كتبت/هيام محى الدين
غياب لغة الحوار بين الزوجين شكوى معظم السيدات ؛ وسبب أساسى وجوهرى يتسبب في خراب عديد من البيوت ودمار الكيان الأسري ؛ والذى يترتب عليه ضياع الأبناء ؛ وعدم توحيد الخط التربوى لهم نتيجة لانعدام التواصل بين الأبوين.
والخرس الزوجي مرض قاتل يقضي على المودة والرحمة التي ينبغى أن تبنى عليهما الحياة الزوجية فصمت الأزواج قنبلة موقوتة، فالزوجان يصمتان اقتناعا أن الصمت أفضل وسيلة لتجنب المشاكل وعدم زيادة حدة الخلافات ولا يعرفون أن الصمت يقتل العلاقة الزوجية مثل سم بطئ.
وغياب الحوار وتأصل الخرس الزوجى ينتج عن الانشغال الكامل بمشكلات الحياة اليومية مع وجود اختلاف فى الطباع والقيم التربوية وطريقة التفكير والمستوى الثقافي والمعرفي.
وأذكر بإلحاح أن مواجهة المشكلات الناتجة عن هذه الاختلافات والحديث عنها ومناقشتها بصراحة ووضوح هو الطريق للوصول إلى حلول وسط يتنازل من خلالها كل طرف عن بعض آرائه وطلباته لتستمر الحياة ويتأصل التواصل.
ومع اعترافي بأن قسما من البشر يتسمون بعدم القدرة على التعبير الواضح عن عواطفهم نحو من يحبونهم وهذا الصنف يشمل الجنسين رجالا ونساء يصابون بالعجز عن صياغة أحاسيسهم برغم عمقها – في أسلوب معبر يؤثر في الآخر، فهم يجدون حرجا شديدا في الإفصاح عن عواطفهم ويفضلون الإغراق في الصمت فيبدو متبلد الوجدان منطويا ويتحول الكثيرون من هذا النوع إلى شخصيات انطوائية وفي رأي أن هؤلاء الصامتين الذين تحول طباعهم وتربيتهم دون البوح بمشاعرهم ينتهي بهم الأمر إلى حياة جامدة لا روح فيها ولا مشاعر.
وتتمثل أسباب ما يسمى بالخرس الزوجى فى مجتمعنا المصري المعاصر في :-
1- تراكم المشكلات الزوجية الناتجة عن اختلاف وجهات النظر بين الشريكين وغياب اللغة المشتركة والرؤية الموضوعية والأسلوب الموحد في حل الخلافات مما يؤدي إلى نفور متبادل ورغبة في الانطواء مع إحساس بالملل والرتابة في بيت الزوجية نتيجة لعدم التجديد وبث روح المرح والتغيير في نمط السلوك والمظهر حتى لا تتحول الحياة بينهما إلى تكرار ممل يبعث اليأس والجمود وبالتالي يؤدي إلى الصمت وعدم الرغبة فى الكلام.
2- الاختلاف في الميول والرغبات بين الزوجين نتيجة لاختلاف البيئة التربوية الأولى لكل منهما يعد من الأسباب الهامة للتحول للخرس الزوجى إذ لا يجد كل منهما في الآخر مستمعا وشريكا ومهتما بما يقوله الآخر فيضطر كل منهما إلى اللجوء إلى من يشاركه اهتماماته وميوله من أصدقاء ومعارف خارج البيت ويلتزم الصمت داخله.
3- التفاوت في المستوى الفكري والثقافي لكل من الزوجين خاصة إن كان شديد الاتساع مما يؤدي إلى تشبث كل منهما برأيه ؛ وأحيانا يؤدي إلى اللجوء لطرف ثالث مما يؤدي لفقدان خصوصية العلاقة وأسرارها الحميمية بطرح المشكلات والخلافات على أطراف خارج نطاق العلاقة الزوجية.
4- التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في شبكات التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية والتليفزيون ببرامجه ومسلسلاته التي أصبحت متنفسا وملجأ للهروب من التواصل بين الزوجين فصنع كل منهما لنفسه عالما افتراضيا ساهم في ترسيخ العزلة بين الزوجين حتى صار الهروب إلى هذا العالم إدمانا مدمرا للتواصل الإنسانى وعاملا أساسيا في ازدياد ظاهرة الخرس الزوجي مما أدى إلى فتور العلاقات الحميمية وفقدان القدرة على البوح والتعبير عن المشاعر.
ولابد لكسر هذه الحلقة المفرغة من الفتور والملل أن يكون أحد الطرفين على الأقل إن لم يكن كلاهما لديه الاستعداد الجاد والإصرار على التواصل مع الآخر وإزالة حاجز الملل والرتابة والفتور ويمكن أن يهتم كل من الزوجين بمحاولة استخدام وسائل التقريب والتواصل مثل :-
1- التعرف بعمق وجدية على طباع الآخر واهتماماته واكتشاف مفاتيح شخصيته ووسائل التواصل مع اهتماماته وطريقة تفكيره وأن يروض نفسه على الاستماع للآخر والإنصات والمناقشة التي تتسم بالتعاطف والمودة.
2- على الزوجات التقليل من الشكوى المتكررة ولا تبدأ الحديث بما ينفر الزوج ويحمله ما لا يطيق من المطالب وأن تشعره بأنها تريد الحديث معه كهدف للفضفضة مع الشريك وليس لمطالبته أو تحميله مشكلات أو أعباء وإنما تقصد المشاركة والتشاور لأنها تحتاج إلى سماعه ومشاركته واهتمامه.
3- يجب أن تتعود الزوجة على أن تكون لغة الحوار مبنية على الصراحة والوضوح والتعبير الواضح عن المشاعر والأحاسيس ؛ وأن تتبادل معه الحوار والاستماع باهتمام ومشاركة.
4- أن يراعي كل من الطرفين لحظات الضعف والإرهاق والتعب عند الطرف الآخر ويتجنب إثارة حوار ثقيل في هذه الأوقات يناقش المطالب والمشكلات والحكايات المملة وأن تكون المشاركة في هذه الأوقات قائمة على التعاطف والمودة والمساواة والتراحم.
5- الاجتماع اليومي على وجبة طعام لجميع أفراد الأسرة وإشاعة جو من المرح والتفاؤل خلال تناولها بعيدا عن التليفزيون والكمبيوتر.
6- أن يعتاد الزوجان إفراغ ما بداخلهما من منغصات تجاه بعضهما البعض أولا فأولا حتى لا تتراكم المشكلات والمشاعر السلبية التي يتمثل الخطر في كتمانها وتركها لتشكل جبلا من النفور من أشياء بسيطة وسطحية تتحول إلى صخور يصعب تحطيمها.
إن البيت المصري والأسرة المصرية تحتاج من طرفيها إلى جهد متواصل لتتحول إلى نواة سعيدة لمجتمع سوي نفسيا سعيد أسريا لينعكس كل ذلك على قدرته على الإبداع والإنتاج والتقدم.