العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

نسائم الإيمان ومع التابعى أبو مسلم الخولانى

0

إعداد / محمـــــد الدكـــرورى

أبو مسلم الخولانيّ، هو العابد الزاهد عبد الله بن ثُوب الخولاني الداراني، وهو تابعي مخضرم، عاش زمنا في الجاهلية، وعايش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم ولكنه لم يلق نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك لم يكن من الصحابة كما صنفه العلماء، وأصل أبي مسلم أرض اليمن، لكنه نزل داريا وسكنها وصار قارئ أهل الشام، وكان أبو مسلم صاحب خصال جليلة عظيمة، فكان عابدا زاهدا مسارعا إلى الغزو في سبيل الله تعالى، حتى ظهرت له كرامات عده في حياته .

فهو سيد التابعين وزاهد العصر أبو مسلم الخولاني الداراني واسمه عبد الله بن ثوب وقدم من اليمن، وقد أسلم أيام النبي صلى الله عليه وسلم فدخل المدينة في خلافة الصديق، وحدث عن عمر ومعاذ بن جبل وأبي عبيدة وأبي ذر الغفاري وعبادة بن الصامت وروي عنه أبو إدريس الخولاني وجبير بن نفير وعطاء بن أبي رباح وشرحبيل بن مسلم، وقبل أن يأتي أبو مسلم المدينة كان الأسود العنسي الذي ادعى النبوة قد طرحه في النار فلم تضره فكان يشبه بالخليل عليه السلام .

وقد ظهرت في حياة أبي مسلم الخولاني العديد من الكرامات التي تدل على فضله في ميزان الله تعالى، ومنها استجابة الله لدعاء أبي مسلم، فذات مرة حين خبّبت امرأةٌ بينه وبين زوجته، دعا عليها أبو مسلم فعُميت عيناها، ثم أتته معترفة بذنبها تسأله أن يدعو لها بالشفاء، وإنها لن تعود إلى ما كانت عليه من سوء خُلق، فدعا أبو مسلم الله إن كانت صادقة أن يردّ عليها بصرها، فارتدّ إليها بصرها من فوره، وحدث أن مرّ أبو مسلم بصبيانٍ يطاردون ظبيا لا يستطيعون الإمساك به.

فطلبوا منه أن يدعو الله لهم أن يحبس لهم الظبي، فاحتُبس الظبي حتى مسكه الصبيان بأيديهم، وقد ورد عن أبي مسلم أنه مشى على الماء مع أصحابه في إحدى الغزوات مع الروم، فلما وصل مع أصحابه إلى النهر دعا الله عز وجل، أن يجيز لهم المرور فوقه، ثم سمّى باسم الله، ومشى مع أصحابه عليه، وجاء في صفة الصفوة لابن الجوزي عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: تنبأ الأسود بن قيس العنسي باليمن فأرسل إلى أبي مسلم فقال له: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم.

قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما اسمع، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: فأمر بنار عظيمة فأججت وطرح فيها أبو مسلم فلم تضره فقال له أهل مملكته: إن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك، فأمره بالرحيل فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر، فقام إلى سارية المسجد يصلي فبصر به عمر بن الخطاب، فقال: من أين الرجل؟ قال: من اليمن.

قال: فما فعل عدو الله بصاحبنا الذي حرقه بالنار فلم تضره؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب، قال: نشدتك بالله عز وجل أنت هو؟ قال: اللهم نعم، قال: فقبل ما بين عينيه، ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر وقال: الحمد لله لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ، وقيل عن أبو مسلم الخولانى، في زهده قال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم أبو مسلم الخولاني، فإنه لم يكن يجالس أحدا يتكلم في شيء من أمر الدنيا إلا تحول عنه .

فدخل ذات يوم المسجد فنظر إلى نفر قد اجتمعوا فرجا أن يكونوا على ذكر الله تعالى، فجلس إليهم وإذا بعضهم يقول: قدم غلامي فأصاب كذا وكذا، وقال آخر: جهزت غلامي، فنظر إليهم وقال: سبحان الله أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ كمثل رجل أصابه مطر غزير وابل فالتفت فإذا هو بمصراعين عظيمين فقال: لو دخلت هذا البيت حتى ذهب هذا المطر، فدخل فإذا البيت لا سقف له، جلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على ذكر وخير فإذا أنتم أصحاب دنيا.

وعن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى منزله كبر على باب منزله فتكبر امرأته فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته، فإذا بلغ إلى باب بيته كبر فتجيبه امرأته فانصرف ذات ليلة عند باب داره فلم يجبه أحد فلما كان في الصحن كبر فلم يجبه أحد، فلما كان في بيته كبر فلم يجبه أحد، وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ثم أتته بطعامه قال: فدخل فإذا البيت ليس فيه سراج وإذا امرأته جالسة منكسة تنكت بعود معها، فقال لها: مالك؟

فقالت: أنت لك منزلة من معاوية وليس لنا خادم فلو سألته أعطاك فقال: اللهم من أفسد امرأتي فأعم بصره، قال: وقد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت: زوجك له منزلة من معاوية فلو قلت له يسأل معاوية أن يخدمه ويعطيه عشتم، فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها إذ أنكرت بصرها فقالت: ما لسراجكم منطفئ؟ قالوا: لا فعرفت ذنبها، فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي وتسأله أن يدعو الله عز وجل لها يرد عليها بصرها، فرحمها أبو مسلم فدعا الله عز وجل لها فرد عليها بصرها .

وقال الحسن: قال أبو مسلم الخولاني، وكان ذا أمثال، أرأيتم نفسا إذا أكرمتها ونعمتها ذمتني غدا عند الله وإن أنا أهنتها وأنصبتها وأعملتها مدحتني عند الله غدا؟ قالوا: من تيك يا أبا مسلم؟ قال: تيك والله نفسي، وعن شرحبيل بن مسلم، أن أبا مسلم الخولاني كان إذا وقف على خربة قال: يا خربة أين أهلك؟ ذهبوا وبقيت أعمالهم، وانقطعت الشهوة، وبقيت الخطيئة، ابن آدم، ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة، وعن عمير بن سيف، أنه سمع أبا مسلم الخولاني يقول:

لأن يولد لي مولود يحسن الله عز وجل نباته حتى إذا استوى على شبابه وكان أعجب ما يكون إليّ، قبضه مني، أحب إليّ من أن يكون لي الدنيا وما فيها، ويروى عن مالك بن دينار ، أن كعبا رأى أبا مسلم الخولاني، فقال : من هذا؟ قالوا : أبو مسلم، فقال : هذا حكيم هذه الأمة، وروى معمر عن الزهري، قال : كنت عند الوليد بن عبد الملك، فكان يتناول عائشة رضي الله عنها، فقلت : يا أمير المؤمنين، ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام، كان قد أوتي حكمة؟ قال : من هو؟ قلت : أبو مسلم الخولاني، سمع أهل الشام ينالون من عائشة.

فقال : ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه؟ كمثل عينين في رأس، تؤذيان صاحبهما، ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما فسكت، وأُصيب أبو مسلم الخولاني بحمّةٍ زمن خلافة معاوية، وكان في أرض الروم حينئذ، فأوصى أحد أصحابه إن هو مات أن يجعل قبره أقرب القبور إلى منطقة العدو، وأن يحمله في قبره لواء الغزو على جملة قبور من مات من المسلمين، فكانت رغبته أن يلقى الله عز وجل، وهو على تلك الهيئة، وتوفي أبو مسلم الخولانى، سنة أربع وأربعين للهجرة، وقيل سنة إحدى وخمسين من الهجره.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد