التأصيل الفلسفي لثورة الثلاثون من يونيو المصرية
د. محمود محمد علي
عضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط
يقوم التأصيل الفلسفي لثورة الثلاثون من يونيو المصرية علي عدة أفكار ومفاهيم تعمل الفلسفة على تأصيلها في وجدان وعقول النشئ منذ نعومة أظفارهم مثل : العدالة، الحرية، الواجب، الضمير، العولمة.
العدالة: هي أهم القيم الأخلاقية قاطبة، هي شعار كل الأحزاب السياسية قبل وبعد الثورة ، حيث أنها تعمل على تحضر المجتمع الإنساني ورفاهيته، بل هي الأصل في قيام المجتمعات، رأها المصري القديم في المساواة في المعاملات الإنسانية اليومية وأمام القانون وجوهرها المساواة وعدم التمييز، وقد صوروا العدالة كامرأة معصوبة العينين تمسك بيدها ميزان العدالة ، تلك الصورة الباقية حتى اليوم، ورأها أفلاطون فضيلة فردية واجتماعية وهي ثابتة وخالدة، وأنها أساس قيام الحياة الاجتماعية في الفرد والمجتمع.
ولذلك كانت العدالة مطلب كل الشعوب، وشعاراً أساسياً لكل الأحزاب والجماعات والسياسية الدينية على السواء، وكلها أكثر اهتماما بالعدالة الاجتماعية التي تعمل على تقريب الفوارق الاجتماعية بين البشر والعمل على التوفيق بين حاجات الإنسان وقدراته ، وإتاحة مبدأ تكافؤ الفرص عند تساوي القدرات والمواهب ،وتيسير الأسباب المؤدية إلى المساواة (مثل الصحة والتعليم والثقافة العامة…..إلخ ) وتحقيق ظروف عامة لحياة متشابهة لجميع المواطنين.
إن ما تسعى إليه العدالة الاجتماعية الحقيقية هو تعويض البشر عن الضعف وعن الهزيمة وعن قلة الحيلة تجاه القوة والغلبة والسلطة ، وبفضل العدالة الاجتماعية يتحقق الاستقرار الاجتماعي ، وتتقدم حياة البشر اقتصاديا واجتماعياً وبدونها يكون الظلم والجبروت والغضب والاحتقان والتوتر ومن ثم الثورات العارمة للشعوب.
الواجب : ليست كلمة الواجب بالاصطلاح الفلسفي الذي يستغلق فهمه على أذهاننا، فإننا نتحدث في الحياة العادية عن واجبات الآباء نحو أبنائهم، وواجبات الحاكم نحو المحكومين ، وواجبات المواطنين نحو وطنهم ، وواجبات البشر جميعاً نحو الإنسانية …إلخ .
فالواجب الأخلاقي في حقيقته لهو تكليف إلزامي ليس من حقنا أن نناقشه أو نتهاون في الاستجابة له، فهو أمر أخلاقي لا يحتمل قيداً أو شرطاً ؛ لأنه ضرورة تفرضها علينا طبيعتنا الإنسانية بوصفنا كائنات عاقلة حرة . ولذلك ساعد الواجب بمفهومه الفلسفي في إثارة الأفراد ضد من حولوا الواجب إلى تكليف يمكن مناقشته والتهاون في الاستجابة له، بل قلبوا معناه إلى الضد ، فصارت الرشوة واجباً وصارت المحسوبية أيضاً واجباً، فكانت النتيجة ثورة عارمة لازمة.
الضمير : قوة فطرية كامنة داخل الإنسان وهي التي تلزمه بضبط نزواته والحد من جموح أهوائه وشهواته وتوجهه إلي حيث ينبغي أن يسير ، إنه قوة فطرية تدين بطبيعتها الخيانة والكذب ونحو ذلك من الرذائل حدسياً تلقائياً ، وتمتدح تلقائياً الأمانة والشجاعة والصدق ونحوه من الفضائل بدون تفسير عقلي معقد ، ويمثل الضمير حقيقة قصوى من حقائق الطبيعة البشرية فهو مشترك لدى الناس جميعاً وإن تفاوت نصيب الناس من قوة وضعف ، وله وظيفتان الأولى تحليلية نظرية تعمل على تمييز الصواب من الخطأ ،ما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله، التمييز بين الخير والشر ،أما الثانية فهي الوظيفة الآمرة الناهية فهي تأمر بأداء الفعل التي تستحسنه وتنهى عن أداء الفعل التي تستقبحه ، وبذلك يمكن وصفه بأنه ثورة أخلاقية باطنية تقود مباشرة إلى الثورة السياسية وغيرها .
