكايات الوصيفات عن فرحة أهل طيبة وقلبها يعتصره الألم فدقائق تحول بينها وبين ذلك الزواج وستكون ملكة ذلك الصلِّف تحتمس الثالث. لم يُبَرِد هذا الاحساس توجيهات أمها حتشبسوت لها ليلة أمس حين طمأنتها أنها لن تضطر لمعاشرته “هو واجبك نحو العرش ليس الا…. وحين تصلين لبلاد بونت مع الحملة التجارية لك حرية ما ترين” استطردت الملكة خليلة رع “حبيبتي ليس الأن أمثل وقت للنقاش فالحملة التأديبية التي أرسلتها لماو قد شارفت علي الوصول والأعين كلها معلقة علي نتيجة ما تسفر عنه وان كانت ستوئد التمرد هناك… أريدك علي رأس البعثة لبلاد بونت كملكة ومعك رضا أمون رع فالعالم يجب أن يري أن الوادي مستقر وأن أمننا لم يتزعزع بالقلاقل”
تنهدت و هي تدفع الهم من بين شفتيها زفيرا ولم تشعر الا بنفسها في حضن ألفته لسنين طوال
“سننموت… كيف بحق أمون وصلنا لهنا؟ الم تعدني الخلاص؟ أين ذهب كل كلامك لي وتطمينك أنني لا أضام؟!! ماذا أنا فاعلة الأن؟! كيف سأسافر مع ذلك الصبي الأرعن كزوجة؟ أدفع حياتي ثمنا لرضا إبنة الشمس!!!!”
اسرع سننموت بالرد وكانه أراد أن يمحو أخر كلماتها وهو يعتصرها بين ذراعيه وقد اراحت رأسها علي صدره “لا تظلمي أمك يا زعفرانة طيبة… ان تريد الا الاصلاح… وتذكري أنا لم اتركك لحظة منذ ولدت…. ولن اتركك الأن… ضعي ثقتك في رع وفي ولا تخافي”
” ولكن يا سننموت….”
قاطعها وهو يربت علي شعرها المجدول في جدائل صغيرة “أعلم!!! لا تنطقي الاسم فالجدران تستمع الينا وجواسيس إست أم الصبي في كل مكان…. أعلم أنك تفتقدينه، أراه في تبسمك ودموعك، أسمع قلبك يدق فقط حين يطل علينا في البلاط… أسمع تضرعاتك ل”رع” وانت في قدس الأقداس ورأيت برديتك حيث خُطَت صلاتك وانت تدسينها في المركب المقدس في عيد وفاء النيل العظيم”
رفعت رأسها من علي صدره لتستشرف عينيه وقد باغتها الكلام بادلها النظرة بأن اسدل جفونه واومأ لها في ايجاب ” نعم أعلم كل شيء….”
بمزيج من الفرحة والراحة مسحت دموعها فسننموت يعلم وهو لن يضيعها فقد كان لها الحارس الأمين منذ نعومة أظافرها وكان دائما الراعي لمصلحتها قبل كل شيء والأن وحيث أنه يعلم بحبها الذي أخفته عن الجميع ل “إدي” إبن الوزير شيماي فكان عليها أن تؤمن أن في جعبته خطة وأنه لن يدعها تعاني. “كم أنا محظوظة بك يا سننموت” أشار لها أن تغلق شفتيها والا تنطق وهو يشير برأسه الي باب المخدع في اشارة أن هناك من يسترق السمع، ابتسم في ثقة وهو يمسح دموعها وهو يريها عينيه لتطمئن”
أبحرت السفينة الملكية الي الجنوب لتقود بعثة من سبعين سفينة محملة بالبضائع وقد حملت علي ظهرها الوفد الرسمي المبعوث لمقابلة ملك بلاد بونت. وفي أول صباح لها جلس تحتمس الثالث علي الكرسي الملكي في قمرة الحكم و الي يساره عروسه الشاردة علي كرسي الملكة المزين برسم لحتشبسوت وهي تقرب القرابين للاله أمون و عليها خطت نص رسالة أبيها تحتمس الأول لها “تعالي لأضمَّ بهاءكِ بين ذراعي لأجل أن ترى إدارتك في القصر” تلك الرسالة المزعومة التي أشهرتها منذ عشرين عاما لتمكنها من حكم البلاد. استشاط تحتمس غضبا وفي نفسه توعد لها أنه منذ ذلك اليوم لن يدع لها أثرا … “سأمحيها من التاريخ ولن يعرف لها مكان… لن يبق لها وجه علي جدار ولا مقبرة يستدل عليها فيها أنوبيس… ستدفعين ثمن قهري طوال سنين مضت” حدث نفسه وهو يجاهد فوران وجهه الا يكشفه وقد جلس يستقبل الوفد للتعرف.
