نسائم الإيمان ومع سفانة بنت حاتم الطائى

إعداد محمـــد الدكـــرورى

سفانة بنت حاتم الطائي هي صحابية جليلة، وهى من أجود نساء العرب، ومن فواضل النساء، وذات رأي قوي حكيم، وهى نموذج من الفصاحة والبلاغة ومكارم الأخلاق، وكان أبوها ملك في قومه، وهو أبرز شعراء العرب، وكانت تفاخر الناس بكرمه وجوده، وكان أخوها عدي ورث الملك عن أبيه، وقد فرّ إلى الشام بعد هزيمة قبائل بني طيء، وطيء هى قبيلة سكنت شمال الجزيرة العربية، وتحديدًا في بلاد الجبلين وهما أجا وسلمى، وللطائيين تواجد خلال الفتوحات الإسلامية في كل من العراق وسوريا وبيزنطة وبلاد فارس، وقد بدأت هجراتهم إلى سوريا والعراق قبل ظهور الإسلام وتواصلت بعده.

وبهذا فهم يعدون مكونا أساسيا من مكونات المنطقتين القديمة، حيث كان جزء من قبيلة طيء يعتنق المسيحية النصرانية القديمة والمختلفة عن المسيحية المعروفة اليوم، وهاجر أفراد منها إلى أنطاكية ومنها تفرقوا شمالا وغربا وهي رهط الفارس وجواد العرب حاتم الطائي، وتنتشر قبيلة طيء في الجزء الشمالي من الجزيرة الفراتية من محافظة الحسكة السورية إلى حدود أراضي محافظة نينوى الشرقية، وهي إحدى كبرى قبائل الموصل، وقد أطلق الفرس الساسانيون كلمة ” تاي طاي ” على العرب كافة قبل الإسلام نسبة لعشيرة الطائي المنتشرة في بلاد الرافدين.

فكان أبوها هو حاتم الطائي شاعر جاهلي اشتهر بالكرم والجود، حتى أصبح اسمه مضرب الأمثال فيقال أجود من حاتم، وهو أمير قبيلة طيء وقد اشتهر بكرمه واشعاره وجوده ويقال انه أكرم العرب ، وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن آل فاضل بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم هزومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء الطائي، ويكنى أبا سفانة وأبا عدي، وأمه عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم، وكانت ذات يسر وسخاء، حجز عليها إخوتها ومنعوها مالها خوفا من التبذير، وقد نشأ ابنها حاتم على غرارها بالجود والكرم، ويعتبر أشهر العرب بالكرم والشهامة.

ويعد أبوها حاتم مضرب المثل في الجود والكرم، وكانت سفانة من بين الأسري الذين أسرهم علي بن ابي طالب كرَّم الله وجهه في سرية طيئ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة في سبايا من طيئ، فحبسها أياما ثم من عليها بالسلم، وأعطاها نفقة وكسوة وردها إلى مأمنها، وأشارت إلى أخيها عدي بن حاتم بالقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت سببا في إسلامه، وكانت أمها هى النوار بنت ثرملة البخترية من بني سلامان بن ثعل، وهي من النساء الشريفات وتعود أصولها إلى اليمن وعاشت في الحيرة، وفي ربيع الآخر من السنة التاسعة من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إلى طيء علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه ومعه مائة وخمسون رجلاً من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء ولواء أبيض لهدم الفلس وهو أسم صنم لطئ، فلما سمع عدي بن حاتم، وكان ملكاً على قومه ومن أشد الناس عداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بحركة السرية أخذ أهله، وانتقل إِلَى الجزيرة، وقيل إِلَى الشام، وترك أخته سفانة بنت حاتم، وقد وصلت السرية احياء العرب فغارت علي موقع الصنم فجراً فهدموه وخربوه وغنم علي كرَّم الله وجهه،غنائم وسبى سبايا، وأخذ علي أسارى، وعاد بهم إلى عاصمة الإسلام، إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان فيمن سبي سفّانة بنت حاتم الجواد أخت عدي بن حاتم، فأطلقها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك سبب إسلام أخيها عدي، وقد قيل أنه وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى طيء فريقاً من جنده يقدمهم علىّ بن أبى طالب، فصبح على القوم، واستاق خيلهم ونَعَمهم ورجالهم ونساءهم إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع سبي طيئ في حظيرة بباب المسجد، وكانت سفانة بنت حاتم الطائي من ضمن السبي، وقد تميزت بالثقة والعزة، وجيء بها إلى المدينة مع السبايا اللاتي أسرهن المسلمون بعد غزوهم لقبيلتها، وكانت سفانة إلى جانب الإحسان وجود اليد، فصيحة اللسان إذا تكلمت أعجبت.

وإن استرسلت أدهشت، قوية الشخصية، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقامت إليه وكانت امرأة جزلة فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي من الله عليك قال: ” من وافدك؟ ” قالت: عدي بن حاتم، قال: ” الفار من الله ورسوله؟ ” قالت : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني، ومضى حتى مرّ ثلاث، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه، ويقال أنه على بن أبى طالب رضى الله عنه، من قال لها ذلك، فقمت فقلت: يا رسول الله، : لا تُشمِّت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي، كان أبي يفك الأسير ويحمي الضعيف، ويَقْرِي الضيف، ويشبع الجائع.

ويفرّج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم الطائي، أوليس الذي يتصف بتلك الخلال جديراً بأن يشفع في نفسه، ويشفع للآخرين بسجاياه؟، فرد صلى الله عليه وسلم: يا جارية، هذه صفة المؤمن، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، ثم قال لأصحابه: خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، أطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها، ثم قال: ارحموا ثلاثاً وحق لهم أن يُرحموا، عزيزاً ذلّ من بعد عزّهِ، وغنياً أفتقر من بعد غناه، وعالماً ضاع ما بين جُهّال، ثم قال لها: لا تعجلي حتى تجدي ثقة يبلغك بلادك، ثم آذنيني، رأت في النبي صلى الله عليه وسلم، جودا لا كالجود.

وكرماً فاق كرم أبيها، محباً للفقير، يفك الأسير، ويرحم الصغير، ويعرف قدر الكبير، فأيقنت أن هذا الخُلق الكريم لا يصدر إلا من قلب ينبض بالرحمة، فدعت له، اعترافاً بالصنيع، ورداً للجميل، ووفاء للإحسان، فقالت: أصاب الله ببرك مواقعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا وجعلك سبباً في ردها عليه، واستأذنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكساها ومنحها راحلة تقلها واعطاها نفقة تكفيها وأسلمت وخرجت إلي الشام وكانت سبب في أسلام أخيها وقومها، فعندما ارتحلت سفانة حتى قدمت على أخيها عدي بالشام، لأنه لما سمع بخيل رسول الله صلى الله عليه وسلم هرب بأهله وولده وفرّ إلى الشام

فلما وصلت إليه أخبرته بما لقيت من رسول الله من كرم وحسن معاملة، وقالت له: أرى أن تلحق به سريعاً، فإن يكن نبياً فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكاً فأنت أنت، فما كان منه إلا أن أخذ بمشورتها، وقدم على النبي، ثم أسلم، وقد اشتهرت سفانة بالكرم والسخاء مثل أبيها حاتم الطائي، فقد كان أبوها يُعطيها من إبله ما بين العشرة إلى الأربعين، فتهبها وتُعطيها الناس، فقال لها حاتم: يابنية، إن القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه، فإما أن أعطى وتمسكي، وإما أن أُمسك وتعطي، فإنه لا يَـبقى على هذا شيء فقالت: والله لا أُمسك أبدًا، وقال أبوها: وأنا والله لا أمسك أبدًا، قالت: فلا نتجاور، فقاسمها ماله وتباينا ولم يتجاورا.

ويقول عدي بن حاتم رضي الله عنه عن قصة إسلامه والتي كانت بدايتها إحسان النبي صلى الله عليه وسلم لأخته سفانة فيقول: فقلت لو أتيت هذا الرجل فإن كان كاذباً لم يخْف عليَّ، وإن كان صادقاً اتبعته، فأقبلت فلما قدمت المدينة استشرف لي الناس أى نظروا إليّ، وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، قال: قلت: إن لي دُيْناً، قال: أنا أعلم بدينك منك، مرتين أو ثلاثا، ألست ترأس قومك؟ قال: قلت: بلى، قال: ألست تأكل المِرْبَاع أى ربع غنائم الحرب؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك، قال: فتضعضعت لذلك،.

ثم قال: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، فإني قد أظن أو قد أرى أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة أى حاجة وفقر، تراها من حولي، وتوشك الظعينة وهى المرأة على البعير في الهودج، أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز، وليفيضن المال أو ليفيض، حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة، قال عدي بن حاتم: فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، إنه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لي. رواه أحمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *