نسائم الإيمان ومع حادثة البرامكه ( الجزء الأول )

إعداد / محمــــد الدكـــرورى

فى قصة البرامكه، يروي خادم الخليفة هارون الرشيد ، أن الخليفة قد أرسله ثلاث مرات متتالية من أجل أن يقتل جعفر بن يحي البرمكي ، ويأتيه برأسه فكان الخادم كلما ذهب إليه ، عاد خاوي اليدين ؛ فكان البرمكي يقنعه بأن الرشيد قد أمره بما أمره به وهو سكران ولا يعي ما يقول ، حتى فاض بالرشيد فوبخ الخادم ونهره وقال له لئن لم تأتيني برأسه ، لأرسل لك من يأتيني برأسك ، فما كان منه سوى أن ذهب إلى البرمكي وعاد برأسه كما أمره الرشيد، ويُروى أن الرشيد كان قد أمر بقتل يحي البرمكي وجميع ولده.

فقام بحبسهم وأخذ أموالهم وضياعهم، وعقب أن أتاه خادمه برأس جعفر، قام بوضع الرأس على الجسر الأوسط ، ثم قام بتقطيع الجثة إلى أشلاء ووضعها على الجسرين الأعلى والأسفل ، وكان جعفر قد قُتل عن عمر يناهز سبع وثلاثون عامًا ، في أول ليلة من شهر صفر لعام مائة وسبع وثمانين، وقد نكل بهم الرشيد تنكيلاً قاسيًا ، فنفي منهم من نفى وقتل من قتل ، وألبس الباقون ثوب الخوف والجوع ، في قصص مروعة شهد عليها التاريخ، ويقال أن أصول البرامكة تعود إلى المجوس أي الأفغان حاليا.

وهم أهل شرف ينتسبون إلى ملوك الطوائف ذوي القدر العظيم ، وكانوا يعبدون الأصنام ، حتى سمعوا بالكعبة وشعائر الطواف حولها ، وحال من يزورونها فقاموا بعمل معبد النوبهار الذي يضاهي قدسية الكعبة ، فنصبوا حولها الأصنام وعبدوها، ومع بدايات دخول العهد الإسلامي ، خاصة في فترة ولاية الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، إبان فترة دخول العرب إلى خراسان ، حيث أسلم من خرسان من أسلم واعتنق الدين عن اقتناع ، فأدى هذا إلى شهرتهم إبان العصر الأموي ، وبلغوا مكانة قوية في العصر العباسي.

وخاصة في عهد هارون الرشيد، والبرامكة هى أسرة يعود أصلُها إلى مدينة بلخ، وكانوا في الأصل مجوسًا ثم دخلوا الإسلام، وهم ينتسبون إلى جدهم الأكبر برمك، الذي كان سادنا في أحد معابد المجوس ويسمى معبد النوبهار، وهو أحد أشهر المعابد في مدينة بلخ في بلاد فارس، وكان برمك جد البرامكة من كبار سدنة المعبد وتبعه في ذلك بنوه من بعده، وقد أسلم من ذريّته من أسلم، وهُم من الذين تزعموا الحراك العباسي في خراسان، حيث كان خالد بن برمك من كبار الدُعاة إلى الخلافة العباسية في بلاده.

وقد اصطفاه الخليفة العباسي أبو العباس السفاح ليكون وزيرا له، وكانت أسرة البرامكة غرة على جبين الدولة العباسية، لما كان لها من المآثر والفضائل والسخاء الشديد، والأعمال العظيمة في الدولة وخاصة أيام هارون الرشيد، فيحيى بن خالد البرمكي كان مسؤولًا عن تربية الرشيد، وزوجته ومرضعته، وقد حافظ لهارون على ولاية العهد عندما هم موسى الهادي بخلع أخيه الرشيد، وهو الذي قام على أمر وزارة الرشيد حتى فوض له هذا الأخير كل الأمور، وأما ابنه الأول الفضل البرمكي فكان أخا الرشيد في الرضاعة .

وهو المسؤول عن تربية الأمين بن هارون الرشيد، واستطاع أن يقضي على فتنة يحيى بن عبد الله في بلاد الديلم، ووَلِي خراسان وغيرها، واتخذ من جندها جيشا كبيرًا تعداده خمسين ألف جندي، وجعل ولاءهم له مباشرة، وسماهم العباسية، أما جعفر بن يحيى البرمكي فهو نديم الرشيد وخليله في المجالس، فقد قضى على العصبية القبلية في الشام سنة مائه وثمانين من الهجره، ثم جعل له الرشيد ولاية خراسان والشام ومصر، وجعله مسؤولاً عن تربية ابنه المأمون، وأما موسى، الابن الثالث ليحيى البرمكي.