جلست نفرو رع في عدم اكتراث واضح وممثلي البلاط يتوافدون واحدا تلو الأخر ليقدموا فروض الطاعة وكانت تمد لهم رجلها اليمني في شرود ليركعوا لها حتي اشتمت عطر ايقظها من الشرود … ما اعجب الاعيب العقل تستحضر عطره وكأنه هنا…. بل انه هنا بالفعل ركع علي قدميها معلنا نفسه الوزير “إدي” حارس الجنوب… لوهلة اختلت في مجلسها وهي لا تعلم احلم هذا أم أنه محض خيالات؟! دققت النظر اليه وهو يتراجع ورأسه مطأطأ وقد اعطي تعليمات مسبقة بالا ينظر الي الزوجين في مراسم التعيين. كان هو هنا وفي ضمن البعثة ولم يكن ذلك في معزل من سننموت فقد كان يعلم … تري ماذا أعد أيضا في خطة الخلاص؟!!
ابتسمت السماء الزرقاء وشهدت أول شمس في عيني نفرو رع … وقفت لتتحمم بأشعتها فاليوم قد انتهت بعثتها بنجاح والسفن تحمل الأن بالبخور والذهب في استشراف رحلة العودة… وفي اكتمال للحظة رائعة في حضن السلام جاءت لمسة يديه علي كتفيها لتستدير فقط لتحضنها عينه الحانية. وقف إدي أمامها في استبشار، دعاها للجلوس معه علي الشاطيء “معي لك رسالة..،” أخرج من ازاره بردية اختبأت في جعبة من الكتان المبيض بصبغة نباتية طاهرة. علي الفور تسلمتها وهي تتمتم “سننموت”
“الجميلة نفرو رع
هذا كتابي لك الأول من ثلاث
سألتي يا إبنتي عن الخلاص…. آن أوانه الأن فانا اوف اذا وعدت، الخلاص لك ان قبلتيه وسيكون كل شيء مرتبا لك حيث أنت، وان سألتي عنا فاعلمي أننا سنلتقي
إدي هو زوجك ومستقبلك الذي ارتضيته فلا تضيعي الفرصة ولك في بلاد بونت حيث التقي البحران مأوي
الي لقاء قريب…
راع الزعفرانة المقدسة
سننموت”
رفعت عينيها عن الرسالة لتنظر في عيني ادي وكان يقف مبتسما ابتسامة رضا وقد مد يده اليمني لتستقبل راحتها فيجذبها ليضمها الي صدره….”اليوم نولد من جديد بعيدا عن عرش طيبة وما يحاك حوله من شر ولن ننسي أبدا ما غمرنا من فضل سننموت”
عادت القافلة محملة بخير وفير طرب له أهل طيبة وابتسمت له ملكة الأرضين وفي استقبال الوفد الملكي غرق قلبها دون مرسي حين شاهدت تحتمس الثالث يمتطي الهودج الذهبي والي جانبه “ميريت رع” ابنتها الصغري وقد توجت بتاج الجنوب الأحمر في غفلة مقصودة من الجميع حتي كهنة أمون الذين غضوا بصرهم صاغرين عن حملة عادت لطيبة وقد فقدت شخصين لم تدون اسماؤهم….
اترك تعليقاً