العولمة : ظهرت العولمة استجابة لحلم إنساني قديم لعله بدأ منذ زمن بعيد مع الفلاسفة والحكماء والأنبياء الذين كانوا يلتمسون مبدأ أو عقيدة دينية واحدة من شأنها أن تحرر النفوس من الحدود المحلية أو القومية البحتة ويجعلها متاحة للناس كافة في كل مكان، وعلى هذا النحو ابتكروا صلة بين ضمير الفرد والإنسانية كلها. وبالرغم من أن العولمة ما زالت في مرحلة التكوين إلا أنه يمكن تعريفها بأنها حرية انتقال وتدفق المعلومات ورؤوس الأموال والسلع والتكنولوجيا والأفكار والمنتجات الإعلامية والثقافية والبشر أنفسهم بين جميع المجتمعات الإنسانية. أو باختصار أن يصبح العالم من خلال العولمة قرية صغيرة ، ساعد على ذلك الثورة التكنولوجية في العالم وسيولة وتدفق المعلومات عن طريق الأقمار الصناعية وشبكات الانترنت، وسهولة الاتصال بين أرجاء العالم ، فظهرت العولمة بمظاهرها المختلفة الاقتصادية والثقافية والسياسية. ورغم ايجابيات وسلبيات العولمة المتداخلة والمقلقة، إلا أن هذا الموضوع يفجر الثورة ويدعو إليها ، ينبه إلى الخطر من خلال السلبيات التي تدعو إلى الرعب والفزع ، ثم تعقب على كيفية التعامل معها من خلال إصلاح الاقتصاد ووسائل الإعلام والتعليم والثقافة .
فعندما ينظر الشباب إلى ذلك الاقتصاد المهلهل الذي يتجه إلى الخصخصة بكل قوة، بل يشاهد ذلك الانهيار المتواصل لاقتصاد بلاده، وذلك التخبط في التعليم والثقافة، كل سنة تجربة مختلفة، وكل وزير يأتي إلى وزارة التربية والتعليم وكأنه يأتي من كوكب أخر، لا علاقة له بالتعليم ومشكلاته من قريب أو من بعيد، فلا تربية ولا تعليم ، أما الإعلام فيسيطر عليه الأفاقون والمنافقون الذين لا هم لهم سوي تمجيد الحاكم وحاشيته الفاسدة ، هذا الأمر نبه الشباب بأن وضعنا لا يسمح لنا بدخول عصر العولمة المحتوم ، فلا اقتصاد يقوى على المنافسة ولا تعليم متقدم ولا ثقافة ولا إعلام على قدر المسئولية الضخمة ، بل إعلام مسيس . ونحن لا محالة على وشك حصد السلبيات لا الإيجابيات، فكان درس العولمة في صميمه دعوة صريحة إلى الثورة وإلى التغيير وتعديل الوضع القائم .
الحرية : هي مشكلة المشاكل في الفكر والدين والفلسفة والسياسة ، وهي القدرة التي تميز الكائن الحي العاقل الذي يصدر في أفعاله عن إرادته هو لا عن إرادة أخرى غريبة عنه ، ولعل أكثر تعريفات الحرية قبولاً هو ذلك التعريف الذي يرى أن الحرية ” هي اختيار الفعل عن روية وتدبير مع إمكانية عدم اختياره أو القدرة على اختيار هذا الفعل أو نقيضه” والحرية تقابلها الجبرية، والجبرية تعني عجز الإرادة العامة للإنسان عن الاختيار والتحكم في سلوك وأفعال صاحبها ، وأنها قاصرة عن توجيه مجرى الأحداث.