فكان قائدًا عسكريًا كبيرًا، وتولى أمر الشام سنة مائه وسته وثمانين من الهجره، وفي حين أن محمد الابن الرابع لم يكن له ذكر معلوم في التاريخ، ودوره في فترة وزارة البرامكة يحيطه الغموض، وقد استمر البرامكة في وجودهم في مركز صناعة القرار حتى كانت نهايتهم في عهد الخليفة هارون الرشيد الذي قضى عليهم في حدث تاريخي يُسمى نكبة البرامكة، حيث اختلف المؤرخون فيما بينهم في السبب الذي دفع الرشيد إلى التخلص منهم على الرغم من أعمالهم العظيمة.

وقد انتهت النكبة بقتل جعفر بن يحيى وسجن البرامكة عام مائه وسبعه وثمانين من الهجره، وقد ذُكر في أصل البرامكة عدة أقوال، منها أن أصل البرامكة كانت من بيوتات بلخ، وكان جدهم برمك من مجوس بلخ وهو من بلدات أفغانستان الآن، وكان يخدم النوبهار، واشترك برمك وبنوه بسدانته، وكان برمك عظيم المقدار عندهم، والنوبهار كان معبداً للمجوس بمدينة بلخ، توقد فيه النيران، وروى أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي أن النوبهار بناه منوشهر بمدينة بلخ من خرسان على اسم القمر.

وكان من يلي سدانته تعظمه الملوك في ذلك الصقع، وتنقاد لأمره وترجع إلى حكمه، وتحمل إليه الأموال، وكان الموكل بسدانته يدعى البرمك، وهذه سمة عامة لكل من ولي سدانته، ومن أجل ذلك سمي البرامكة بهذا الاسم، لأن خالد بن برمك كان من ولد من كان على هذا البيت، وكان بنيان البيت من أعلى البنيان تشييدًا، وكانت تنصب على أعلاه الرماح عليها شقاق الحرير الخضر، طول الشقة مئة ذراع فما دون، في حين يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان أن البرامكة أهل شرف على وجه الدهر في بلخ مثلهم مثل ملوك الطوائف في الأندلس، وكان دينهم عبادة الأوثان، فوصفت لهم مكة وحال الكعبة بها.

وما كانت قريش ومن والاها من العرب يأتون إليها ويعظمونها، فاتخذوا بيت النوبهار مضاهاة لبيت الله الحرام، ونصبوا حوله الأصنام، وزينوه بالديباج والحرير، وعلقوا عليه الجواهر النفيسة، وكانت الفرس تعظمه وتحج إليه وتهدي له، وتلبسه أنواع الثياب، وتنصب على أعلى قبته الأعلام، وكانوا يسمون قبته الأوستن، وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك، لتشبيههم البيت بمكة يسمون سادنه برمكه، فكان كل من ولي منهم السدانة سُمي برمكًا، وكان ملوك الهند والصين وكابل وغيرهم من الملوك تدين بذلك الدين.

وتحج إلى هذا البيت، وكانت سنتهم إذا وافوه أن يسجدوا للصنم الأكبر ويقبلوا يد برمك، وجعلوا للبرمك ما حول النوبهار من الأراضين سبعة فراسخ، فلم يزل برمك يلي النوبهار بعد برمك إلى أن افتتحت خراسان أيام خلافة عثمان بن عفان، وانتهت السدانة إلى برمك، فسار إلى عثمان مع رهائن، ثم رغب في الإسلام، فأسلم وسمي عبد الله، ورجع إلى أهله وولده وبلده، فأنكروا إسلامه، فأجابهم برمك: إني إنما دخلت في هذا الدين اختيارًا وعلمًا بفضله من غير رهبة، ولم أكن لأرجع إلى دين بادي العوار مهتك الأستار.

فغضب عليه أحد الملوك اسمه نيزك طرخان، وزحف إليه في جمع كثير، فكتب إليه برمك: قد عرفت حبي للسلامة، وإني قد استنجدت الملوك فأنجدني، فاصرف عني أعنة خيلك، وإلا حملتني لقاءك، فانصرف عنه، ثم استغره وبيته فقتله وعشرين من بنيه، فلم يبقَ له سوى طفل وهو برمك أبو خالد، فإن أمه هربت به إلى أرض القشمر من بلاد الهند، فنشأ هناك وتعلم علم الطب والنجوم وهو على دين آبائه، ثم إن أهل بلاده أصابهم الطاعون، فكتبوا إلى برمك حتى قدم إليهم، فأجلسوه في مكان آبائه وتولى النوبهار.

ثم تزوج برمك بنت ملك الصغانيان، فولدت له الحسن وبه يكنى، ويقول الحموي: كان برمك يعكر النوبهار ويقول به، وهو اسم لبيت النار الذي ببلخ يعظم قدره بذلك، فصار ابنه خالد بن برمك بعده، وقد اختلف في معبد النوبهار فقيل أن النوبهار بيت من بيوت النار، وقيل أنه أحد بيوت الأصنام، وقيل أن النوبهار بيت من بيوت الأصنام والنار في آن واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *