نسائم الإيمان ومع عبد المطلب بن هاشم

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهو جد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو زعيم قريش وأحد سادات العرب في الجاهلية ، وكان اسمه شيبة، وقد سمي بذلك لأنه كان في رأسه لما ولد شيبة، ويكنى أبا الحارث وأمه سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجية النجارية من يثرب.

وقد ولد شيبة بيثرب وعاش عند أخواله من بني النجار، وقد مات أبوه بغزة في تجارته، فأرجعه عمه المطلب بن عبد مناف وحمله معه إلى مكة وأردفه على بعيره فلما دخل به إلى مكة قالت قريش عبد المطلب فقال: لا إنما هو ابن أخي شيبة ، وكان عبد المطلب عاقلا ، ذا أناة ونجدة، فصيح اللسان، حاضر القلب .

وقد أحبَه قومه، ورفعوا من شأنه، وشَرُف فيهم شرفا لم ينله أحد من آبائه، وولي السِّقاية والرِّفادة بعد وفاة عمه المطلب، فأقامها للناس ولقومه ما كان آباؤه يقيمون مثله لقومهم من أمرهم ، وهو الذى كفل النبي بعد موت أبيه، ونال شرف تربيته بعد موت أمه آمنة بنت وهب الزهرية ، وكان عبد المطلب من سادات قريش، محافظا على العهود، ومتخلقا بمكارم الأخلاق، يحب المساكين، ويقوم على خدمة الحجيج، ويطعم في الأزمات.

فكان عبد المطلب سيد قريش حتى هلك ، وقد قال الجاحظ ، لم تجد العرب أحلم من عبد المطلب، ولاَ هو أحلم من هاشم، لأن الحلم خصلة من خصاله كتمام حلمه، فلما كانت خصاله متساوية، وخلاله مشرفة متوازية، وكلها كان غالبا ظاهرا، وقاهرا غامرا، سمِّي بأجمع الأشياء ولم يُسمّ بالخصلة الواحدة، فيستدل بذلك على أنها كانت أغلب خصال الخير علَيه .

وكان عبد المطلب يشغل منصب الرئاسة في قومه، فهو رئيس بني هاشم وبني المطلب في حرب الفجار، وكان في قومه شريفا وشاعرا، ولم يدرك الإسلام ، وأسلم من أولاده، حمزة بن عبد المطلب والعباس وعاتكه وصفية ومن بناته أيضا هن : البيضاء أم حكيم ، برة بنت عبد المطلب ، وعاتكة أم عبد الله بن أبي أمية ، وصفية أم الزبير بن العوام ، وأروى أم آل جحش .

وقد لقب عبد المطلب بالفيّاض ، وكان اعظم رجال مكة والجزيرة العربية وكان له مجلس عند الكعبة يجلس ويلتف من حوله رجال مكة وقريش يتكلم ويسمعون منه ويحترمونه فقد كان له كلمة على مكة كلها فكان فاتح بيوت لاطعام الحجاج والزائرين وعابري السبيل وكانو يلقبونه بمطعم الانس والوحش والطير وكان له من الإبل ما يخصصه في خدمة الكعبة بيت الله الحرام.

وقد قام عبد المطلب بحفر زمزم بعد أن طمرتها قبيلة جُرهُم عندما سيطروا على مكة، ويقال أنه حفرها برؤية صادقة مكررة، وكأنها إلهام من الله تعالى، ألهمه سبحانه وتعالى ، لصفاء نفسه وإشراق روحه ، ويقال أنه لم يكن له عند حفر زمزم إلا ولد واحد هو الحارث، فلما لقي من قريش ما لقي من العنت آنذاك، نذر لئن وُلَد له عشرة من البنين، وبلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة لله .

فلما بلغوا عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه، أخبرهم بنذره، فأطاعوا، فاتجه بكل قوته إلى الوفاء بالنذر، فجمعهم وأراد القرعة بينهم، فدخل بهم في جوف الكعبة، وأمرهم أن يأخذ كل واحد منهم ورقة، ويكتب فيها اسمه، وبعد أن كتبوا أسماءهم وضع اسم كل واحد منهم في قدح، وأمر خبيرا في القداح أن يسهم بينهم، فسـاهم فكان القدح على عبد الله ابنه وأبي محمد النبي عليه الصلاة والسلام .

ومع أن عبد الله كان أحب بنيه إليه، أخذ الشفرة يحدها ليذبحه غير أن الأمر هال قريشا وإخوته، فجاؤوا إليه مسرعين وقالوا له: لا تذبحه أبدا حتى تعذر ، أي تبدي العذر عن النذر لئن فعلت هذا، لايزال الرجل منا يأتي بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا ، وطلبوا منه أن ينطلق إلى كاهنة وعرافة في أرض الحجاز، فانطلقوا إليها، فأشارت عليهم بأن يقدموا الدية وهي عشر من الإبل، ويقرع بينها وبين الذبيح.

فإن كانت القرعة عليه، زادوا في الإبل حتى تكون القرعة عليها، فلما أجمعوا لذلك، قام عبد المطلب يدعو الله، ثم قرَبوا عبد الله وعشرا من الإبل، فخرجت القداح على عبد الله، فزادوا عشرا، فخرجت القداح على عبد الله، فما برحوا يزيدون عشرا حتى بلغت الإبل مئة، ثم ضربوا فخرجت القداح على الإبل، فقالت قريش: قد انتهى الأمر، ورضي ربك بالفداء يا عبد المطلب، ولكن عبد المطلب يريد أن يستوثق من الرِضا بالفداء، فقيل أنه ضرب مرة ثانية وثالثة، والقدح يخرج على الإبل، فنحرت الإبل.

وقد عظم قدره لما احتفر بئر زمزم، وكانت من قبل مطويه، وذلك في مدة ملك قباذ ملك فارس، فاستخرج منها غزالتي ذهب عليهما الدر والجوهر، وغير ذلك من الحلي، وسبعة أسياف قلعية، وسبعة أدرع سوابغ ، فضرب من الأسياف بابا للكعبة، وجعل إحدى الغزالتين صفائح ذهب في الباب، وجعل الأخرى في الكعبة ، وعظم قدره كثيراً بين العرب بعد يوم الفيل.

وقدم اليمن في وجوه قريش ليهنيء الملك سيف بن ذي يزن لتغلبه على الأحباش المغتصبين للجنوب العربي، فأكرمه الملك، وقرَبه، وحباه، وخصَه، وبشَره بأن النبوة في ولده ، وكان محسودا من بعض قريش، فنافره بعضهم فنكس وانتكس، وحاول آخرون مجاراته فأفحموا وتعبوا ، وشدَ أحلاف آبائه، وأوثق عُراها، وعقد لقريش حلفا مع خزاعة فكان أنفة لفتح مكة بعد ذلك .

وقد ذكر الكثير ممن ألفوا فى نجاة آباء النبى صلى الله عليه وسلم وأمهاته وفى أنهم كلهم على التوحيد، وقد صح فى أحاديث كثيرة أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: ” لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ” وعلى هذا حمل بعضهم قوله تعالى:( وتقلبك فى الساجدين ) وقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات” يعني أن آبائه وأمهاته إلى آدم وحواء ليس فيهم كافر .

لأن الكافر لا يوصف بأنه طاهر ، وإن أبا طالب قال وهو يحتضر أنه هو على ملة عبد المطلب، لأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وآبائه كلهم كاموا على الحنيفية ملة ابراهيم ، وكان عبد المطلب يرفض عبادة الأصنام ويعترف بوحدانية الله تعالى، وكان يختلى كثيراً بغار حراء ليتفكر فى صفات الله وأفعاله، وكانت قريش إذا أصابها قحط شديد تأتى عبد المطلب فتستسقى به فيسقون.

ولما جاء أصحاب الفيل ليهدموا الكعبة، ذهب إلى ابرهة الأشرم وقابله وطلب إبله التي نهبوها، فتعجب ابرهة وقال : أنتم تعظمون البيت، ولم تسألني عنه وتسأل عن إبلك ؟ فقال له: (انا رب الإبل، وللبيت رب يحميه) ثم ذهب وتعلق بأستار الكعبة ، وكان عبد الله أحب الأبناء إلى قلب والده عبد المطلب حيث كانت له منزلة جليلة القدر، وبعد ذلك اختار عبد المطلب زوجة لابنه عبد الله ، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب

وكانت يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعا، وأبوها سيد بني زهرة نسبا وشرفا، فزوجه بها، فبنى بها عبد الله في مكة، ثم خرج بعد أشهر من بنائه بآمنة ، يضرب مناكب الأرض ابتغاء الرزق، وذهب في رحلة الصيف إلى الشام، فذهب ولم يعد، وبعدها عادت القافلة تحمل أنباء مرضه، وبعدها خبر وفاته، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكان عبد المطلب قوي الجنان، رابط الجأش، لايضطرب ولايضعف عند المفاجأة، ومما يدل على ذلك أنه ذهب إلى لقاء أبرهة ملك الحبشة وقائد جيشهم ومعه الرهبة والطغيان، وقد كان قد استاق إبلا لأهل مكة ومن بينها إبل عبد المطلب، فلما حدث اللقاء، قال عبد المطلب لترجمان أبرهة: حاجتي إلى الملك أن يردَ عليَ مئتي بعير أصابها لي.

فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل لـه كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلّمتني، أتكلمني في مائتي بعير قد أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه، ولاتكلمني فيه؟ قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا يحميه ويمنعه.

ذلك هو الجد القريب الذي تربى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في كنفه، والذي رأى فيه أول ما رأى عزَة الرجال، وحكمة الشيوخ وعطف الأبوة التي استعاض بها عن أبيه الذي لم تكتحل عيناه برؤيته، وقد حباه عبد المطلب بالعطف، فكان ينسبه إلى نفسه مباشرة، فلايقول ابن عبد الله، ولكن يقول: ابني ، وعندما أحس بالموت يقترب منه أوصى أبا طالب بحفظ الرسول وحياطته، وقد اختصه بهذه الوصية، وقد قام أبو طالب بحقها ، ومات عبد المطلب وعمر رسول الله ثمان سنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *