كورونا وأخوات الرضاعة

بقلم – أحمد إبراهيم
قفزت مبلولةً من المطر على الرصيف بمطار أمستردام كما تقفز السمكة من البحر إلى اليابسة، ثم وقفت بجواري وهي لا تعرف “أنا أخوها بالرضاعة”!.
واصطفت لصيقةً، شعر كتفي الأيمن حرارة كتفها الأيسر من صقيع الشتاء الهولندي، وأنا الآخر كنت أرتجف أكثر منها بردًا ورعشةً بجسم نما وترعرع على حر ورطوبة الخليج، وكل منا ينتظر القطار.
بدت لي وكأنها” هولندية عشرينية شقراء” فسـألتها بهدوء “أتتحدثين الإنجليزية؟”، “نعم قليلًا ما” أجابت بهدوء وأدب، بل وبتواضع أكثر تصنعًا.
“هل أنت عربي؟” سألتني، فأجبتها” نعم”. “عندكم فلوس كثيرة؟!”.. لم أجبها. أنتم لا تسمحون للمرأة أن تمشي أمام الرجل، تلثمون وجهها ورأسها بقماش أسود، وتجبرونها على المشي خلف الرجل. هل هذا صحيح؟ سألتها: من أين لك هذا؟! أجابت: هذا في مذهبكم، قرأت عنكم الكثير!
فسألتها “افتراضا”: أيجيز مذهبك أن تتزوجيني، وأنا مسلمٌ عربي؟ أجابت نعم، بل وتوجد مئات الحالات الزوجية بمسلمي العرب موثقة بالقانون الهولندي.
“ولكنه لا يجوز في مذهبي” أجبتها، لأنك أختي بالرضاعة. سألتني بدهشة “وكيف ذلك؟!” ذلك لأني ارتضعت كثيرا من حليب” نيدو” الهولندي، وكذلك أنت من الطبيعي أكثر مني نفس اللبن، والمذهب الإسلامي يحرم الزواج بين أخوي رضاعة!
اندهشت، وكشفت عن نفسها لاإراديًا/: “رغم أصولنا يقال عنها من مسلمي لبنان “المهجرين” إذ ولا يزال بيننا من يصلي إلى القبلة، يصوم رمضان ويحتفظ بتراث وكتب إسلامية، وأسمع هذا الكلام لأول مرة في حياتي!
فقلت وكذلك انا المولود في قلب الجزيرة العربية “مهبط الوحي والتنزيل” لم أر فيها يومًا رجلًا يربط وجه امرأة ورأسها بالقماش الأسود، ثم يجرها كالعربة خلفه بالحبال “كما تزعمين!”
وصل القطار، فتبادلنا ابتسامة وداع بنفس الاحترام، واتجه كل منا ليختار مقعدًا داخل القطار الكهربائي السريع للجلوس.. ابتعدت قدر المستطاع عنها، عن “أختي بالرضاعة” لأنشغل بأمي “أم الدنيا” بالواي فاي، وعلى خبر طازج من القاهرة السباقة اللباقة أنها ستصدر “جواز سفر كورونا.”!
إطلالة هكذا جواز سفر من عاصمة أم الدنيا “القاهرة” لها أصداؤها في العواصم العربية كلها، لكن بسؤال: “وكيف تعبأ بيانات هذا الجواز؟” خاصةً خانات مكان الولادة بالجنس والجنسية؟!
فلو اتفق أهل الأرض على مكان الولادة “الصين” والجنسية أيضا “الصين”.. فماذا عن جنس “كورونا” أهو ذكر أم أنثى؟ وهل له أخوانٌ وأخوات بالرضاعة؟
أسئلةٌ كانت قد حيرتني على بوابة مطار أمستردام، وبينما بوابات مطارات الأقطار العربية وعددها 22 دولة قد تحيرنا أكثر بأطباع العرب الذكوري، إذ لم أر بوابة مطار عربي بلوحة” القادمات والمغادرات” وإنما “المغادرون دون تأنيث والقادمون دون التأنيث”.. والقهقرى هذا الذي اسمه “كورونا” إن دخل أقطارنا العربية عبر مطاراتها، فإنه لا يستطيع الدخول والمغادرة إلا بجواز سفر ذكوري “مستر كورونا/ السيد كورونا”!.
وصوت أخت له بالرضاعة الآن من الفلبين عبر “مانيلا تايمز” بان السم القاتل المميت لمستر كورونا في مهده قبل أن يولد هو “زيت جوز الهند”، إذ ودراسة الأخت شملت 63 مصابًا “كلهم ذكور” في منطقة سانتا روزا بإقليم لاغونا- الفلبين، تم إرضاع المصابين والمشتبهين بزيت جوز الهند، فتعافى متناول الزيت بسرعة مناعة ذاتية.. والسبب احتواء زيت جوز الهند على خصائص مناعة مضادة للفيروسات تقوم بمحاربتها والقضاء عليها قبل أن تولد “والله أعلم!”
ألا تستحق قطرات زيت جوز الهند في بطن المصاب الطاردة لكورونا من جسمه، لقب “أخت كورونا بالرضاعة”، تمنعه من البقاء في رحم الجسم الواحد، بحرمة الزواج الشرعي أو العرفي بين أخوي رضاعة؟!
وعلى الجانب الآخر من الوادي هناك دوى صوت الأم الرؤوم للشعب الألماني “المستشارة أنجيلا ميركل” متفائلة مستبشرة بموعد إلغاء قيود كورونا كاملةً بحلول نهاية شهر يونيو، ولكنها “رغم التفاؤل” متهيأة بقوة أكبر، تحسبًا لأزمات جديدة أكثر شراسةً.. إذ قالت ميركل يوم الأربعاء “2 يونيو/ 2021” أنها ستصمد بتلك الدرع الواقية لذلك المجهول النازي برمته، وبشكل إنساني لمراعاة المواطن قبل المشرع “طوبى لك يا شعب الألمان!”
أخوات كورونا بالرضاعة، لم تكن مخلوقات وهمية من كواكب أخرى، وإنما قصص حقيقية بالأشباح والأرواح في كل سكة وبيت على كوكب الأرض، وإليكم هذه القصة من البيئة كما حصلت حقيقية 100% ولكن بتحفظ على الأسماء الحقيقية، قصة الحاج “زيد” وأبنائه الخمسة أكبرهم “عبيد” فلنتفق على اسمه الافتراضي “زيد أبو عبيد.!”
كان “زيد بو عبيد” قد أكمل توا المفاجأة: بيته الجديد “بيت العائلة” لإهدائه إلى أبنائه الخمسة وزوجاتهم بالأحفاد والحفيدات.. فطلب من زوجته “أم عبيد” تحضير وليمة ضخمة بالذبائح والموائد والفواكه يوم الافتتاح والمفاجأة، فأحضرتها “أم عبيد” خير تحضير، وجاء “أبو عبيد” بعد صلاة العشاء ليجد الجهوزية بأكمل وجه على يد زوجته ولكنها حزينة نوعًا ما، سألها أين الأولاد يا أم عبيد؟ فقالت كلهم اعتذروا لظروفهم الوظيفية والعائلية!
تناول العجوز عشاءه مع شريكة حياته “أم عبيد” بمفردهما، ثم قاما بتوزيع الطعام على الجيران وبعد أسبوع صدمت الأم أولادها الخمسة بخبر صاعق: “أبوكم مصاب بكورونا ومعزول لمدة 14 يوما” وفي الأسبوع الثاني أصدمتهم مرةً أخرى “أبوكم دخل المرحلة الحرجة وبالمستشفى على الأكسجين، وبعده بيومين قالت لهم “الآن فقط يمكنكم رؤيته عن بعد خلف الزجاج” لكن الكل اعتذر مبررًا الخوف والحذر من مناطق الحجر النهائي بالمستشفيات، ثم وبعد يومين أبلغتهم الأم: “الوالد قد توفاه الله إلى رحمته الواسعة وطلب منكم الدعاء والمغفرة له ولا أعرف أين يتم دفنه في ظروف كورونا” فالكل دعا لروحه، ولا أحد سأل عن قبره!
وفي اليوم الثالث أرسلت أم عبيد للجميع رسالة نصية إن يحضروا البيت مع كاتب العدل من المحاكم لتوزيع الإرث حسب وصية الوالد، والكل وصل قبل الموعد ومعهم عائلاتهم وبعض الأواني بالتمر وشالات السود على أكتافهم للتعبير عن الحداد الشديد والحزن العميق!
وما إن اجتمعوا تفاجأ الجميع بشخص يراقبهم من الغرفة المجاورة، ولم يكن ذلك الشخص إلا الحاج “عبيد” نفسه أبوهم بكامل قواه حي يرزق، دخل عليهم برفسة الباب وبقوة زئير الأسد الجريح، وطلب بأدب واحترام من مندوب المحاكم أن يغادر الموقع، ثم طردهم جميعا، وباع البيت بالمزاد، ورجع إلى عزبته القديمة بالبادية التي كان بدأ منها حياته قبل ستين سنة مع “أم عبيد”، حيث اكتفى بمجاورة النوق والجمال والأغنام أبناءً له وأحفادا.. حقا إنه مر،ٌ لكنه من وقائع “كورونا واخواته الدخيلة!”
وبيئة كورونا وأخواته بالرضاعة مهما اتسعت رقعتها لن تبعدنا “بل يجب ألا تبعدنا” عن قبلة العرب “القاهرة” والتي مهما عانت من الجروح بالداخل، تبقى الملاذ الآمن لكل العرب من الخارج، فالبعض من جيلنا لم يتذوق الحربين العالمية الأولى والثانية، لكن الكثير منا شاهد شعلات الحربين الخليجية الأولى والثانية فوق الرؤوس لم تنطفأ دون القاهرة!
والأسطوانة ذاتها تكررت بأضواء القنابل والصواريخ على “غزة”، إذ ولولا الحصن المنيع عن بعد من القاهرة مرةً أخرى، لتعادلت إحصائيات مصابيها والمتوفين بها إلى الآن ضحايا كورونا وأخواته بالرضاعة وبالولادة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *