فى طريق النبوه ومع نبى الله يعقوب عليه السلام

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

هو نبى الله يعقوب بن اسحق بن ابراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح ، ويعقوب من أنبياء الله الصالحين ولا يجوز أن ينسب لهم الكذب أو الخداع أو الغدر والخيانة أو التدليس ولا يجوز انتقاصهم أو نسبة أي فعل شائن لهم ، وقد عصمهم الله من كبائر الذنوب، والصغائر التي تدل على خساسة الطبع، صيانة لعلو مكانتهم.

والنبي يعقوب عليه السلام ، هو ابن النبي اسحاق ابن النبي إبراهيم عليهم السلام، وهو أحد الأنبياء الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم، وهو أيضا أبو النبي يوسف عليه السلام، وقد ورد اسم النبي يعقوب عليه السلام في القرآن الكريم ست عشر مرة ، وقد كان ليعقوب عليه السلام ،اثنا عشر ابنا ذكرا، وبنت واحدة، وأبناؤه هم بنو إسرائيل .

إن يعقوب عليه الصلاة والسلام ولد في فلسطين أرض الكنعانيين وشب في كنف أبيه إسحاق، وقد أمرته أمه “رفقة” أن يسافر إلى خاله “لابان” الذي بأرض حران ليقيم عنده لأنها خافت عليه من أخيه العيص الذي توعده وهدده، فسافر يعقوب عليه السلام إلى خاله .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال: ” الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام “، فقد وصف صلى الله عليه وسلم النبي يعقوب بأنه الكريم ، وأدرجه في سلسلة آبائه الأنبياء الكرام إبراهيم وإسحاق عليهما السلام.

وقال الله عز وجل فى كتابه الكريم ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) سورة البقرة ، وقوله تعالى ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ) سورة البقرة ، وقوله عز وجل: ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ) سورة ص.

وقد أطلق القرآن الكريم على نبى الله يعقوب عليه السلام اسم إسرائيل، وجاء ذلك في موضعين: فى قوله تبارك وتعالى: ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ) سورة آل عمران ، وفى قوله عز وجل: ( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا ) سورة مريم ، ولفظ إسرائيل معناه هو صفوة الله، أو عبد الله.

ولقد قاسى نبى الله يعقوب عليه السلام ، من فقد يوسف كثيرا، ولكن ربما كان هو السبب لأنه قرب يوسف وأخاه بنيامين أكثر، مما جعل إخوته يفكرون في التخلص منه، وقبل أن يقدموا على فعلتهم رأى يوسف رؤيا فقال لأبيه: “يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”، عندئذ أحس يعقوب بخطورة الموقف فقال ليوسف: “يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين”.

وذهب الاخوة ونفذوا مؤامرتهم واتفقوا على أن الأسلوب الأمثل أن يوضع يوسف في الجب فلعل قافلة تلتقطه وتأخذه بعيدا عن عيونهم وعين أبيه، فاحتالوا على الأب المسكين وأخذوا يوسف بحجة انه سوف يخرج معهم للتنزه، فقال الأب: “إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون”.

وقد ذهبوا به ووقع ما توقعه يعقوب فألقوه في الجب وجاؤوا يبكون ويتصنعون بالدم الكذب وقالوا الذئب أكله ، ولم يصدقهم يعقوب وقال: “بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” وهذه الحادثة لم تمر على يعقوب بسلام، فحزن حزنا شديدا، وبكى حتى عميت عيناه واستسلم لقضاء الله عز وجل .

وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تخاطب ذرية إسرائيل عليه السلام، حيث ورد هذا الخطاب في نحو أربعين موضعاً في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى: ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ) البقرة .

والآيات التي ذكرها القرآن الكريم عن النبي يعقوب عليه السلام كلها تدل على أنه كان على ملة أبيه إبراهيم عليه السلام، وقد أوصى بنيه من بعده باتباع ملة أبية إبراهيم حنيفاً، وعدم الحيد عنها؛ لأنها هي ملة الإسلام لله وحده.

كما أخبرنا القرآن الكريم أن يعقوب عليه السلام كان من أهل العمل الصالح، والعلم النافع، والقوة في العبادة، والبصيرة النافذة ، وقد ذكر ابن كثير في كتاب البداية والنهاية ، قصة يعقوب مفصلة، وحاصل ما جاء فيها: إن إسحاق عليه السلام لما تزوج رُزق بولدين، أحدهما: سماه عيصو. والثاني: خرج وهو آخذ بعقب أخيه، فسموه يعقوب، وهو إسرائيل، الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل.

ثم إن يعقوب لما كبر قَدِمَ على خاله لابان في أرض حران، وكانت له ابنتان: اسم الكبرى ليا ، واسم الصغرى راحيل، وكانت أحسنهما، وأجملهما، فطلب يعقوب الزواج بالصغرى من خاله، فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة على خاله لابان صنع طعاماً، وجمع الناس عليه، وزف إليه ليلاً ابنته الكبرى ليا.

فلما أصبح يعقوب إذا هي ليا، فقال لخاله: لم غدرت بي؟! وأنت إنما خطبت إليك راحيل، فقال: إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فان أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وازوجكها، فعمل سبع سنين، وادخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغاً في ملتهم، ثم نُسخ في شريعة التوراة.

ثم إن راحيل دعت الله تعالى وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب، فسمع الله ندائها، وأجاب دعائها، فحملت من نبي الله يعقوب، فولدت له غلاماً عظيماً شريفاً حسناً جميلاً، سمته يوسف، كل هذا وهم مقيمون بأرض حران، وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى، فصار مدة مقامه عشرين سنة، فطلب يعقوب من خاله لابان أن يسرحه ليمر إلى أهله، فقال له خاله: إني قد بورك لي بسببك، فسلني من مالي ما شئت.

وأوحى الله تعالى إلى يعقوب عليه السلام أن يرجع إلى بلاد أبيه وقومه، ووعده بأن يكون معه، فعرض ذلك على أهله، فأجابوه مبادرين إلى طاعته، فحمل أهله وماله، وقفل قاصداً بلاده ، ثم مر يعقوب على أورشليم قرية شخيم، فنزل قبل القرية، واشترى مزرعة شخيم بن جمور بمائة نعجة، فضرب هنالك فسطاطه، وابتنى ثَمَّ مذبحاً، فسماه إيل إله إسرائيل، وأمر الله ببنائه ليستعلن له فيه، وهو بيت المقدس اليوم الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام.

وذكر أصحاب السير أن أولاد يعقوب عليه السلام الذكور كانوا اثني عشر رجلاً؛ فمن (ليا): روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وايساخر، وزايلون. ومن (راحيل): يوسف وبنيامين ، وجاء يعقوب إلى أبيه إسحاق فأقام عنده بقرية (حبرون) التي في أرض كنعان حيث كان يسكن إبراهيم عليه السلام، ثم مرض إسحاق ومات عن مائة وثمانين سنة، ودفنه ابناه العيص ويعقوب مع أبيه إبراهيم الخليل.

وقد قص علينا القرآن الكريم أن يعقوب وأولاده استدعاهم يوسف عليه السلام للحضور إلى مصر، فتركوا فلسطين، ولبوا دعوته، وحضروا إلى مصر، قال تعالى: ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ) سورة يوسف .

وذكر أهل السير أن يعقوب عندما دخل مصر كان عمره مائة وثلاثين سنة، وأقام بمصر سبع عشرة سنة ، ثم لحق بربه، وسنُّه مائة وسبعة وأربعون عاماً، فاستأذن يوسف عليه السلام ملك مصر في الخروج مع أبيه يعقوب ليدفنه عند أهله بفلسطين، فأذن له، وتم دفن يعقوب عليه السلام ببلدة (حبرون) المسماة بالخليل اليوم، بجوار جده إبراهيم وأبيه إسحاق عليهما السلام.

ودعا نبي الله يعقوب عليه السلام إلى دين الإسلام وإلى عبادة الله وحده وترك عبادة غير الله، وقد ابتلى الله نبيه يعقوب بالبلايا الكثيرة فصبر ونال الدرجات العالية، ومن جملة البلاء الذي ابتلي به عليه السلام أنه فقد بصره حزنًا على ولده يوسف الذي مكر به إخوته العشرة وهم من سوى بنيامين .

وقد جاء في القرءان الكريم أن سيدنا يعقوب عليه السلام أوصى أولاده وبنيه بما وصى به إبراهيم عليه السلام من اتباع دين الإسلام والثبات عليه حتى الممات قال تعالى: ( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) سورة البقرة .

وقال الله سبحانه وتعالى ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) سورة البقرة.

ثم رد الله تعالى له بصره بعد أن جاء البشير بقميص يوسف ووضعه على وجهه فعاد بصيرًا بعد طول غياب وشدة حزن وألم على فقد ابنه وحبيبه يوسف عليه الصلاة والسلام قال تعالى: ( فلمَّا أن جاءَ البشيرُ ألقاهُ على وجههِ فارتَدَّ بصيرًا ) سورة يوسف .

وقد اجتمع يعقوب بابنه يوسف عليهما السلام في مصر بعد طول غياب حيث مكث يوسف بعيدًا عن أبيه يعقوب ما يقارب الأربعين سنة.

وتوفي يعقوب عليه السلام وله من العمر ما يزيد على المائة، وكان ذلك بعد سبع عشرة سنة من اجتماعه بيوسف، وقد أوصى نبي الله يعقوب ابنه يوسف عليه السلام أن يدفنه مع أبيه إسحاق وجده إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ففعل ذلك، وسار به إلى فلسطين ودفنه في المغارة بحبرون وهي مدينة الخليل في فلسطين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *