فى طريق النبوه ومع نبى الله هارون عليه السلام
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
نبى الله هارون بن عمران عليه السلام ، هو نبي من أنبياء الله الذين يؤمن بهم أتباع العقائد اليهودية والمسيحية والإسلامية وعاش النبي هارون عليه السلام ، مع أخيه النبي موسى بن عمران عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام في مصر في عصر الفراعنة حسب العهد القديم والقرآن الكريم ، وفي الكتاب المقدس العهد القديم ، وهو ابن عمران والاخ الأكبر لموسى عليه السلام ومريم ، وكان متزوج من إليشيفا ، وله أربعة أبناء.
ونبي الله هارون عليه السلام ، من الأنبياء الذين لا يعرف كثير من المسلمين عنه شيئاً ولا يعرفون قدره، وهو نبي عظيم شقيق لموسى بن عمران عليه السلام ، وُلد في عام ترك قتل الأبناء، وأرسله الله تعالى مع موسى عليه السلام ، وكانت مشاركة عظيمة بين أخوين في مهمة جليلة جداً هي النبوة والرسالة ، ولقد كان الفراق طويلاً جداً بين موسى وأخيه هارون في مبدأ الأمر، فإنه افترق عنه نحواً من عشر سنين ربما لا يدري عن خبره شيئاً .
وولد نبي الله هارون عليه السلام بعد ولادة موسى بثلاث سنوات، وفي السنة التي لا يذبح فيها الأطفال، أي عام المسامحة عن قتل الأبناء فترك ولم يُذبح، وولد نبي الله موسى عليه السلام في السنة التي يذبح فيها الأطفال، فضاقت أمه به ذرعًا خوفًا من قتله وأخذت تأخذ حِذرها وحيطتها من أول ما حبلت به، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحمل، ولما قرب وقت وضع الحمل حزنت حزنًا شديدًا واشتد غمها وكربها .
فألهمها الله تعالى ألا تخاف ولا تحزن لأن هذا المولود سيكون له شأن عظيم وأنه سيحفظه من كيد فرعون ثم يجعله من المرسلين، وأمرها الله تبارك وتعالى أن ترضعه، حتى إذا خافت عليه تصنع له تابوتًا وصندوقًا من خشب ثم تضعه فيه وتلقيه في البحر ولا تخاف من الهلاك ولا تحزن لأنه سيكون في حفظ الله ورعايته وكفى به حافظًا ووكيلًا.
وإن موسى عليه السلام منذ ولادته فارق بيته، وأُخذ إلى قصر فرعون وتربى هنالك، ولم يرَ أمّه إلا عندما كانت تأتي لترضعه، ثم بعد ذلك لم يكن يرى أخاه هارون كما يريد؛ لأنه في قصر فرعون، وذاك في مساكن بني إسرائيل، ثم إن موسى قد هرب من هؤلاء إلى مدين، ولبث فيهم عشر سنين، لم يرَ أهله فيها، فلما سار موسى بزوجته من مدين وناداه ربه عند الشجرة في البقعة المباركة دخل موسى بعد ذلك مصر ولقيَ أخاه هارون، وكان لقاءً عظيماً.
وهذه العلاقة العظيمة المتمثلة في أخوة النسب التي تقطعت بها الأسباب اليوم بين كثير من الناس وأشقائهم في فرقة من أجل دنيا من ميراث وزوجات ونحو ذلك من الأسباب نجد أن موسىعليه السلام قد حفظ تلك الوشيجة والعلاقة وهو يقبل على الله سائلاً أن يجعل معه أخاه هارون نبياً.
والله عز وجل ، وهب له أخاه هارون نبياً رحمة منه سبحانه وتعالى ، فكان هذا الأخ الصالح والشقيق الطيِّب، والنبي المؤازِر، والوزير المعاوِن، واليد اليمنى، والساعد الكبير والنصير باللسان، والمعين بالرأي والبدن له تلك المشاركة العظيمة بين أخوين في مهمة جليلة جداً هي النبوة والرسالة ومواجهة المعاندين.
وتميز هارون عليه السلام ، بالفصاحة، ومعنى ذلك أنه أحسن بياناً وأدرى من موسى بلهجة القوم الذين تركهم موسى هذه السنين العشر ، ومن ميزات هارون عليه السلام أنه كان رفيقاً ليِّن الجانب، وجمع الله لهارون عليه السلام بين الكثير من اعظم الصفات الدينية والأخلاقية
وكان قلب هارون عليه السلام ، رؤوفاً رحيماً رؤوماً مشفقاً، تميز بالرفق، وكان يتحلى بالحكمة والصبر، ولذلك حاول أن يجمع ما تبقى من بني إسرائيل في قصة العجل رغم اضطهادهم له، كما أنه تحلَّى بالشجاعة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أولئك الفراعنة .
وعندما رجع موسى عليه السلام ، من رحلة إيمانية عظيمة، وقد تلقى الوحي ومعه الألواح ونفسه متهيئة لإقامة أحكام التوارة في قومه وهو متحمس أشد الحماس لما كان يعيشه من الإيمان العظيم، بما حصل من كلام الله له مباشرة وإيتائه التوارة التي خطها الله له بيده، وهو عائد من تلك الرحلة الإيمانية العظيمة ومعه التكاليف ليقوم بها .
إذ به يفاجأ باسوأ منظر، الناس الذين أرسل إليهم بعد هذه الرحلة الطويلة من الاستخراج من مصر وعبور البحر والنجاة، وقد جعل عليهم أخاه حيث لم يأخذ أخاه معه رغم شرف الرحلة من أجل هؤلاء، ليفاجأ باسوأ منظر، وهو أسوأ منكر في قوم .
وهو أنه وجدوهم كفروا بالله عز وجل ، وعبدوا العجل فقال لهم هكذا تشركون بهذه السرعة؟ وبعجل تمثال لا ينفع ولا يضر وليس له إلا هذا الصوت، وألقى الألواح من الغضب لرؤية المنكر الذي هو الشرك الذي لا يراه اليوم كثير من الناس منكراً ولا قبيحاً ، فهذا هو المسؤول الأول حيث ظنه مقصراً ، ولم يقم بالوصية .
لكن هارون عليه السلام ، قال له يا : ابْنَ أُمَّ ، أى ذكَّره بأنه شقيق له من أمه وأبيه، وقدم ذكر الأم على ذكر الأب ، لأنها أشفق وأرحم وأرقّ وأعطف، ذكَّره بالعلاقة ليرأف به؛ لأنه ليس مقصراً ولا ظالماً ، إذاً هارون وصلت به القضية إلى أن يكون على وشك الموت، وكادوا يقتلونني، لم يكن بينهم وبين قتلي إلا شيء يسير حيث أوشكوا على فعل ذلك.
وقد بلغ من منزلة هارون عليه السلام أن نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لما لقيه ليلة المعراج في السماء الخامسة قال له: (مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح) وأثبت الله أثر هارون في الدعوة إليه ، وقد تفاوت صفات الأنبياء ومقاماتهم، فلا شك أن موسى عليه السلام أفضل وأعلى .
قال الله تعالى:(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) وموسى كليم الله ، وقد كان موسى صاحب شجاعة وبأس وشدة، وكان هارون ذا حلم ورفق هائباً لموسى مسلساً القيادة له، وهذا المزيج من قوة موسى وحلم هارون ورفقه كان ضرورياً جداً في قيادة بني إسرائيل.
وكانت وفاة نبى الله هارون عليه السلام ، أن أوحى الله عز وجل إلى موسى أني متوفي هارون فأتِ به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون عليهما السلام نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا ببيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة، فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه، فقال: يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال: فنم عليه، فقال: إني أخاف أن يأتي ربُّ هذا البيت فيغضب عليّ، قال له موسى: لا ترهب إني أكفيك أمر رب هذا البيت فنم .
قال: يا موسى نم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب عليّ وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون الموت فلما وجد منيته قال: يا موسى خدعتني، فلما قبض رفع البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا: إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال موسى عليه السلام: ويحكم كان أخي فكيف أقتله، فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه.
وقيل أنه عندما صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون ، وبقي موسىٍ ، فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه فأمر الله الملائكة فحملوه حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات، فبرأه الله تعالى مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره أحد إلا الرخم فجعله الله أصم وأبكم.
وقيل أنه مات هارون قبل موت موسى عليه السلام في التيه، وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل، فقالوا: قتلته لحبنا إياه، وكان محببا في بني إسرائيل، فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه أن انطلق بهم إلى قبره فإني باعثه، فانطلق بهم إلى قبره ،فناداه موسى ، فخرج من قبره ينفض رأسه، فقال: أنا قتلتك؟ قال: لا ولكني مت، قال: فعد إلى مضجعك، وانصرفوا.