نسائم الإيمان ومع الخليفه أبو العباس السّفاح ( الجزء الأول )

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

أبو العباس عبد الله السفاح هو عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، ويلتقي بنسبه مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في عبد المطلب بن هاشم، وأمه هى ريطة الحارثية، وقد ولد سنة مائه وثمانيه من الهجره، وقيل أيضا سنة ولد سنة مائه وأربعه من الهجره، فى قرية الحميمة وهي قرية موجودة بالأردن حاليا ، في أيام حكم الأمويين للشام، وكان والده هو الإمام محمد بن علي المعروف بالسجّاد وهو غير الإمام علي بن الحسين، وقد نزل والده الحميمة انقطاعا عن الدنيا للعبادة، وفيها نزل ضيفا عليه أبو هاشم بن محمد بن الحنفية بن الإمام علي بن أبي طالب.

وكان راجعا من عند الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وتوفي لديه بعد أن نقل إليه أسرار الدعوة السرية آل البيت، وقد لقب نفسه بالسفاح حينما ركب منبر الكوفة قائلا: أنا سفاح بني أمية، وقد اشتهر السفاح بسرعته في سفك الدماء وأتبعه في ذلك عماله بالمشرق والمغرب وكان مع ذلك جوادا بالمال، وقيل أنه قد قضي في عهده على معظم بني أمية، سواء على يده أو على يد عمِّه سفاح دمشق عبد الله بن علي، وكان عهد بولاية عهده لأخيه أبو جعفر عبد الله الثاني، ولكنه اغتيل على يد أبو جعفر المنصور، وقد لقب بالسفاح لأنه بعد انهيار الخلافة الأموية ومبايعته كأول خليفة عباسي دعا كل أمراء بني أمية إلى قصره.

وأعطاهم الأمان ثم ذبحهم فلقب بالسفاح ولم ينجو منه سوى قلة أشهرهم عبد الرحمن الداخل الذي هرب إلى المغرب ومنها إلى الأندلس، وكان من كلامه إذا عظمت القدرة قلت الشهوة وقل تبرع إلا معه حق مضاع وقال: إن من أدنياء الناس ووضعائهم من عد البخل حزما والحلم ذلا وقال إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة والصبر حسن إلا على ما أوقع الدين وأوهن السلطان والأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة، وأبو العباس السفاح يرجع إليه الفضل في قيام الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية، وهو أول خليفة عباسي يتولى الحكم، حيث دام حكمه مدة أربع سنوات.

وذلك قبل أن يتولى أخوه الأكبر الخلافة عنه قام خلاله بالعديد من الأعمال، أبو العباس السّفاح قد تولى الخلافة العباسية قبل وفاته، في الأنبار، ليتولى أبو جعفر المنصور أخوه الأكبر الخلافة بعده، وهو ابن لمحمد بن علي السجاد، ويتشارك أبو العباس السّفاح والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في النسب في جده عبد المطلب، وكان والداه زاهدين في الدنيا مقبلان على الآخرة والعبادة، وكان ضيفا عند ابن الحنفية، وتلقى منه كل أسرار الدعوة الرية لآل البيت قبل أن يتوفى، لذلك فقد عرف أبو العباس وأبوه وجميع أخوته بأمر الدعوة السرية وبرحت جميع أسرارها وتطوراتها عندهم، لذلك فقد وقفوا بجانبها ودعموها.

وقد عملوا على إنجاحها، إلى حين وفاته، فأخذ زمام الأمور من بعد وخلفه إبراهيم الإمام ولكن الخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد اكتشف أمر الدعوة فقام بقتل إبراهيم الإمام، في حين هرب أبو العباس أبو جعفر منه وذهبا إلى الكوفة حيث استقرا هناك، وكان إبراهيم الإمام قبل مقتله قد أوكل أمر الدعوة والسير بها إلى أبو العباس وليس إلى أخيه الأكبر أبو جعفر، ويعود السبب في هذا لكون أبو العباس ولد لامرأة حرة هي ريطة الحارثية، في حين أن أبو جعفر المنصور كان من أم بربرية، وقد استطاع الخليفة العباسي أبو العباس السّفاح من الانتقال من الدعوة إلى الدولة في غضون أربعة أعوام فقط.

وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثياً ” وقال عبيد الله العيشي قال أبي: سمعت الأشياخ يقولون: والله لقد أفضت الخلافة إلى العباسيون وما في الأرض أحد أكثر قارئاً للقرآن ولا أفضل عابداً ولا ناسكا منهم، وقال الصولي: وكان السفاح أسخى الناس ما وعد عدة فأخرها عن وقتها ولا قام من مجلسه حتى يقضيه وقال له عبد الله بن حسن مرة سمعت بألف ألف درهم وما رأيتها قط فأمر بها فأحضرت وأمر بحملها معه إلى منزله.

وقد قيل أنه كان نقش خاتمه الله ثقة عبد الله وبه يؤمن وقل ما يروى له من الشعر.
وقد اضطلع محمد بن علي وأبناؤه بالدعوة السرية، ودعموها، وحين توفي محمد بن علي، تولى الدعوة من بعده إبراهيم الإمام بن محمد ، وكان ابن امرأة من حرائر العرب ، وكاد الأمر أن يتم لولا أن كشفه مروان بن محمد الخليفة الأموي الأخير فقتل الإمام ، وفر أبو العباس عبد الله السفاح وأخوه أبو جعفر المنصور إلى الكوفة ، وكان إبراهيم الإمام قد أوكل الأمر إلى أبو العباس من بعده مع أنه أصغر من أبو جعفر المنصور، إلا أنه ابن امرأة حرَة ، وهي ريطة بن عبيد الله بن أبي المدان الحارثي ، وأبو جعفر ابن أمة بربرية.

وقد بدأ محمد بن علي بتنظيم أمور الدعوة تنظيماً دقيقاً فلما توفى سنة مائه وخمسه وعشرين من الهجره، صار الأمر لولده إبراهيم الذي سُمي باسم إبراهيم الإمام، وقد عمل إبراهيم على دفع الدعوة قدما، واستغل أولاده ودعاته أحاديث نُسبت زوراً إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهى تشير إلى أن الخلافة ستؤول إليهم، إلا أن أمر تلك الدعوة انكشف، وسيق إبراهيم إلى حران عاصمة آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد حيث قضى هناك، وكان قد أوصى بالزعامة قبل رحيله إلى أخيه أبو العباس عبد الله السفاح وطلب من جميع أفراد أسرته وأتباعه السمع والطاعة أبو العباس.

وكما أوصاه أن ينتقل مع إخوته وأسرته إلى الكوفة التي كانت تُعد معقل الشيعة الحاقدين على بني أمية، وقد ارتحل أبو العباس مع أسرته وأقاربه إلى الكوفة، وكان أحد كبار دعاتهم، واسمه حفص بن سلمان المعروف باسم أبي سلمة الخلاّل، في استقبالهم، فأنزلهم عند أحد شيعتهم في الكوفة، وذلك عام مائه واثنين وثلاثين من الهجره، وعندما تتالت انتصارات أبي مسلم الخراساني على عمال الأمويين، خرج أبو العباس يوم الجمعة في الثالث عشر ربيع الأول وصلى بالناس في مسجد الكوفة، وقد ألقى خطاباً، أوضح فيه أحقية العباسيين بالخلافة، وافتخر بقرابته من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد أثنى على أهل الكوفة، وندد ببني أمية واغتصابهم للخلافة، وكان منهكاً وختم خطابه بقوله: أنا السفاح المبيح، والثائر المنيح، وقد أكسبه ذلك لقب السفاح، ثم جلس وأكمل عمه داود مابدأه السفاح من خطاب، وقد خرج أبو العباس إلى القصر طلباً للراحة، ثم توجه بعدئذ إلى معسكر أتباعه فى حمام أعين، وكان قد كلف أخاه أبا جعفر أخذ البيعة من الناس، كما أناب عنه عمه داود بن علي في الكوفة، وأسند أمر قتال مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، إلى عمه عبد الله بن علي، الذي التقى بخصمه في معركة بمنطقة الزاب الأعلى وانتصر عليه، وأخذ يلاحقه إلى عاصمته حران، فقنسرين، فحمص، فدمشق، فالفسطاط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *