نسائم الإيمان ومع طلحه بن عبيد الله

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن فضل أصحاب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، هو فضل كبير ، فهم الذين اصطفاهم الله عز وجل ليكونوا أصحابا لخير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، فيجب علينا جميعا أن نعرف حقهم، ونقتدي بهم ، فهم حملة الشريعة الذين حفظوا الدين وبلغوه لنا غضا طريا كما أنزل بلا زيادة ولا نقصان ولا تحريف ولا تبديل رضي الله عنهم أجمعين.

ولابد لنا من معرفة الصحابي من هو ، فالصحابي هو من لقي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، مؤمنا به ومات على ذلك ، فعلى هذا فكل من كان مؤمنا ورأى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إن كان مبصرا أو لقيه إن كان أعمى فهو صحابي قد نال شرف الصحبة ، وبين أيدينا صحابى من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهو الصحابى طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي، ويكنى أبا محمد، ويعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض ، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه، وأحد الستة أهل الشورى الذين تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض .

ويكفيه وصف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم له بقوله “من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله” وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وروي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال لما كان يوم أحد سماه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، طلحة الخير وفي غزوة ذي العشيرة طلحة الفياض ويوم خيبر طلحة الجود.

وكان طلحة رضي الله عنه ممن سبق إلى الإسلام وأوذي في الله ثم هاجر ، وهو أحد الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجبل فتحرك بهم ، وكان طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه رجلا آدم، حسن الوجه، كثير الشعر، ليس بالجعد القطط، ولا بالسبط ، وأمه الصعبة بنت الحضرمي، وقد أسلمت وهاجرت، وعاشت بعد ابنها قليلا.

وولد سنة ثمانيه وعشرون قبل الهجرة، وأسلم في بدايات الدعوة الإسلامية، فهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام ، وعن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال لي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: حضرت سوق بُصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم، أفيهم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة بن عبيد الله: قلت: نعم، أنا.

فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قال: قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تسبق إليه ، فقال طلحة بن عبيد الله: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعا حتى قدمت مكة، فقلت: هل كان من حدث؟

قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة. قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر، فقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه ، فإنه يدعو إلى الحق ، فأخبره طلحة بما قال الراهب، فخرج أبو بكر رضي الله عنه بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم طلحة رضي الله عنه وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الراهب، فسُر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

ولم يشهد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه غزوة بدر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجهه وسعيد بن زيد رضي الله عنهما يتجسسان خبر العير فانصرفا، وقد فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال من لقيه من المشركين، ولكنه شهد غزوة أحد وما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان أكرم العرب في الإسلام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، فقد جاء إليه رجل فسأله برحم بينه وبينه، فقال: هذا حائطي أى بستاني بمكان كذا وكذا، وقد أعطيت فيه مائة ألف درهم، يراح إلي بالمال العشية، فإن شئت فالمال، وإن شئت فالحائط ، وقال قبيصة بن جابر: صحبت طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل مالٍ من غير مسألة منه.

ولما كان يوم غزوة أحد أبلى فيه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه بلاء حسنا، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وحماه من الكفار، واتقى عنه النبل بيده حتى شلِت أصبعه، ووقاه بنفسه ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: ” اهدأ فما عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد ” .

وكان لطلحه موقف مع على بن أبى طالب ، فعن رفاعة بن إياس الضبي، عن أبيه، عن جده قال: كنا مع عليٍ رضي الله عنه يوم الجمل، فبعث إلى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن الْقني، فأتاه طلحة رضي الله عنه، فقال: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه؟” قال: نعم. قال: فلم تقاتلني؟ قال: لم أذكر. قال: فانصرف طلحة رضي الله عنه.

ودخل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف إذا خلا بهم وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك؟ فقال أبو بكر الصديق وكان مضطجعا ، أجلسوني ، فأجلسوه، فقال لطلحة: أبالله تخوفني؟ إذا لقيت الله ربي فساءلني، قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك.

وروى طلحه رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه بنوه يحيى وموسى وعيسى بنو طلحة، وقيس بن أبي حازم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومالك بن أبي عامر الأصبحي، والأحنف بن قيس.

وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: لقد أُعطي ابن عباس فهما لقنا وعلما، وما كنت أرى عمر يقدم عليه أحدا ، وقال رضي الله عنه: “إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء، لكننا نتصبر ، وقال الكسوة تُظهر النعمة، والدهن يذهب البؤس، والإحسان إلى الخادم يكبت الأعداء .

وقُتل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يوم موقعة الجمل سنة سته وثلاثون من الهجره وذلك لما قرر الانسحاب من المعركة، بعدما أخبره علي رضي الله عنه بحديث لرسول الله كان قد نسيه ، ويقال أنه رماه مروان بن الحكم بسهم، فأرداه قتيلا.

فقد وجب علينا الإعتراف بحق وفضل هؤلاء العظماء فعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه“.رواه البخارى ومسلم .

وعن أبي بردة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “ النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي؛ فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون“. رواه مسلم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *