” كريم يونس ” يعانق نسيم الحرية بعد 40 عاما في الاسر
متابعة – علاء حمدي
تنسم عميد الاسرى الفلسطينيين والعرب، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، المناضل كريم يونس (66 عاما)، فجر اليوم الخميس، الحرية، بعد اربعة عقود من الأسر في سجون الاحتلال الاسرائيلي.
وتعمدت سلطات الاحتلال الإفراج عن المناضل يونس فجرا وتركه وحيدا في مدينة رعنانا قرب تل أبيب، دون إبلاغ عائلته في محاولة لتنغيص فرحتهم وتخريب استقباله.
وكانت شرطة الاحتلال، قد اقتحمت الليلة الماضية، منزل عائلة الأسير كريم يونس في عارة داخل أراضي الـ48، واستولت على الأعلام الفلسطينية ورايات حركة “فتح”.
وأبلغت شرطة الاحتلال عائلة يونس بمنع رفع علم فلسطين ورايات “فتح”، والبوسترات التي عليها صور شعار العاصفة أو قبة الصخرة، وتشغيل الأغاني الوطنية الفلسطينية، كما استولت على كافة الأعلام والرايات من داخل الصوان الذي أقيم أمس بعد رفض الاحتلال استقبال كريم في صالة مغلقة.
كريم يونس أحد أبرز الثوار الفلسطينيين، الذين التحقوا بالمسيرة النّضالية، منذ ما قبل الانتفاضة الأولى عام 1987.
ولد يونس في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1958م، في بلدة عارة بأراضي عام 1948، وهو الابن الأكبر لعائلته.
درس في المدرسة الابتدائية الرسمية في مدرسة (عارة)، والمرحلة الإعدادية في (عرعرة)، والثانوية في (السالزيان) في مدينة الناصرة، والتحق بجامعة “بن غوريون” في بئر السبع لدراسة الهندسة الميكانيكية، وفي السنة الثانية من دراسته، ومن على مقاعد الدراسة اعتقل كريم في السادس من كانون الثاني/ يناير 1983، ولاحقًا جرى اعتقال ابن عمه ماهر يونس، إضافة إلى سامي يونس على خلفية مقاومة الاحتلال، وأفرج عن الأسير سامي في صفقة التبادل عام 2011، وكان في حينه أكبر الأسرى سنّا، وتوفي بعد أربع سنوات من تحرره.
تعرض كريم لتحقيق قاسٍ وطويل، وحكم عليه الاحتلال بالإعدام في بداية أسره، ولاحقا بالسّجن المؤبد (مدى الحياة)، وجرى تحديد المؤبد له لاحقا لمدة (40) عامًا.
وفي عام 2013، وفي ذكرى اعتقاله الـ30 توفي والده الحاج يونس يونس، وبقيت والدته الحاجة (صبحية) تنتظم في زيارته في معتقل “هداريم” الذي يقبع فيه حتّى اليوم.
وبعد 39 عامًا من الانتظار وفي تاريخ الخامس من أيار/ مايو 2022، رحلت والدته الحاجة صبحية يونس (أم كريم)، الأم الصابرة التي انتظرته بكل ما تملك من قوة، ورحلت دون أنّ تحتفي بحريته.
وفي أول رسالة له بعد وفاة والدته، قال: “أمي زارتني في السجن ما يقارب الـ700 زيارة، كانت تقاتل لتصلني إلى السجن، لم تكل رغم ما نثره المحتل من أشواكٍ في دربها”.
وأضاف: “برغم الألم والفقدان إلا أنني شعرت بسعادة وفخر عندما علمت أنَّ الحاجة لُفت بالعلم الفلسطيني الذي غُرز أيضًا على أرض مقبرة قرية عارة”.
على مدار 40 عامًا، بقي كريم الثائر المناضل الوفي لأبناء شعبه ورفاقه الأسرى، وكان مدرسة بالوحدة الوطنية، شارك على مدار أربعة عقود في كافة المعارك التي خاضتها الحركة الأسيرة، ومنها الإضراب عن الطعام الذي يعتبر أقسى هذه المعارك، وكان آخرها إضراب عام 2017 الذي استمر لمدة 42 يومًا.
وشكّل كريم بما يحمله من فكر نضاليّ، مدرسة للأجيال التي دخلت وخرجت من الأسر، وهو صامد وقوي وثابت على مبادئه الأولى، وبقي الثائر الفاعل، في كل جوانب الحياة الاعتقالية، وأكمل دراسته داخل الأسر، وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير.
الأسير يونس واحد من بين 25 أسيرًا تواصل سلطات الاحتلال اعتقالهم منذ ما قبل توقيع اتفاق أوسلو أي قبل عام 1993، ورفضت على مدار عقود أن تفرج عنهم، رغم مرور العديد من صفقات التبادل، والإفراجات وكان آخرها عام 2014، حيث كان من المقرر أن تفرج سلطات الاحتلال عن الدفعة الرابعة من القدامى، وكان عددهم في حينه (30) أسيرًا، إلا أنها تنكرت للاتفاق الذي تم في حينه في إطار مسار المفاوضات، إضافة إلى مجموعة من الأسرى الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم عام 2014، وهم من محرري صفقة 2011، أبرزهم نائل البرغوثي الذي دخل عامه الـ43 في سجون الاحتلال، وعلاء البازيان، وسامر المحروم، ونضال زلوم وآخرون.
وكتب الأسير كريم يونس، رسالة إلى رفاقه الأسرى قبل أيام من الإفراج عنه، قال فيها: “ها أنا أوشك أن أغادر زنزانتي المظلمة، التي تعلمتُ فيها ألا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ ألا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين اخوتي، اخوة القيد والمعاناة، اخوة جمعنا، قسمٌ واحد، وعهدٌ واحد”.
ويضيف: أُغادر زنزانتي، ولطالما تمنيتُ أن أغادرها منتزعًا حريتي برفقةِ اخوة الدّرب، ورفاق النّضال، متخيلًا استقبالا يعبر عن نصرٍ وانجازٍ كبيرين، لكنني أجد نفسي غير راغب، أحاول أن أتجنب آلام الفراق، ومعاناة لحظات الوداع لإخوة ظننتُ أني سأكمل العمرَ بصحبتهم، وهم حتما ثوابت في حياتي كالجبال، وكلما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبة وبالعجز، خصوصا حين أنظر في عيون أحدهم، وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود”.
وتابع: “سأترك زنزانتي، وأغادر لكن روحي باقية مع القابضين على الجمر المحافظين على جذوة النّضال الفلسطينيّ برمته، مع الذين لم ولن ينكسروا، لكن سنوات أعمارهم تنزلق من تحتهم، ومن فوقهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، وهم ما زالوا يطمحون بأن يروا شمس الحرّيّة لما تبقى من أعمارهم، وقبل أن تصاب رغبتهم بالحياة بالتكلفِ والانحدار…”.
اترك تعليقاً