نسائم الإيمان ومع السيده أم سلمه
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
السيدة أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها من أمهات المؤمنين ، فهى هند بنت أبي أمية واسمه حذيفة، وقيل سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية
وهى من السابقين إلى الإسلام، هاجرت مع زوجها أبي سلمة رضي الله عنهما إلى الحبشة
وقيل: إنها أول امرأة هاجرت إلى المدينة ، وهى أم سلمة أم المؤمنين ، السيدة المحجبة ، الطاهرة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ، المخزومية ، بنت عم خالد بن الوليد ، سيف الله ، وبنت عم أبي جهل بن هشام .
وهى من المهاجرات الأول ، وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أخيه من الرضاعة : أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، الرجل الصالح ، دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة أربع من الهجرة ، وكانت من أجمل النساء وأشرفهن نسبا ، وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين .
ولقد عمرت حتى بلغها مقتل الحسين ، الشهيد ، فوجمت لذلك ، وغشي عليها ، وحزنت عليه كثيرا ، ولم تلبث بعده إلا يسيرا ، وانتقلت إلى الله الرفيق الأعلى ، ولها أولاد صحابيون : عمر ، وسلمة ، وزينب ، ولها جملة أحاديث .
ولقد تزوَّجت أمُّ سلمة من ابن عمِّها أبو سلمة ، وهو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن مخزوم القرشي، وهو من الصحابة الأجلاء الذين أبلَوْا في الإسلام بلاءً حسنًا، وهو ابن عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأُمُّه بَرَّة بنت عبد المطلب، وهاجرت السيدة أمُّ سلمة مع زوجها رضي الله عنهما إلى الحبشة .
فعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: ” لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جوار، وأَمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله لا نُؤذى، فلمَّا بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي هدايا، فجمعوا أدمًا كثيرًا ” وهذا الحديث يدلِّل على هجرة أمِّ سلمة وأبي سلمة للحبشة.
ولمَّا أَذِن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وقعت قصة عظيمة للسيدة أمِّ سلمة رضي الله عنها- تتجسَّد فيها أسمى معاني التضحية والصبر لله تعالى ، حيث كان أبو سلمة أوَّل من هاجر إلى المدينة من أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، من بني مخزوم .
وهاجر قبل بيعة أصحاب العقبة بسَنَةٍ، وكان قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرًا، وقد عانت السيدة أمُّ سلمة رضي الله عنها ألمًا شديدًا، في هذه الهجرة.
ولقد عاشت نحوا من تسعين سنة ، وأبوها هو زاد الراكب أحد الأجواد وقيل اسمه حذيفة ، وكان رجال بنو المغيرة قد فرَّقوا بينها وبين زوجها أبي سلمة وابنها ، حيث أخذه بنو عبد الأسد، وحبسوها حتى رَقَّ لها واحد من بني عمومتها بعد حوالي سنة، فقال لبني المغيرة: “ألا تخرجون من هذه المسكينة؟ (أي تدعوها وما تريد) فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها”. فقالوا لها: “الحقي بزوجك إن شئت”.
قالت: فارتحلتُ بعيري، ثم أخذتُ ابني فوضعته في حجري، ثم خرجتُ أريد زوجي بالمدينة ، قالت: وما معي أحد من خلق الله. قالت: فقلتُ: أتبلَّغ بمن لقيتُ حتى أقدَم على زوجي ، حتى إذا كنتُ بالتنعيم لقيتُ عثمان بن طلحة ، أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلتُ: أريد زوجي بالمدينة. قال: أَوَمَا معكِ أحد؟ قالت: فقلتُ: لا والله إلاَّ الله وبُنَيَّ هذا.
قال: والله ما لك مِن مترك. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قطُّ، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأْخَر عنِّي، حتى إذا نزلتُ استأخر ببعيري، فحطَّ عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى وقال: اركبي ، فإذا ركبتُ واستويتُ على بعيري ، أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي .
فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلمَّا نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُبَاء، قال: زوجك في هذه القرية ، وكان أبو سلمة بها نازلاً ، فادخليها على بركة الله.
ثم انصرف راجعًا إلى مكة ، فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قطُّ كان أكرم من عثمان بن طلحة .
وقد شهِد أبو سلمة ، بدرًا، وجُرح بأُحُد جرحًا اندمل ثم انتُقِضَ، فمات منه في جُمَادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة ، وعن أمِّ سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً سُرِرْتُ به.
قال: ” ما من عبد مسلم تصيبه مصيبة فيقول: ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها ” فقالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه.
وبعد وفاة أبي سلمة ، وانقضاء عِدَّة أمِّ سلمة ، خطبها أبو بكر فرَدَّتْه، ثم خطبها عمر فرَدَّتْه، ثم استأذن عليها الرسول ، فوافقت على الزواج من النبي بعد أن زوَّجها ابنها، وشهد عقدها رجال من صحابة النبي ، فكان صداقها رضي الله عنها كصداق عائشة: صحفة كثيفة، وفراش حشوه ليف، ورَحَى، ودخل بها النبي سنة أربع من الهجرة .
فتقول السيده أم سلمه عندما مات أبو سلمة استرجعتُ، وقلتُ: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها ، ثم رجعتُ إلى نفسي فقلتُ: مِن أين لي خيرٌ من أبي سلمة؟ فلمَّا انقضَتْ عدَّتي استأذن عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابًا لي، فغسلتُ يدي من القرظ .
وأذنتُ له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلمَّا فرغ من مقالته قلتُ: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة فيَّ، ولكني امرأة بي غَيرة شديدة، فأخاف أن ترى منِّي شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلتُ في السن وأنا ذات عيال.
فقال: “أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ مِنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي” فقالت: فقد سَلَّمْتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت أمُّ سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه رسولَ الله .
فكانت لفتة حانية وتكريمًا رفيعًا من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، أن تزوَّج أمَّ سلمة رضي الله عنها ، فقد غدت بعد وفاة زوجها ، المجاهد أبي سلمة ، من غير زوج يعيلها، أو أحد يكفلها، رغم ما بذلت هي وزوجها من جهد لهذه الدعوة المباركة، وهي مع ذلك كان لها من الأيتام أربعة، فكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو الزوج لها والكفيل لأبنائها.
وقد كانت رضي الله عنها تختلف عن باقي نساء النبي ، فقد انتُزع من صدرها الغَيرة ، حيث اعترفتْ للنبي بغَيرتها، وذلك عند خطبته لها، فدعا لها النبي بذهاب الغَيرة من نفسها، وكانت رضي الله عنها ، من أجمل نسائه باعتراف أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث تقول عائشة رضي الله عنها:
وكانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع، والعقل البالغ، والرأي الصَّائب، وإشارتها على النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها” وذلك أنه بعد توقيع الصلح بين الرسول والمشركين، وكان في نفوس الصحابة شيء منه بسبب عودتهم من مكة دون فتح .
فعندما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ، انْحَرُوا وَاحْلِقُوا ” فما قام أحدٌ، ثم عاد بمثلها، فما قام رجلٌ، حتى عاد بمثلها، فما قام رجلٌ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل على أم سلمة، فقال: ” يَا أُمَّ سَلَمَةَ، مَا شَأْنُ النَّاسِ؟
قالت: يا رسول الله، قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلِّمنَّ منهم إنسانًا، واعمِدْ إلى هَدْيِك حيث كان فانحره، واحلق، فلو قد فعلتَ ذلك فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكلِّم أحدًا حتى أتى هديَه فنحرَه، ثم جلس، فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون، حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق، فنزلت سورة الفتح. رواه أحمد.
وعن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ سورة الأحزاب ، في بيت أم سلمة، فدعا فاطمةَ وحسنًا وحُسيْنًا فجلَّلَهم كساءً، وعليٌّ خلف ظهره فجلَّله بكساءٍ .
ثم قال: ” اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا “، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: ” أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ، وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ ” رواه الترمذي.
ولقد كانت السيدة أم سلمة رضي الله عنها سببًا في نزول آيةٍ عظيمةٍ في القرآن الكريم ، فعن عبد الرحمن بن شيبة، قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول: قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟ قالت: فلم يرعني ذات يوم ظهرًا إلا نداؤه على المنبر وأنا أسرِّح رأسي، فلففت شعرِي، ثم خرجتُ إلى حجرةٍ من حجرهنَّ، فجعلت سمعي عند الجريد .
فإذا هو يقول على المنبر: ” يا أيها الناس، إن الله يقول في كتابه: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾
سورة الأحزاب.
وقد كانت للسيدة أم سلمة رضي الله عنها مكانتها عند النبي ، فعن زينب ابنة أمِّ سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أمِّ سلمة رضي الله عنها فجعل حَسَنًا في شقٍّ ، وحُسَيْنًا في شقٍّ، وفاطمة في حجره، وقال: “رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”.
وأنا وأمُّ سلمة رضي الله عنها جالستان، فبكت أمُّ سلمة رضي الله عنها فنظر إليها رسول الله ، وقال: “مَا يُبْكِيكِ؟” قالت: يا رسول الله، خصصتهم وتركتني وابنتي. قال: “أَنْتِ وَابْنَتُكِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ” .
ولمَّا كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يدخل على نسائه كان يبتدئ بأمِّ سلمة رضي الله عنها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا صلَّى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، يبدأ بأمِّ سلمة رضي الله عنها لأنها أكبرهن، وكان يختم بي .
وبعد وفاة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم شاركت أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها في أحداث عصرها ، فقد دخلتْ ذاتَ يوم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان قائلة له: “ما لي أرى رعيَّتك عنك نافرين، ومن جناحك ناقرين، لا تُعَفِّ طريقًا كان رسول الله لَحَبَهَا .
ولا تقتدح بزند كان أكباه ، وتوخَّ حيث توخَّى صاحباك أبو بكر وعمر فإنهما ثَكَمَا الأمر ثَكْمًا ولم يظلمَا، هذا حقُّ أمومتي أَقْضِيه إليك، وإن عليك حقَّ الطاعة ، فقال عثمان : أمَّا بعد، فقد قلتِ فوعيتُ، وأوصيتِ فقبلتُ .
وقد توفيت أم المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها في ولاية يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين للهجرة كما ذكر ابن حبان، وقد تجاوزت الرابعة والثمانين من عمرها، وقيل: عُمِّرت تسعين سنة رضي الله عنها .