صنع في فلسطين
بقلم – مروة الحمامصى
منذ قديم الزمان عندما كان التاريخ البشري يسطر حروفه ليشهد بميلاد الأمم وانتقال البشرية من البدائية إلى العيش في مجتمعات منظمة . شهدت منطقة الشرق الأوسط ميلاد حضارات سبقت شعوب العالم وتفاوتت في درجات التقدم فيمابينها , وبرزت الحضارة الأعظم في مصر القديمة , وقد استفادت تلك الحضارة من كل امكانيات بيئتها , وأدركت ماتفتقده . ولكونها حضارة سلام , فقد تبادلت التجارة مع جارتها فلسطين لتغطي العجز من احتياجاتها . وكان لهذا التبادل عظيم الأثر على مدن فلسطين .
وقد توافر في البيئة الفلسطينية الزيت والقار والنبيذ وعسل النحل , وقد وثقت لنا الحفريات على عملية التبادل التجاري , وذلك منذ عصر ماقبل الأسرات وعصر الأسرتين الأولى والثانية . فعثر على تلك المنتجات في مصر في أواني فخارية كبيرة تحمل الطابع الفلسطيني التي يتميز بالأيدي المموجه . وكانت التجارة وقتها تتخذ الطرق البرية فمدن فلسطين البحرية لم تظهر على الساحة في ذلك الوقت .
أما على الجانب الآخر فقد عثر في منطقة “تل جاث ” بوسط جنوب فلسطين على أواني فخارية مصرية منها قطعة فخارية تحمل اسم الملك “نعرمر ” ترجع لنهاية الألف الرابعة قبل الميلاد , وكذلك قطعة فخارية مكسورة عند تجميعها وجد الاسم الهيروغليفي “نعر” أو الجزء الأول للملك “نعرمر” وذلك في موقع “أراد ” بمنطقة النقب .
أما موقع “عين بيصور ” بشمال النقب . فقد عثر على كتل غير منتظمة تحمل طبعات أختام ترجع للأسرة الأولى خاصة بموظفين وكهنة مصريين , ممايعني أن هؤلاء كانت لهم مهام على أرض فلسطين , أي أنها كانت قواعد ملكية مثل “تل جاث ” و “أراد” للإشراف على التجارة المتبادلة , وكذلك وجدت الأختام المصرية والخرز المصري المصنوع من الذهب والأواني الفخارية في مواقع فلسطينية أخرى مثل : “تل مالحاتا ” و ” تل حلف ” و “تل ماعاحاز ” و “تل عيراني ” و “افريدار” .
وقد عثر في “كفر موناش ” بفلسطين على آثار مصرية عبارة عن أدوات ولوحات نحاسية وخرز ترجع لبداية الأسرة الأولى , ويرجح أنها خاصة بقاطعي الأخشاب ويبدو أن المصريين كانوا يأخذون الأخشاب من تلك المنطقة , بل ويبدو أن العمال المصريين كانوا يشاركون في العمل حيث عثر في جبانة “أزور ” على بعض الهياكل المصرية .
وقد عثر في مقبرة الملك “بر ايب سن ” من الأسرة الثانية بأبيدوس على طبعة ختم كتب عليه “منتجات آسيا ” أو ما يساوي الآن “صنع في فلسطين ” وذلك يشير إلى الأشياء الملحقة بالبطاقة أنها أحضرت من آسيا .
ونسوق تلك الآثار التاريخية لإثبات قدم العلاقة بين المصريين والفلسطينيين أصحاب الأرض , وتلك الأدلة التاريخية لم تذكر من قريب أو بعيد على ملكية اليهود لتلك الأرض . حيث صورت لهم الأوهام أنهم ساكنوا تلك البقاع منذ القدم , ولا يوجد دليل لوجودهم , بينما الفلسطيني عاش وصنع وتاجرو ابدع على تلك الأرض .