نسائم الإيمان ومع الخليفه المعتمد بالله ( الجزء الثانى )

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع الخليفه المعتمد بالله، وقيل أنه كان من خيار خلفاء بني العباس ورجالهم، وكان شهما جلدا، موصوفا بالرجولة، وقد لقي الحروب، وعرف فضله، فقام بالأمر أحسن قيام، وهابه الناس، وكانت أيامه طيبة، كثيرة الأمن والرخاء، وقد أسقط المكوس، ونشر العدل، وكان يسمي السفاح الثاني، لأنه جدد ملك بني العباسي، وكان قد خلقَ وضعف، وكاد يزول، وكان في اضطراب منذ قُتل المتوكل، وقيل أنه في شهر رمضان من سنة مائتان وخمسه وخمسين من الهجره، قيل أنه قام دعي في آل علي لا يعرف له نسب ولا رحم، زعم أن اسمه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى .

بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فادعى أنه عباسي، ودعا الناس إلى طاعته، وقد ظهرت فتنته أولا بالبحرين، ثم تحول عنهم إلى البادية، ثم إلى البصرة سنة مائتان وأربعه وخمسين من الهجره، ثم مضى الدعيّ ومن اتبعه حتى وصل بغداد، فأقام بها عاما يستميل الناس سرا، ثم شخص إلى البصرة، ونزلوا بقصر قريب منها يعرف بقصر القرشي، وهناك استعان بالعبيد الذين كانوا يعملون بتلك النواحي في حمل السباخ وغيره لأهل البصرة، وهم كثيرو العدد يهمهم أن ينالوا الحرية ويخرجوا مما هم فيه فكيف لو وُعدوا مع الحرية بالسيادة على مالكي رقابهم؟

فأخذ هذا الدعيّ منهم غلاما اسمه ريحان بن صالح ووعده أن يكون قائدا، وأمره أن يحتال للعبيد الذين يعرفهم حتى يجيبوه إلى نحلته، ويتركوا سادتهم وأعمالهم فاجتمع إليه كثير منهم فخطب فيهم ومناهم، ووعدهم وحلف لهم الأيمان الغلاظ ألا يغدر بهم، والتفت الزنوج حوله وراقتهم دعوته، وكان كل جيش يبعث من قبل الخليفة يهزمه، ومضى يعيث في الأرض فسادا يحرق وينهب، واستفحل أمره، وعظم شره وخيف على الدولة منه فلم ير أبو أحمد الموفق إلا أن يحشد إليه الجموع ويتولى هو قيادتها بنفسه، واصطحب معه ابنه أبا العباس، وكان نائبه، وتطوع الناس لحرب هذا الدعي.

وقد كانت لأبي أحمد معه وقائع مذهلة وخطوب جسام استمرت أعواما، استعان فيها الموفق بربه ودعاه وناداه وتحمل الشدائد حتى أنه أصيب بسهم، فمرض منه أياما، واضطرب الناس أثناء فترة مرضه، ولكنه كان يحثهم على المواصلة حتى شفاه الله فأتم له النصر على عدوّه، وحملت إليه رأس الخبيث فلما تيقن منها خرّ لله ساجدا، وفرح المسلمون بذلك في المشارق والمغارب، وكان ذلك في صفر سنة سنة مائتان وسبعين من الهجره، فكانت أيام هذا الدعي من لحظة خروجه إلى مماته أربع عشرة سنة، وفي سنة مائتين وسبعين من الهجره، انبثق ببغداد في نهر عيسى بثق فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار.

وفيها نازلت الروم طرسوس في مائة ألف فكانت النصرة للمسلمين وغنموا ما لا يحصى وكان فتحا عظيما عديم المثل، وفيها ظهرت دعوة المهدي عبيد الله بن عبيد جد بني عبيد خلفاء المصريين الروافض في اليمن وأقام على ذلك إلى سنة مائتان وثمان وسبعين فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كتامة فأعجبهم حاله فصحبهم إلى مصر ورأى منهم طاعة وقوة فصحبهم إلى المغرب فكان ذلك أول شأن المهدي، وفي سنة مائتين وواحد وسبعين من الهجره، وقال الصولي: ولي هارون بن إبراهيم الهاشمي الحسبة فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس فتعاملوا بها على كره ثم تركوها.

وفي سنة مائتين وثمانيه وسبعين من الهجره،غار نيل مصر فلم يبق منه شيء وغلت الأسعار وفيها مات الموفق واستراح منه المعتمد، وفيها ظهرت القرامطة بالكوفة وهم نوع من الملاحدة يدعون أنه لا غسل من الجنابة وأن الخمر حلال ويزيدون في آذانهم وأن محمد بن الحنفية رسول الله وأن الصوم في السنة يومان يوم النيروز ويوم المهرجان وأن الحج والقبلة إلى بيت المقدس وأشياء أخرى ونفق قولهم على الجهال وأهل البر وتعب الناس بهم، وفي سنة مائتين وتسعه وسبعين من الهجره، ضعف أمر المعتمد جدا لتمكن أبي العباس بن الموفق من الأمور وطاعة الجيش له.

فجلس المعتمد مجلسا عاما وأشهد فيه على نفسه أنه خلع ولده المفوض من ولاية العهد وبايع لأبي العباس ولقبه المعتضد وأمر المعتضد في هذه السنة أن لا يقعد في الطريق منجم ولا قصاص واستحلف الوراقين أن لا يبيعوا كتب الفلاسفة والجدل، وفي هذا العهد، قامت الدولة الطولونية بمصر سنة مائتان وثمانيه وخمسين من الهجره، واستمرت حتى سنة مائتان واثنين وتسعين من الهجره، وكان مؤسسها هو أحمد بن طولون وكان مملوكا تركيا، وكما قامت في هذا العهد الدولة السامانية سنة مائتان وواحد وستين من الهجره، ببلاد ما وراء النهر واستمرت حتى سنة ثلاثة مائه وتسعه وثمانين من الهجره.

أي دامت قرابة مائة وسبعين سنة، وقامت على أيدي آل سبكتكين من جهة، والترك الخاقانية من جهة أخرى، وفي عهده ظهر القرامطة بثلاثة مواضع بالبحرين والعراق والشام، وكذلك كان يشتغل دعاة الفاطميين باليمن وإفريقية، فكأن الدعوة الإسماعيلية رتبت أن يكون ظهورها في آن واحد بجميع الجهات الإسلامية حتى لا يكون لبني العباس قِبَل بملاقاة شرها وكذلك كان. ثم توفي المعتمد، وكان ممن مات في أيامه من الأعلام، هم البخاري و مسلم وأبو داود و الترمذي وابن ماجه و الربيع الجيزي والربيع المرادي و المزني و يونس بن عبد الأعلى والزبير بن بكار وأبو الفضل الرياشي.

ومحمد بن يحيى الذهلي وحجاج بن يوسف الشاعر والعجلي الحافظ وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وابن دارة وبقي بن مخلد وابن قتيبة وأبو حاتم الرازي وآخرون، وتوفي المعتمد بالله ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب سنة مائتان وتسعه وسبعين من الهجره، فحمل ودفن بسامراء، فقيل إنه سم وقيل بل نام فغم في بساط وكانت خلافته ثلاثة وعشرين سنة وتولى من بعده الخلافة المعتضد بالله لقد أصاب المؤرخين في تسمية عصر المعتمد بالله بصحوة الخلافة العباسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *