العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يؤكد أن الصلح خير

0
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الصلح خير
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عب القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
نائب رئيس المجلس العربى الافريقى الاسيوى
مما لا شك فيه أن من هداية الله -تعالى- للمؤمنين، ورحمته بهم، أن وحد كلمتهم بالإسلام، وجمع قلوبهم بالإيمان، فلمّ به شعثهم، وأزال ضغائنهم، وشفى صدورهم، فكانوا إخوة في دين الله -تعالى- متحابين متجالسين متباذلين، كالبنيان يشد بعضه بعضا: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
وفي الآية الأخرى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63].
وما من سبيل يزيد من لُحْمَة المؤمنين، ويؤدي إلى ترابطهم وتآلفهم إلا جاءت به الشريعة وجوبا أو ندبا، وما من طريق تؤدي إلى التفرق والاختلاف، والضغينة والشحناء، والقطيعة والبغضاء إلا حرمتها الشريعة، وأوصدت طرقها، وسدت سبلها؛ ولذلك أمرت الشريعة بالبر والصلة، وحرمت العقوق والقطيعة.
وأمرت بإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والحب في الله -تعالى-، والزيارة فيه، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وحفظ حقوق الأهل والقرابة والجيران، وجعلت للمسلم على أخيه المسلم حقوقا يحفظها له، فيؤجر عليها، وأرشدت إلى كثير من الآداب والأخلاق التي من شأنها أن تقوي الروابط، وتديم الألفة، وتزيد في المودة والمحبة بين الناس.
وحرمت الشريعة الهمز واللمز والسخرية، والغيبة والنميمة، والقذف والبهتان، والشتم والسباب، والكذب والمراء، والفجور والجدال، وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي من شأنها أن تسبب الضغائن والخصومات، وتؤجج نيران الأحقاد والعداوات.
ومع كل هذه الاحترازات الشرعية التي يربي الإسلام أهله عليها فإن الإنسان وهو يعيش صخب الحياة ومشكلاتها لا بد أن يعتريه غضب وسهو وغفلة فيعتدي على أخيه بقول أو فعل في حال ضعف منه عن كبح جماح نفسه، وتسكين ثورة غضبه، وحتى لا يتسبب هذا الخطأ منه في الخصومة والقطيعة التي يغذيها الشيطان، وينفخ في نارها؛ رتب الإسلام أجورا عظيمة على الحلم وكظم الغيظ والعفو عن الناس، ووعد الله -سبحانه وتعالى- الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس جنةً عرضها السموات والأرض، وأُمر المعتدي برفع ظلمه، والرجوع عن خطئه، والاعتذار لمن وقع عليه اعتداؤه.
إنها تشريعات ربانية عظيمة جليلة لو أخذ الناس بها لما وجد الشيطان عليهم سبيلا، ولما حلَّت في أوساطهم القطيعة والخصومة، ولكن الشيطان وإن أييس أن يعبده المصلون فإنه لم ييأس من التحريش فيما بينهم، وبث الفرقة والاختلاف فيهم، والنيل منهم بالعداوة والخصومة؛ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن جابر قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم))[رواه مسلم].
ولذا فهو يزين للمعتدي سوء عمله، وإصراره على خطئه، وتماديه في جهله، ويحرض المعتدى عليه على الانتصار لنفسه، وأخذ حقه، والنيل ممن اعتدى عليه وعدم العفو عنه، وحينئذ تدب الخصومة والفرقة التي تتولد عنها الضغينة والقطيعة، وقد يصل ذلك إلى الاعتداء والاقتتال. من أجل ذلك شرع الإسلام إصلاح ذات البين، وأمر الله – تعالى – به، وأعطى عليه أعظم الأجر والأمر بإصلاح ذات البين جاء في قول الله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)[الأنفال: 1].
جاءت هذه الآية في مقدمة الحديث عن غزوة بدر واختلاف المسلمين في توزيع الغنائم الشباب والشيوخ من له الحق في الغنائم لنتعلم الدرس الرباني أن لا نجعل اختلاف على أمر من أمور الدنيا يفرق صفوفنا ويشتت وحدتنا وهم كانوا على قلب رجل واحد في الغزوة؛ فعندما جاء الدنيا تفرقهم فالآليات تدعو إلى وحدة الصف إلا يدخل الضغائن في قلب أحدنا لاختلافنا على أمور دنيوية لا تسمن ولا تغنى من جوع، فبإصلاح ذات البين يبارك الله لهم في غنائم، وإن كانت قليلة فالوحدة رحمة والفرقة عذاب.
إن الإصلاح سبب لقوة الأمة: لأن الأمة المتصارعة، المتفككة يوشك أن تنهار، وأن تلتهمها أمم أخرى؛ فإصلاح ذات البين سبب لقوة الأمة، وصلابتها، وهيبة أعدائها لها وفي الآية الأخرى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)[الحجرات: 10].
ربط في هذه الآية بين الإيمان والأخوة فلا أخوة بغير إيمان ولا إيمان بلا أخوة ومن واجب هذه الأخوة الايجابية والمسارعة إلى لم شمل الأخوة وعدم تفرقهم ونزلت هذه الآية بسبب أن همت طائفتان أن تقتتلان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأصلح بينهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذ يقول الله – تعالى -: (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (9).
وليس ما نراه الآن في مجتمعاتنا العربية من أن هناك من يشعلون فتيل الفتنة الراقدة فيؤدى ذلك إلى انقسام المجتمع على نفسه فيسهل لعدونا اختراقنا، وفي آية ثالثة: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128].
نزلت هذه الآية في سودة ومن مثلها من النساء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَة أَنْ يُطَلِّقهَا رَسُول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّه لَا تُطَلِّقنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَة فَفَعَلَ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة: (وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا) الْآيَة..
هكذا الصلح بين الزوجين الذين هم نواة الأسرة التي هي بدورها نواة المجتمع.
إن من أعظم أنواع الصلح الصلح بين الزوجين المتخاصمين، ولابد للمصلحين من القيام بواجبهم تجاه الأسر المتفككة والسعي في الإصلاح بين الأزواج، خاصة وقد ارتفعت نسبة الطلاق في العالم العربي فنجد إحصائية في مصر تقول: إن هناك حالة طلاق كل ستة دقائق فإلى متى ننتظر .. وقال – تعالى -: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا)[(85) سورة النساء].
قال الإمام القرطبي – رحمه الله -: “من شفع شفاعة حسنة لصلح بين اثنين، استوجب الأجر”[الجامع لأحكام القرآن للقرطبي].
الوساطة بالخير بين الناس كانت كمن دعي إلى خير في المجتمع والاشتغال بالصلح بين المتخاصمين أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات؛ لما في الإصلاح بين الناس من النفع المتعدي الذي يكون سببا في وصل أرحام قطعت، وزيارة إخوان هُجِروا، ونظافة القلوب مما علق بها من أدران الحقد والكراهية، وذلك يؤدي إلى متانة المجتمع وقوته بتآلف أفراده وتماسكهم، روى أبو الدرداء – رضي الله عنه – فقال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة) [رواه أبو داود وصحح ابن حبان].
وإذا كان أحدنا لا يملك المال ليتصدق به فأبشر فإن الله قد فتح لك باب من الصدقات إلا وهو الإصلاح بين الناس يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة))[رواه الشيخان].
قال  الإمام النووي – رحمه الله تعالى -: (ومعنى تعدل بينهما تصلح بينهما بالعدل) لأهمية أن يكون المسلمين صفا واحد حرم على الاثنين التانجى دون الثالث حتى لا يوغر صدره إلا أن يكون غرض المناجي لأحدهما الإصلاح بينهما، وقد ذم الله – تعالى – كثيرا من التناجي إلا ما كان للإصلاح: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء: 114].
وفي الآية الأخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المجادلة: 9].
ومن أعظم التناجي بالبر والتقوى ما كان للإصلاح بين مسلمين قد فسد ما بينهما.
وقد يحتاج المصلح إلى بعض الكذب ليُقَرِّب بين المتخاصمين، ويزيل ما بينهما من الضغينة، ويهيئ قلبيهما لقبول الصلح والعفو؛ وذلك كأن يخبر أحد الخصمين بأن صاحبه لا يذكره إلا بخير، وأنه متشوف لمصالحته، حريص على قربه ومودته مع عدم حقيقة ذلك، أو يسأله أحد الخصمين إن كان خصمه ذكره بسوء عنده فينفي ذلك مع وقوعه منه، وما قَصَدَ بكذبه إلا إطفاء نار الخصومة، وإزالة أسباب الشحناء، فَرُخِّص له في ذلك مع قبح الكذاب، وعموم المنع منه؛ كما جاء في حديث أم كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فَيَنْمِي خيرا أو يقول خيرا))[متفق عليه].
إن الإصلاح بين المتخاصمين مهمة جليلة قد فرط فيها كثير من الناس مع قدرتهم عليها، وكثير من الخصومات تكون أسبابها تافهة، وإزالتها يسيرة، وقد توجد رغبة الصلح عند كلا الخصمين، ولكن تمنعهما الأنفة والعزة من التنازل مباشرة، أو المبادرة إلى الصلح بلا وسيط، فإذا ما جاء الوسيط سهل الإصلاح بينهما؛ لرغبة كل واحد منهما في ذلك، فينال الوسيط أجرا عظيما على عمل قليل، ويؤلف بين قلبين متنافرين.
وما من أسرة أو قبيلة بين بعض رجالها خلاف وقطيعة إلا وفيها رجال عقلاء يستطيعون السعي في إزالة الخلاف والقطيعة، ولكن التقصير والغفلة تحول دون ذلك.
وقد صلحت لهم دنياهم فما عليهم لو اختصم الناس، وأكل بعضهم بعضا!! وهذه أنانية مفرطة، وأثرة بغيضة، وحرمان من خير عظيم قد رتبه الشارع الحكيم على إصلاح ذات البين.
وعندما ندرس سيرة رسولنا الكريم ندرك انه عندما أراد أن يرسخ دعائم دولة الإسلام في المدينة أول ما ابتدأ به هو الصلح بين الأوس والخزرج القبائل المتفرقة حتى يبدأ في العمل في المدينة ولكن لأهمية أن يكون القبائل على قلب رجل واحد وهذا موقف تدخل فيه النبي لإنهاء خصومة كانت بين كعب وابن ابى حدرد على دينا وكذلك جاء في صحيح البخاري – رحمه الله تعالى -: (أن كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في بيته، فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى كعب بن مالك، فقال: يا كعب، فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر -أي: تنازل له عن النصف- فقال كعب: قد فعلتُ يا رسول الله، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للخصم الآخر: قم فاقضه). فكان – عليه الصلاة والسلام – يشير بالصلح، وقد رأى هذا لا يستطيع الوفاء، والآخر يلح في الطلب، فطلب من أحدهما أن يتنازل عن شيء، وطلب من الآخر أن يقضيه الباقي، وهكذا كان – صلى الله عليه وسلم – أيهتم بنفسه بالإصلاح بين الناس وهناك موقف آخر أنه أصلح بين ابنه وزوجها قال – عليه الصلاة والسلام – لفاطمة: ((أين ابن عمك؟)) لماذا لم يقل أين زوجك؟ لأنه أراد أن يذكرها بصلة الرحم، بالعلاقة بينه وبينها: ((أين ابن عمك؟)) أحسَ أن هناك شيئاً، “قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني؛ فخرج، فلم يقل عندي”، “غاضبني فخرج”، ولم ينم القيلولة “لم يقل عندي” ماذا فعل النبي – عليه الصلاة والسلام -؟ “فسأل عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا هو في المسجد راقد” لم يرد علي – رضي الله عنه – أن تتطور الخلافات، أو أن تتفاقم الأمور؛ فانسحب بهدوء، وذهب ونام في المسجد، “فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسحه عنه، ويقول: ((قم أبا تراب، قم أبا تراب))[رواه البخاري برقم (441) بلفظه، ومسلم برقم (2409)] كانت أحب كنية إلى علي – رضي الله عنه – هذه الكنية.
وها هي وصية النبي، فيقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي أيوب: ((ألا أدلك على تجارة؟.قال: بلى.قال: صل بين الناس إذا تفاسدوا، وقرب بينهم إذا تباعدوا))[الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب] جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بعض الصحابة: ((قال يا رسول الله إن أهل قباء اختلفوا)) (روي لنا سهل بن سعد أن أهل قباء اختلفوا وتنازعوا فيما بينهم حتى تراموا بالحجارة، فأُخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بذلك فقال: اذهبوا بنا نصلح بينهم ويكون الإصلاح بين الأقارب والأرحام، حُدِّثَتْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لأحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَم. قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا، فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتْ الْهِجْرَةُ فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ لا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا وَلا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَقَالَ لَهُمَا أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي، فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَال: السَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُل؟ قَالَتْ عَائِشَة: ادْخُلُوا، قَالُوا كُلُّنَا. قَالَت: نَعَم ادْخُلُوا كُلُّكُمْ. وَلا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ وَيَقُولانِ إِنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنْ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا وَتَبْكِي وَتَقُول: إِنِّي نَذَرْتُ وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ فَلَمْ يَزَالا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا” [أخرجه أحمد 4/327(19129) و”البُخَارِي” 8/25(6073].
ولكن هناك آداب للمصلح يجب أن يتبعها في الإصلاح.
1- الاحتكام في الخصومة للشرع: قال – تعالى -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[(36) سورة الأحزاب]. والنزول على قوله، قال – تعالى -: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)[النساء: 65].
يقول الشيخ الشعراوي: “لا بد أن نستقبل الإيمان بالإقبال على كل ما جاء به رسول الله، فساعة حكّم المنافقون غيره برغم إعلانهم للإسلام جاء الحكم بخروجهم من دائرة الإيمان، وعلى المؤمنين أن يتعظوا بذلك. ونلحظ في قول الحق: (فَلاَ وَرَبِّكَ) وجود « لا » نافية، وأنه – سبحانه – أقسم بقوله: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ)، ونعلم أن المنافقين قد ذهبوا فحكَّموا غير رسول الله، مع أنهم شاهدون بأنه رسول الله فكيف يشهدون أنه رسول الله، ثم يحكمون غيره ولا يرضون بقضائه؟ وتلك قضية يحكم الحق فيها فيقول: لا. هذه لا تكون أبداً. إذن ف « لا » النافية جاءت هنا لتنفي إيمانهم وشهادتهم أنه رسول الله؛ لأنهم حكَّموا غيره. فإذا ثبت أنهم شهدوا أنه رسول الله ثم ذهبوا لغيره ليقضي بينهم إذا حدث هذا. فحكمنا في القضية هو: لا يكون لهم أبداً شرف شهادة أنه رسول الله.
2- الاعتدال في الخصومة وعدم الإغراق بها، واتركْ للصلح موضعاً.
إذ يقول الله -عز وجل- في قصة داوود عندما دخل عليه الخصمان قال -تعالى-: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ). ((كفى بك إثماً ألا تزال مخاصماً)) [الترمذي]: ((أبغض الرجال إلى الله الأَلَدُّ الخَصِم))[مسلم]، أي شديد الخصومة.
وقديماً قالوا: صلح خاسر خير من قضية رابحة، وحدَّث أحد أساتذة الحقوق المعمرين عن واحدٍ من القضاة أنه في القصر العدلي خصومات يترافع عنها الآن وَرَثَةُ الورثة قيل لأبي سفيان – رضي الله عنه -: ما بلغ بك من الشرف؟ قال: ما خاصمتُ رجلاً إلا جعلتُ للصلح موضعاً.
وقال ابن شُبرمة (القاضي الفقيه): من بالغ في الخصومة أَثِم.
وقال سيدنا أبو الدرداء: من كثرت خصومته لم يسلم دينه، وقالوا في صفات الأحمق أنه كثير الخصومة، وقال الله -تعالى- في وصف المنافقين: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) [الزخرف: 58]
3- لا تأخذ في الخصومة غير حقك، ولو حَكمَ به مَنْ حكم. فلعلك تقع على محامٍ نِحرير يجلب لك من خصمك حقك وزيادة، فخذ حقك ورُدَّ الزيادة، ولعل خصومتك تصل إلى قاضٍ بينك وبينه صلة فتأخذهُ صلةُ القرابة أو الصحبة فيحكمُ لك بحقكَ ويزيدك، فخذ حقك ودع الزيادة.
ولعلك ترفع ظُلامتك لشيخ الشيوخ وأتقى الأتقياء فيحكمُ لك، وأنت تعلم علم اليقين أن الأمر عليك لا لك، فلا تأخذ إلا حقك ولا تتوانى أن تؤدي لخصمك حقه ولا تقل هكذا حكم لي القاضي أو الشيخ الفلاني فإن ذلك لا يعذرك أمام الله -تعالى- قال تعالى: (ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة 188].
أن رجلين جاءا يختصمان إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – في مواريث بينهما قد دَرَسَت، ليس عندهما بينة، فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون أَلْحًنَ بحجته من بعض فأقضي نحو ما أسمع، فَمَنْ قضيتُ له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعةً من النار)) فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقي لأخي، فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((أما إذا قلتما، فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليُحَلِّل كلُّ واحدٍ منكما صاحبه)).. قال قتادة: اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يُحلُّ لك حراماً، ولا يُحقُّ لك باطلاً… واعلموا أن من قُضيَ له بباطلٍ في خصومته لم تنقضي حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للمحق بأجودَ مما قُضيَ به للمبطل على المحق في الدنيا.
ولقد علمنا النبي، – صلى الله عليه وسلم – كيف تستخدم الموعظة في الإصلاح، ففي حديث البخاري عن عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أنها قالت: سَمع رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم – صوْتَ خُصومٍ بالْبابِ عالِية أَصواتُهُم، وإِذا أَحدُهُما يَستوْضِعُ الآخرَ ويَسْتَرْفِقُهُ في شيءٍ وهو يَقول: واللَّهِ لا أَفْعلُ فخرجَ عليْهِما رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: فقال: ((أيْن الْمُتَألّي على اللَّهِ لا يفعَلُ الْمَعْرُوف؟)) فقال: أنا يا رسول اللَّهِ، فلَهُ أَيّ ذلك أَحَبّ)).
ومعنى: (يستوضع الآخر) أي يطلب منه الوضيعة، أي الحطيطة من الدَّين، (ويسترفقه) أي يطلب منه الرفق به. [أخرجه البخاري، ومسلم].
روى مسلم عن عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه))[مسلم: 2594″].
4- ضبط اللسان في الخصومة وفق الشرع: فأكثر ما يقع الخصوم في أعراض بعضهم وفي تنقيص بعضهم وفي سبٍ وفُحشٍ، وبذاء، قال رسول الله: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً: إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فَجَر، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يَدَعَها))[البخاري ومسلم وغيرهما].
ومعنى: (فَجَر) أي انبعث في المعاصي والمحارم.
من تصدى للإصلاح بين الناس فعليه:
1- أن يخلص نيته لله – تعالى -: ولا ينشد ثناء الناس وشكرهم؛ فإن هذه المهمة الجليلة مظنة للسؤدد والرفعة والثناء، وقد يدخل الشيطان من خلالها على العبد فيفسد نيته، والله – تعالى – يقول في الإصلاح بين الناس: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114]. ويقول -عز وجل-: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً) أي أن يريد الحكمين في إحدى الأقوال إذا كانت نيتهم الحقيقية الإصلاح وليست وظيفة فقط لكانت النتيجة طيبة: (يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35]. فال – تعالى -: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[(35) سورة النساء].
قال الرازي: وفي هذه الآية وجوه، الأول:
إن يرد الحكمان خيرا وإصلاحا يوفق الله بين الحكمين حتى يتفقا على ما هو خير.
الثاني: إن يرد الحكمان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين.
الثالث: إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين.
الرابع: إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح، ولا شك أن اللفظ محتمل لكل هذه الوجوه. [راجع: تفسير الرازي 1/ 597].
فليجعل المصلح شعاره قول الله – تعالى -: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[سورة: هود: 88].
2- أن يستعين بالله -سبحانه- على مهمته، ويسأله تأليف قلبي صاحبيه، وإلانتهما لقبول مبادرته؛ فإن القلوب بيده -عز وجل- يقلبها كيف يشاء، وهو يقربها ويباعدها، ولا عون له في صلحه إلا بالله – تعالى -.
وعلى الساعي بالإصلاح
3- أن يتحرى العدل في صلحه؛ فلا يميل لأحد الخصمين لقوته ونفوذه، أو لإلحاحه وعناده، فيظلم الآخر لحسابه، فيتحول من مصلح إلى ظالم، ولاسيما إذا ارتضاه الخصمان حكما بينهما فمال إلى أحدهما، وقد أمر الله -تعالى- بالعدل بين الخصوم في قوله -سبحانه-: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) [الحجرات: 9].
وإذا تأملنا قصة داود مع الحكمين إذ يقول المولى -عز وجل-:
4- ليتسلح في إصلاحه بالعلم الشرعي: أو سؤال أهل العلم ما يحتاج إلى سؤال؛ فإن كان الخلاف على مال أو إرث أو أرض فلابد أن يعرف حكم الشريعة في ذلك قبل أن يُقْدِم على الصلح، وله أن يُقَرِّب بين الخصمين، ويقنعهما بالصلح، ثم يختار لهما حكما من أهل العلم يرضيانه. وإن كان الخلاف بين زوجين فلا بد أن يعلم بالحقوق الشرعية للزوجين؛ ليتبين الظالم من المظلوم، والمخطئ من المصيب، فينبه الظالم على ظلمه، ويدل المخطئ على خطئه.
ومن فقه المصلح:
5 5 – أن يختار الوقت المناسب للصلح: فلا يبادر إلى الصلح عقب التشاتم والتعارك والتقاتل، بل يتربص بقدر ما يسكن الخصمان، ويعودان إلى رشدهما، وتذهب سورة الغضب، وتضعف دواعي الانتقام، فيلقي بمبادرته إليهما.
وأن يحذر من فشو الأحاديث وتسرب الأخبار والتشويش على الفهوم مما يفسد الأمور المبرمة والاتفاقيات الخيرة، لأن من الناس من يتأذى من نشر مشاكله أمام الناس، وكلما ضاق نطاق الخلاف كان من السهل القضاء عليه.
وأن يحسن الإنصات والاستماع للخصوم..
التصور الواضح والمتكامل للقضية المتخاصم عليها:
فقبل التقدم بالمبادرة والنصح.
ينبغي على من يقوم بالإصلاح أن يتصور القضية المتخاصم عليها تصوراً واضحاً ومتكاملاً، ولا يتحقق ذلك دون الاستماع إلى الطرفين المتخاصمين وإعطاء كل منهما الفرصة في التعبير والإفصاح عما في داخله من خلال الجلوس مع كل طرف على حدة.
وفي هذا السياق فإن إجادة المصلح لحسن الاستماع تلعب دورا فاعلا في إفراغ النفوس من الغيظ والضغط، فيسري فيها شعور بالارتياح والهدوء. قيل: إن الأرنب التقت تمرة، فاختلسها الثعلب، فأكلها فانطلقا يختصمان إلى الضب، فقالت الأرنب: يا أبا الحسل، فقال: سميعا دعوت، قالت أتيناك لنختصم إليك قال: عادلا حكمتما، قالت: فاخرج إلينا، قال: في بيته يؤتي الحكم قالت: إني وجدت تمرة قال: حلوة فكليها، قالت: فاختلسها الثعلب قال: لنفسه بغي الخير، قالت فلطمته، قال: بحقك أخذت، قالت فلطمني، قال: حر انتصر، فاقض بيننا قال: قد قضيت.
4- اختيار الوقت المناسب للصلح:
5- أن يختار من الكلام أحسنه: ويرقق قلبيهما، ويبين لهما حقارة الدنيا وما فيها فلا تستحق أن يتعادى الإخوان من أجلها، ولا أن تقطع القرابة بسببها، ويذكرهما بالموت وما بعده من الحساب، وعليه أن يعظهما بنصوص الكتاب والسنة فإنهما أعظم زاجر للمؤمن، فيذكرهما بأن أعمالهما الصالحة موقوفة عن العرض على الله – تعالى -، وأنه – سبحانه – يُنْظرُهما إلى أن يصطلحا؛ كما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا))[رواه مسلم].
