العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

نسائم الإيمان ووقفه فى حياة نبى الله موسى ( الجزء السابع )

0

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

لقد ولدت أم موسى نبي الله موسى عليه السلام خفية، وجعلت ترضعه برأفة وحنان وهي واثقة من حفظ الله تبارك وتعالى له، ولما خشيت عليه من كيد فرعون وجنوده السفاحين اتخذت صندوقا وجعلت فيه قطنًا ثم وضعت فيه وليدها الصغير موسى عليه السلام، وربطت الصندوق في حبل وكانت دارها متاخمة لنهر النيل، فكانت ترضع وليدها موسى كل يوم فإذا خشيت عليه من أحد وضعته في ذلك التابوت والصندوق وأرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهب هؤلاء الذين تخشى عليه منهم استرجعته إليها.

وذات يوم أرسلته وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فانطلق الصندوق وفيه موسى الرضيع عليه السلام مع نهر النيل، وانطلق الماء به يرفعه الموج تارة ويخفضه أخرى حتى وصل إلى قصر فرعون، وبينما كانت الجواري في قصر فرعون يغتسلن على ضفاف نهر النيل أبصرن هذا الصندوق فأخذنه وظنن أن فيه مالا وأشياء ثمينة فحملنه على حالته إلى زوجة فرعون ءاسيا بنت مزاحم وكانت من بني إسرائيل، وكانت مؤمنة صالحة تقية على دين الإسلام، وكانت تكتمُ إسلامها خوفًا من فرعون وطغيانه.

فلما فتحت باب التابوت والصندوق رأت فيه طفلا جميلا وسيمًا فألقى الله تعالى محبته في قلبها وأحبته حبا شديدا، فلما جاء فرعون ورءاه أراد قتله وأمر بذبحه فما كان من زوجته ءاسيا إلا أن دافعت عنه وطلبت منه أن لا يقتله لأنها كانت لا تلد، فما كان من فرعون إلا أن أجابها بقوله، إنه يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه، وكان هارون عليه السلام قد بعثه الله تبارك وتعالى معينًا لنبيه موسى عليه السلام حين أراد أن يبعثه إلى فرعون لدعوته إلى الإيمان، وقد دعا موسى عليه السلام ربّه بدعوات حين أمره تعالى أن يذهب إلى فرعون.

وذلك لدعوته إلى الإيمان وقد استجاب الله دعوته، وقد ولد نبي الله هارون عليه السلام بعد ولادة موسى بثلاث سنوات، وفي السنة التي لا يذبح فيها الأطفال أي عام المسامحة عن قتل الأبناء فترك ولم يُذبح، وولد نبي الله موسى عليه السلام في السنة التي يذبح فيها الأطفال، فضاقت أمه به ذرعا خوفا من قتله وأخذت تأخذ حِذرها وحيطتها من أول ما حبلت به، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحمل، ولما قرب وقت وضع الحمل حزنت حزنا شديدًا واشتد غمها وكربها، فألهمها الله تعالى ألا تخاف ولا تحزن لأن هذا المولود سيكون له شأن عظيم.

وأنه سيحفظه من كيد فرعون ثم يجعله من المرسلين، وأمرها الله تبارك وتعالى أن ترضعه، حتى إذا خافت عليه تصنع له تابوتًا وصندوقًا من خشب ثم تضعه فيه وتلقيه في البحر ولا تخاف من الهلاك ولا تحزن لأنه سيكون في حفظ الله ورعايته وكفى به حافظا ووكيلا، وقيل أن قارون الذي ذكره الله تعالى في القرءان هو ابن عم موسى عليه السلام وقيل غير ذلك، وكان من أتباع فرعون مصر الكافرين الذين اتبعوا فرعون على كفره وضلاله، وكان رجلا طاغيًا فاسدًا غرته الحياة الدنيا، وكان كثير المال والكنوز.

وقد ذكر الله تبارك وتعالى كثرة كنوزه وبيّن أن كنوزه كان يثقل حمل مفاتيحها على الرجال الأقوياء الأشداء حتى قيل: إن مفاتيح خزائن كنوزه كانت تحمل على أربعين بغلا، ولكن قارون غرته الحياة الدنيا وغرَّه ما عنده من أموال وكنوز، وطغى وبغى على قومه بكثرة أمواله وافتخرعليهم واستكبر بما آتاه الله تعالى من الأموال والكنوز، فنصحه النصحاء من قومه ووعظوه ونهوه عن فساده وبغيه وقالوا له لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك وتستكبر .

