فيضان النهضة المادية
بقلم / محمـــد الدكـــروي
إن الواقع الأليم والتيه الذي تحياه البشرية، لا يمكن الخلاص منه، والعالم يرفض الإسلام ويلتمس الشفاء من مواضع الداء، وإن دراسة العالم المعاصر تدلنا على أن فيضان النهضة المادية قد وصل إلى آخر مداه، وأنها غير قادرة على إعطاء السكينة لقلب الإنسان، وإن داء القلق وانعدام الثقة قد غزا الجيل الجديد في العالم كله، إن هذه الأحوال تتيح فرصة ذهبية لحاملي دين الفطرة لإرواء عطش العالم ولإظهار دين الله” فإن هويتنا الإسلامية هي التي جعلت عبدالملك بن مروان يأمر المنادي أن ينادي في موسم الحج أن لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح إمام أهل مكة وعالمها وفقيهها، ومن عطاء؟ كان مولى لبني فهر، وكان رضي الله عنه أسود، أعور، أفطس، أشلّ، أعرج، مفلفل الشعر، لا يتأمل المرء منه طائلا.
وكان إذا جلس في حلقته العلمية بين الآلاف من تلاميذه، بدا كأنه غراب أسود في حقل القطن، وأليست هي الهوية التي أعطت الفرصة لبلال الحبشي رضِي الله عنه أن يصعد فوق الكعبة ليؤذن، وبجوارها الكثير من أشراف العرب؟ فانظر إلى هذا المستوى من الإنسانية الذي تميزت به هويتنا الإسلامية، على خلاف ما يحدث بين أصحاب الهويات الأخرى في البلد الواحد، حتى إنك لتجد التفرقة العنصرية في أشد دول العالم الغربي مناداة بالحرية والمساواة، وبالطبع كان لهذه الخصيصة أعظم الأثر في إقبال الناس على الإسلام ودخولهم فيه، وإن الهوية الإسلامية هوية حيوية قادرة على إخضاع الهويات الأخرى، وتعتبر هذه من الخصائص التي تجعل أعداء الإسلام يخافون أشد الخوف من الهوية الإسلامية.
ولقد تحدث علماء الغرب عن حيوية الإسلام وقدرته على استيعاب أطوار الحياة، وقدرته كذلك على توليد أفكار جديدة، وقد يتساءل البعض، عما إذا كان نظام الإسلام يستطيع توليد أفكار جديدة، وإصدار أحكام مستقلة تتفق وما تتطلبه الحياة العصرية، فالجواب عن هذه المسألة هو أن في نظام الإسلام كل استعداد داخلي للنمو، بل إنه من حيث قابليته للتطور يفضل كثيرا من النظم المماثلة، والصعوبة لم تكن في انعدام وسائل النمو والنهضة في الشرع الإسلامي، وإنما في انعدام الميل إلى استخدامها، وأن بلا شك أن الشريعة الإسلامية تحتوي بوفرة على جميع المبادئ اللازمة للنهوض، وأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمتلك القدرة على استيعاب أطوار الحياة المختلفة في كل العصور.
ولم يقف عالم الإسلام صامتا، ولم يستسلم، بل واجه العداء بالمقاومة والوحدة والقتال، واستطاع أن يديل القوى الصليبية الشرسة، وأن يصهر القوى التتارية المغولية في بوتقته، حتى أصبحت هذه القوى التي جاءت تريد القضاء على الإسلام من أقوى وأضخم القوى التي حملت راية الإسلام فيما بعد حيث تحولوا إلى مسلمين مخلصين، ولقد أصبح هذا الحدث الضخم وهو هجوم التتار على بغداد أولا، ثم إسلامهم وحملهم راية الإسلام ثانيا من أقوى الأمثلة على قدرة الهوية الإسلامية على إخضاع الهويات الأخرى وصهرها لها، حتى وإن كان المسلمون في حالة ضعف وانهزام، ثم كان لظهور المماليك والعثمانيين، وحملهم راية الإسلام أعظم الأثر في كسر الغرور الصليبي، وبالأخص بعد فتح القسطنطينية على يد القائد الشاب محمد الفاتح، ولكن أنى للحقد الصليبي أن ينام أو يقر له قرار؟
اترك تعليقاً