فإن كانت الخصومة بينهما قد أدت إلى قطيعة رحم بيَّن لهما عظيم ما وقعا فيه من القطيعة، وأن الجنة لا يدخلها قاطع، وأن الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله – تعالى -، ومن قطعها قطعه الله – عز وجل – كما جاء في الأحاديث.
وإن تهاجرا بسبب خصومتهما ذكرهما بخطر هجر المسلم، وأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام.
وإن كانت الخصومة بين زوجين بيَّن لكل واحد منهما حقوق الآخر عليه، وذكرهما بقول الله – تعالى -: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35].
فإن احتج أحد الخصمين بأنه نذر أن لا يتنازل، أو حلف على أن لا يصالح، وهذا يقع كثيرا بين الغرماء والمتخاصمين، فيدعوه إلى أن يُكِّفرَ عن يمينه، ويصالِحَ أخاه، ويحتجُ عليه بقول الله – تعالى -: (وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 224].
قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: “هو الرجل يحلف أن لا يصل قرابته فجعل الله له مخرجا في التكفير، وأمره أن لا يعتل بالله وليكفر عن يمينه”.
وروى أبو هريرة – رضي الله عنه – فقال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه))[رواه مسلم].
ولا شك في أن الصلح خير من الشقاق، والصلة أفضل من القطيعة، والمودة أولى من الكراهية. ومن سعى بإصلاح ذات البين فإنه يجب على الناس تأييده وتشجيعه: بالقول والفعل، ومعونته بما يحتاج من الجاه والمال؛ فإن إصلاح ذات البين يعود على الجميع بالخير والمحبة والألفة، كما أن فساد ذات البين يضر المجتمع عامة بما يسود فيه من الأحقاد والضغائن والجرائم والانتقام.
ومن سعى إليه أخوه بالإصلاح فليقبل منه، وليعنه عليه، وليكن خير الخصمين، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
إذا كان المتدخل في الخصومة غير عاقل لا يحسن التصرف، فإن إفساده أكثر من إصلاحه، وهذا أمرٌ مشاهد، فإن عدداً من الناس يتدخل في القضية لأجل الإصلاح بزعمه، فإذا به يبعد النجعة، ويباعد الشقة، ويتسبب في مزيدٍ من الفرقة، ويحصل الكثير من الخلاف بعد أن كان شيئاً محدوداً، فإذا به يستشري وينتشر.
– الصبر وعدم اليأس من الإصلاح: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: ((رد الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن))[من تفسير القرطبي: ج5 ص384)].
ولا يجعل المصلح من نفسه خصماً لأحد المتخاصمين، فلربما اصطلحا وبقي العداء له، كما قال الشاعر:
كم صاحبٍ عاديتهُ في صاحبٍ *** فتصالحا وبقيتَ في الأعداءِ
اتباع الهوى في الخصومة، ولقد حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الهوى في الخصومة لأخذ ما لا يحل له، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ قِطْعَةً، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ))[أخرجه ابن أبي شَيْبَة 7/234(22965) و”أحمد” 2/332(8375) و”ابن ماجة” 2318 و”ابن حِبَّان” 5071)].
فالمصلح كالقاضي يحكم بحسب الظاهر، تاركا إلى الله أمر الخفايا والسرائر، وقضاؤه بحسب الظاهر، لا يجعل الحرام في الباطن حلالا، قال – تعالى -: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[(188) سورة البقرة].
الدعاء وسؤال الله التوفيق:
فمهما بلغ الإنسان من الكياسة والفطنة، والسياسة، وحسن التصرف – فإنه لا يستغني عن توفيق الله ولطفه، وإعانته؛ فليلجأ المصلح إلى ربه وليسأله التوفيق، والتسديد، واللطف، فإنه – عز وجل – يجيب من دعاه، ويعين من استعان به: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60)]..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد