نسائم الإيمان ومع عبد الله بن سعد

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

هو عبد الله بن سعد بن أبى السرح بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش، العامري القرشي ، وهو الأمير قائد الجيوش أبو يحيى عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، وأمه مَهانه بنت جابر من الأشعريين ، وقد أسلم عبد الله بن أبى السرح أول مرة قبل صلح الحديبية وكان حسن الإسلام وموضع ثقة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأناله النبي الكريم مهمة كتابة الوحي مع عدد من الصحابة الكتاب.

وقد شك عبد الله في نبوة النبى محمد صلى الله عليه وسلم فأستغل ثقة النبي به والمكانة التي وضعه النبي فيها بشكل سئ، فقام بتحريف الوحى أثناء كتابته، فكان النبي إذا أملى عليه (إن الله كان سميعاً عليماً) يكتُبها عبد الله (إن الله كان عليماً حكيماً) ولما لم يكتشف النبي ذلك التحريف.

وشك عبد الله في نبوة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وترك المدينة المنورة هاربا سرا إلى مكة ليلا، وعند وصوله إلى مكة أعلن عودته إلى ديانة العرب وأنه اكتشف كذب نبوة النبى محمد وروى قصته مع تحريف القرآن ، وقيل أنه نزلت في عبد الله بن أبي سرح ، الآيه ” ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ” سورة الأنعام .

وفى السنة الثامنة للهجرة، كان فتح مكة، وكان هناك أحد عشر شخصا ، ثمانية رجال وثلاث سيدات ، قد أمر النبي بقتلهِم ولو وجودوا مُتعلقين بأستار الكعبة، وكان عبد الله منهم، ولم يُقتلوا جميعا وإنما قُتل بعضهم وعفى عن بعضهم بعد أن توسط لهم أقاربهم ومعارفهم وأشقائهم وأزواجهم لدى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .

وكان عبد الله بن أبى السرح ممن عُفي عنهم، وكان شقيق عثمان بن عفان في الرضاعة، فأختبأ في منزله ، أى منزل عثمان ، ولما وجده عثمان قال له عبد الله، يا أخى إنى والله أخترتك فأحتسبنى ها هنا وإذهب إلى محمد وكلمه في أمرى، فإن محمدا إن رآنى ضرب الذي فيه عيناى إن جُرمى أعظم الجرم وقد جئت تائبا فقال له عثمان بل تذهب معى .

فقال عبد الله والله لئن رآنى محمد سيضرب عنقى ولا يناظرنى، فقد أهدر دمى وأصحابه يطلبوننى في كل موضع، فقال له عثمان بل تنطلق معى ولا يقتلك إن شاء الله، فلم يرع النبي إلا بعثمان أخذ بيد عبد الله بن سعد بن أبى السرح واقفين بين يديه فأقبل عثمان على النبي فقال يا رسول الله إن أمه كانت تحملنى وتمشيه وترضعنى وتقطعه وكانت تلطفنى وتتركه فهبه لى .

فأعرض عنه النبي وجعل عثمان كلما أعرض عنه رسول الله بوجهه أستقبله فيعيد عليه هذا الكلام فإنما أعرض عن النبي إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه لأنه لم يؤمنه فلما رأى ألا يُقدم أحدا، وعثمان قد أكب على رسول الله يُقبل رأسه وهو يقول يا رسول الله، تُبايعه، فداك أبى وأمى يا رسول الله، فداك أبى وأمى يا رسول الله، تُبايعه، فداك أبى وأمى يا رسول الله.

فقال رسول الله نعم، وبعد رحيلهما التفت إلى أصحابه وقال ما منعكم أن يقوم أحدكم إلى هذا فيقتله ؟ فقال عباد بن بشر ألا أومأت إلى يا رسول الله ؟ فوالذي بعثك بالحق إنى لأتبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إلى فأضرب عُنقه فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه لا يجوز له أن يكون خائن الأعين .

وهكذا عاد عبد الله بن أبى السرح إلى مجتمع الإسلام بعد وساطة عثمان بن عفان له لدى النبي ويقال أن إسلامه قد حسن بعد ذلك وإن كان ما نقلوه عنه وخاصة صراعه مع ابن العاص وما فعله بمصر بعد أن تخلص من عمرو بن العاص واليها لا يؤكد ذلك.

وقد شارك عبد الله في الفتوح بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى جورار ربه، فكان والي مصر في خلافة عمر بن الخطاب هو عمرو بن العاص الذي حكمها ما يقرب من أربع سنوات ، وتوفي عمر وهو وال عليها، وقد أقره عثمان بن عفان في بداية خلافته فترة من الوقت وكان يساعده في عمله في بعض نواحي مصر عبد الله بن أبي السرح الذي كان مصاحبا لعمرو بن العاص منذ أيام فتوحه في فلسطين .

حيث كان من ضمن قواده واشترك معه في فتوح مصر ، وقد عينه عمر على بعض صعيد مصر بعد فتحها ، ويبدو أن عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي السرح حدث بينهما خلاف في وجهات النظر، فوفد عمرو بن العاص على عثمان بعد مبايعته بالخلافة، وطلب منه عزل عبد الله بن سعد عن ولاية الصعيد، فرفض عثمان ذلك ، وذكر له أن عمر هو الذي ولى ابن أبي السرح .

وأنه لم يأت بما يوجب العزل، فأصر عمرو على عزله، وأصر عثمان على عدم موافقته، ونتيجة لإصرار كل من الطرفين على رأيه، رأى عثمان أن من الأصلح عزل عمرو عن مصر وتولية عبد الله بن أبي السرح مكانه ، فبعدما ولاه عثمان بن عفان بزمن خلافته إمارة الصعيد، ثم ولي مصر بعدها في سنة سبعه وعشرين من الهجرهـ، وفي مدة ولايته فتح فتوحا عظيمة في بلاد النوبة والسودان سنة واحد وثلاثين من الهجرة، وعقد عهدا بينه وبين ملك النوبة بأن يؤمَن التجار ويحافظ على المسجد الذي بناه المسلمون في دنقلة.

ويقال أن عبد الله بن سعد تمكن من ضبط خراج مصر حتى زاد ما كان يجمعه من الخراج على ما كان يجمعه عمرو بن العاص قبله، ولعل مرد ذلك إلى اتباع عبد الله بن سعد لسياسة جديدة في المصروفات اختلفت عن سياسة عمرو، وبالتالي زادت أموال الخراج المتوافرة في مصر ، وقد كانت ولاية عبد الله بن سعد على مصر محمودة على العموم لدى المصريين ولم يروا منه ما يكرهون، ويقول عنه المقريزي: ومكث أميرا مدة ولاية عثمان رضي الله عنه كلها محمودا في ولايته.

وقد تولى بناء وقيادة الاسطول الإسلامي في معركة ذات الصواري ، وانتصر على البيزنطيين وأغرق تسعمائة سفينة من اسطول قنسطنس الثاني ، وقيل أنه لقد كان من أهم أعمال عبد الله بن سعد بن أبي سرح العسكرية غزوة ذات الصواري سنة خمسه وثلاثين من الهجره ، وقد انتصر فيها المسلمون على الروم بقيادة قسطنطين بن هرقل، الذي جاء بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر لها لخسارته المتوالية في البر .

فأذن عثمان رضي الله عنه لصد العدوان، فأرسل معاوية مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة، واجتمع مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح في مراكب مصر، وكانت كلها تحت إمرته، ومجموعها مائتا سفينة فقط، وسار هذا الجيش الإسلامي وفيه أشجع المجاهدين المسلمين ، حيث كانت ذات الصواري أول معركة حاسمة في البحر خاضها المسلمون، أظهر فيها الأسطول الفتيّ الصبر والإيمان .

والجَلد والفكر السليم بما تفتّق عنه الذهن الإسلامي من خطة جعلت المعركة صعبة على أعدائهم، فاستحال عليهم اختراق صفوف المسلمين بسهولة، وحوّل العرب قتال البحر إلى قتال برّ، وربطوا السفن العربية بالسفن البيزنطية ، وقيل أنه فى معركة ذات الصوارى ، صفّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن، وجعل يأمرهم بقراءة القرآن الكريم والصبر، فوثب الرجال على الرجال يتضاربون بالسيوف على ظهر السفن، فدارت الدائرة على الروم .

وانهزم فيها الإمبراطور قسطنطين الثاني، الذي حضر بنفسه المعركة، وفرّ يطلب النجاة ، وسُميت هذه المعركة بذات الصواري لكثرة صواري السفن التي شاركت فيها من الطرفين، وقد عدّ المؤرخون هذه المعركة يرموكا ثانية ، حيث انتصر المسلمون وأصبح البحر المتوسط بحيرة إسلامية، وصار الأسطول الإسلامي سيد مياه البحر المتوسط .

وكما غزا إفريقية عدة مرات سنة واحد وثلاثين وثلاثه وثلاثين من الهجره حتى بلغ تونس ، وبعد استشهاد عثمان اعتزل عبد الله السياسة ونجا بنفسه من الفتنة، وخرج إلى عسقلان فظل فيها عابدا حتى توفي بها سنة سبعه وثلاثين من الهجره .

فعن يزيد بن أبي حبيب قال: خرج ابن أبي السرح إلى الرملة بفلسطين، فلما كان عند الصبح قال: اللهم اجعل آخر عملي الصبح، فتوضأ ثم صلى، فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلم عن يمينه ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه رضي الله عنه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *