نسائم الإيمان ومع شيخ الإسلام إبن تيميه

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية ، هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني ، المشهور باسم ابن تيمية ، وهو فقيه ومحدث ومفسر وعالم مسلم مجتهد منتسب إلى المذهب الحنبلي ، وهو أحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري.

وقيل فى لقب تيميه أنه حج جد ابن تيمية، وله امرأة حامل، فلما كان بتيماء وهى مدينة بين المدينة وتبوك ، رأى طفلةً قد خرجت من خباء، فلما رجع إلى حران، وجد امرأته قد ولدت بنتا، فلما رآها قال: يا تيمية ، يا تيمية، ويقصد أنها تشبه الطفلة التي رآها بتيماء فلقب بذلك، وقيل أن جده محمدا، كانت أمه تُسمى تيمية، وكانت واعظة، فنُسب إليها، وعُرف بها.

ونشأ ابن تيمية حنبلي المذهب وأخذ الفقه الحنبلي وأصوله عن أبيه وجده، كما كان من الأئمة المجتهدة في المذهب، فقد أفتى في العديد من المسائل على خلاف معتمد الحنابلة لما يراه موافقا للدليل من الكتاب والسُنة ثم على آراء الصحابة وآثار السلف، وكان ابن تيمية منذ صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد، وختم القرآن صغيرا، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه واللغة العربية، حتى برع في ذلك مع ملازمة مجالس الذكر وسماع الأحاديث والآثار

وقد وُلد ابن تيمية سنة ستمائه وواحد وستين من الهجره في مدينة حران للفقيه الحنبلي عبد الحليم ابن تيمية وأمه هى ست النعم بنت عبد الرحمن الحرانية ، ونشأ نشأته الأولى في مدينة حران ، وقيل أنه كان ابن تيمية أبيض، أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، شعره إلى شحمة أُذنيه، كأن عينيه لسانان ناطقان، متوسط القامة، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيحا، سريع القراءة، تعتريه حِدّة لكن يقهرها بالحِلم.

وبعد بلوغه سن السابعة، هاجرت عائلته منها إلى مدينة دمشق بسبب إغارة التتار عليها وكان ذلك في سنة ستمائه وسبعه وستين من الهجره، وحال وصول الأسرة إلى هناك بدأ والده عبد الحليم ابن تيمية بالتدريس في الجامع الأموي، وفي دار الحديث السكرية .

وأثناء نشأة ابن تيمية في دمشق اتجه لطلب العلم، ويذكر المؤرخون أنه أخذ العلم من أزيد من مائتي شيخ في مختلف العلوم منها التفسير والحديث والفقه والعربية ، وقد شرع في التأليف والتدريس في سن السابعة عشرة.

وبعد وفاة والده سنة ستمائه واثنين وثمانين من الهجره، بفترة، أخذ مكانه في التدريس في دار الحديث السكرية، بالإضافة أنه كان لديه درس لتفسير القرآن الكريم في الجامع الأموي ودرس بالمدرسة الحنبلية في دمشق.

وقد واجه ابن تيمية السجن والاعتقال عدة مرات، بعد أن اعتقله نائب السلطنة في دمشق لمدة قليلة بتهمة تحريض العامة، وسبب ذلك أن ابن تيمية قام على أحد النصارى الذي بلغه عنه أنه شتم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد سُجن في القاهرة مع أخويه شرف الدين عبد الله وزين الدين عبد الرحمن ، مدة ثمانية عشر شهرا ، بسبب مسألة العرش ومسألة الكلام ومسألة النزول، وسجن أيضا لمدة أيام بسبب شكوى من الصوفية، لأنه تكلم في القائلين بوحدة الوجود وهم ابن عربي وابن سبعين والقونوي والحلاج.

وتم الترسيم عليه مدة ثمانية أشهر في مدينة الإسكندرية، وخرج منه بعد عودة السلطان الناصر محمد بن قلاوون للحكم ، وسُجن بسبب مسألة الحلف بالطلاق نحو ستة أشهر ، وسجن حتى وفاته ، بسبب مسألة زيارة القبور وشد الرحال لها .

وبالإضافة إلى ذلك، فقد تعرض للمضايقات من الفقهاء المتكلمين والحكام بسبب عقيدته التي صرح بها في الفتوى الحموية والعقيدة الواسطية التي أثبت فيهما الصفات السمعية التي جاءت في الكتاب والسنة مثل اليد والوجه والعين والنزول والاستواء والفوقية، مع نفي الكيفية عنها.

وقد عاصر ابن تيمية غزوات المغول على الشام، وقد كان له دور في التصدي لهم، ومن ذلك أنه التقى بالسُلطان التتاري محمود غازان، بعد قدومه إلى الشام، وأخذ منه وثيقة أمان أجلت دخول التتار إلى دمشق فترة من الزمن.

ومنها في سنة سبعمائه من الهجره، حين أشيع في دمشق قصد التتار الشام، فعمل ابن تيمية على حث ودفع المسلمين في دمشق على قتالهم، وتوجهه أيضا إلى السُلطان في مصر وحثه هو الآخر على المجيء لقتالهم ، إلا أن التتار رجعوا في ذلك العام.

وقد اشترك ابن تيمية في معركة شقحب ، والتي انتهت بانتصار المماليك على التتار، وقد عمل فيها على حث المسلمين على القتال، وتوجه إلى السُلطان للمرة الثانية يستحثه على القتال فاستجاب له السلطان، وقد أشيع في ذلك الوقت حكم قتال التتار حيث أنهم يظهرون الإسلام، فأفتى ابن تيمية بوجوب قتالهم، وأنهم من الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام.

وخرج ابن تيمية أيضا مع نائب السلطنة في دمشق لقتال أهل كسروان وبلاد الجرد، من الإسماعيلية والباطنية والحاكمية والنصيرية، وقد ذكر في رسالة للسلطان أن سبب ذلك هو تعاونهم مع جيوش الصليبيين والتتار.

وقد ظهر أثر ابن تيمية في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي، فقد ظهر في الجزيرة العربية في حركة محمد بن عبد الوهاب، وظهر أثره في مصر والشام في محمد رشيد رضا من خلال الأبحاث التي كان ينشرها في مجلة المنار، وظهر تأثيره في المغرب العربي في الربع الثاني من القرن العشرين عند عبد الحميد بن باديس وفي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

وانتقل تأثيره إلى مراكش على أيدي الطلبة المغاربة الذين درسوا في الأزهر، وهناك من يقول أن تأثيره في مراكش أقدم حينما ظهر تأييد السلطانين محمد بن عبد الله وسليمان بن محمد لحركة محمد بن عبد الوهاب، وأنه ظهر في موجة ثانية في أوائل القرن العشرين على يد كل من القاضي محمد بن العربي العلوي وعلال الفاسي.

وفي شبه القارة الهندية فقد وصلت آراؤه إلى هناك مبكرا في القرن الثامن الهجري بعد قدوم بعض تلاميذه إليها، منهم عبد العزيز الأردبيلي وعلم الدين سليمان بن أحمد الملتاني، واختفى أثره فيها إلى القرن الحادي عشر الهجري، حتى ظهرت الأسرة الدهلوية ومنها ولي الله الدهلوي وابنه عبد العزيز الدهلوي وإسماعيل بن عبد الغني الدهلوي الذين كانوا كلهم متأثرين بابن تيمية.

وقيل أنه ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به، وكان ابن تيمية لا تأخذه في الحق لومة لائم، وليس عنده مداهنة، وكان مادحه وذامه في الحق عنده سواء .

وتوفي الإمام ابن تيمية رحمه الله ليلة الاثنين، العشرين من ذي القعدة، سنة ثمانٍ وعشرين وسبعمائة من الهجرة، وذلك بقلعة دمشق التي كان محبوسا فيها، وقد عاش ابن تيمية سبعا وستين سنة وأشهرا ، وقد أُخرجت جنازة الإمام ابن تيمية إلى جامع دمشق، وصلوا عليه الظهر، وكان يوما مشهودا، لم يعهد بدمشق مثله.

وقال رجل بصوت مرتفع: هكذا تكون جنائز أئمة السنة، فبكى الناسُ بُكاء كثيرا، واشتد الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلهم، وصار النعش على الرؤوس يتقدم تارة، ويتأخر أخرى، وخرجت جنازته من باب الفرج، وازدحم الناس على أبواب المدينة جميعا للخروج، وعظُم الأمر بسوق الخيل.

وتقدم في الصلاة عليه هناك أخوه عبدالرحمن، ودُفن وقت العصر، أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدين عبدالله بمقابر الصوفية، وقيل أنه بلغ عدد الذين حضروا جنازة الإمام ابن تيمية رحمه الله أكثر من خمسمائة ألف شخص، وقال العارفون بالتاريخ: لم يُسمع بجنازة بمثل هذا الجَمع إلا جنازة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *