مجدداً، لا بدّ من القول إنه لا يملّ من المعركة القضائية في ملف انفجار مرفأ بيروت، وحركة تعطيل التحقيق وعمل المحقق العدلي. في مشهد سوريالي، تقدم اليوم وكلاء الدفاع عن الوزيرين المدعى عليهما علي حسن خليل وغازي زعيتر بطلب ردّ القاضي نسيب إيليا، رئيس الغرفة رقم 12 في محكمة الاستئناف، المخوّل البتّ بطلب الردّ المقدّم من الوزيرين ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. وبصيغة أخرى لا تقلّ تعقيداً، تم التقدّم بطلب ردّ القاضي المخوّل بطلب ردّ البيطار، والذي سبق أن أسقط طلبي ردّ البيطار قبل شهر تقريباً. أما في نسخة مبسّطة لما يحصل في ملف المرفأ، فإنّ المسعى إلى العرقلة وحرف الأنظار عن التحقيق وتشتيته يبلغ ذروته
سُريالية المشهد
لدى سؤال “المدن” مرجعيات قضائية عن واقع الحال في ملف انفجار مرفأ بيروت، يأتي الجواب أنه لم يسبق لقصور العدل في لبنان أن شهدت هذا الكمّ من السريالية في قضية واحدة. ولإضفاء المزيد من اللمسة السريالية، فإنّ طلب الردّ المقدم ضد إيليا يساهم في عرقلة نظره في طلب الردّ المقدّم ضد البيطار. كيف ذلك؟ فور تبلّغ إيليا بطلب ردّه، يتوقّف والغرفة رقم 12 في النظر بالطلب المقدّم لردّ البيطار. أي أنّ وكلاء زعيتر وخليل عطّلا حتى مبتغاهم في ردع البيطار وكفّ يده عن الملف.
أسباب ردّ إيليا
وفي اتصال مع أحد الوكلاء القانونيين لزعيتر وخليل، علمت “المدن” أنه في أسباب تقديم طلب ردّ القاضي نسيب إيليا: “أولاً، أنه سبق ونظر في طلب رد مماثل وأسقطه في الشكال. وثانياً أنه طلب التنحّي عن البتّ في طلب ردّ مماثل ورفضت محكمة الاستئناف طلبه”. وفي هذا الإطار، أكدت مصادر قضائية لـ”المدن” أنه فعلياً طلب القاضي إيليا التنحي عن البتّ بطلب الردّ الأخير (26 تشرين الأول) المقدّم من الوزير السابق المدعى عليه والصادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية يوسف فنيانوس. إلا أنّ الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله رفض طلب التنحي.
ما وراء الردّ
على الرغم من إعاقة النظر في الطلب الردّ المقدّم لكف يد القاضي البيطار، يبدو أنّ الوكلاء القانونيين يسعون إلى نقل البتّ بطلب الردّ ضد البيطار إلى غرفة أخرى من غرف محكمة الاستئناف. ولو أنّ إيليا لم يتّخذ أي قرار أو إجراء غير قانوني، لكن هل المسعى القائم هو لتكليف قاض في الاستئناف محسوب على جهة سياسية مقرّبة من زعيتر وخليل؟ ولدى مراجعة أسماء رؤساء غرف محكمة الاستئناف، يتّضح أنّ ثمة من بين هذه الأسماء من وضع نفسه رأس حربة لمواجهة البيطار، تحديداً في اللقاء الذي جمع الأخير بمجلس القضاء الأعلى قبل أسبوع.
يوضح كل ما سبق أنّ تقديم طلبات الردّ باتت أسهل من شربة الماء عند الوكلاء القانونيين للمدعى عليهم في ملف المرفأ. الطلب الأخير، وإن كان لا يعكّر عمل المحقق العدلي لكونه لم يتبلّغ أساساً بعد بالطلب المقدم لردّه، إلا أنه يعني الكثير على مستوى العرقلة والتمييع. وقد نكون مستقبلاً أمام مشهد أكثر سريالية، في تقديم طلب ردّ ضد القضاء بذاته، بقصور عدله ومحاكمه وغرفه ومكاتبه. لما لا؟ هل من يذكر أن ثمة من قال للبنانيين: ” وحده الضعيف من يذهب إلى القضاء”؟ يبدو أنّ الضعيف، فعلياً يذهب إلى القضاء، وأنّ القوي يذهب إلى تعطيل القضاء حرفياً
اترك تعليقاً