إن الله لا يحب الذين يفتخرون بأموالهم على الناس وقالوا له، وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخره، أي لتكن همتك مصروفة لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة بالإيمان والعمل الصالح فإن هذا خير وأبقى وقالوا له، لا تنسى نصيبك من الدنيا، أي ولا تنس أن تأخذ من الدنيا لآخرتك بالتزود لها والاستعداد كما قال ابن عباس، ثم نصحوه قائلين له، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين، أي أحسن إلى خلق الله كما أحسن الله تعالى خالقهم إليك، ولا تفسد فيهم وتبغ فتعاملهم بخلاف ما أمرت به.

ولكن قارون أجابهم جواب مغتر مفتون مستكبر فقال لهم، قال إنما أوتيته على علم عندى، يعني أنا لا أحتاج إلى نصيحتكم أي أوتيته على معرفة مني وخبرة، ثم أخذ يزداد في بغيه وفساده معتقدًا أن الله سبحانه يحبه ولذلك أعطاه هذا المال الكثير، وخرج قارون يوما متجملا في موكب عظيم من ملابس ومراكب وخدم وحشم فلما رءاه من قومه من هو مغرور بزهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله وغبطوه بما عليه من زينة وما له من كنوز وأموال، فلما علم بمقالتهم العلماء العارفون ذوو الفهم الصحيح والزهاد قالوا لهم.

ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وهمل صالحا، أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى، وبينما قارون في موكبه خسف الله تعالى الأرض به وبداره فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، ولما حلّ بقارون ما حل من خسف وذهاب الأموال وخراب الدار وخسفها، ندم من كان تمنّى مثل ما أوتي وشكروا الله تعالى الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره ويضيقه على من يشاء، وشكروا الله تعالى الذي لم يجعلهم كقارون طغاة متجبرين متكبرين فيخسف بهم الأرض.

ويروى أن الله تبارك وتعالى أمر قارون بالزكاة فجاء إلى موسى عليه السلام من كل ألف دينار بدينار، ثم جمع نفرًا يثق بهم من بني إسرائيل فقال: إنّ موسى أمركم بكل شىء فأطعتموه وهو الآن يريد أخذ أموالكم، فقالوا له: مرنا بما شئت قال: ءامركم أن تحضروا فلانة البغيّ فتجعلوا لها جعلا أي أجرة فتقذفه بنفسها ففعلوا ذلك فأجابتهم إليه، ثم أتى قارون إلى موسى عليه السلام فقال: إن قومك قد اجتمعوا لك لتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم نبي الله موسى عليه السلام.

فقال لهم: من سرق قطعناه ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة جلدة، وإن كانت له امرأة رجمناه حتى يموت، فقال له قارون: إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فقال عليه السلام: أدعوها، فلما جاءت قال لها موسى عليه السلام: أقسمت عليك بالذي أنزل التوراة إلا صدقت، أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا، كذبوا ولكن جعلوا لي جعلا على أن أقذفك، فسجد موسى عليه السلام ودعا الله عليهم فأوحى الله تعالى إليه: مُرِ الأرض بما شئت تطعك، فقال موسى عليه السلام.

يا أرض خذيهم، فاضطربت داره وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين وجعل يقول: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، فلم يزل يستعطفه وهو يقول: يا أرض خذيهم حتى خُسِفت بهم، وروى البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أرسل ملَك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكّه، أي ضربه على عينه، فرجع إلى ربه عز وجل، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن.

قال: فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فلو كنت ثمَّ، أي هناك، لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر، وهنا تننبيه، وهو ما حصل من موسى عليه السلام، لما ضرب عَزرائيل حصل منه وهو لا يعلم أنه مَلَك، بل ظنه صائلا، أي إنسانًا مهاجمًا، فلا لوم عليه، وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر” وقيل: وكان عمر موسى عليه السلام عند وفاته مائة وعشرين سنة، والله أعلم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد