نسائم الإيمان ومع السيده فاطمه بنت النبى
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
من كرامة النبي عند الله عز وجل ، أن جعل له أهل بيت أطهار، ومن كرامة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عند الله أن الله اختاره، واختار له أصحابه، ومن كرامة المؤمن الآن ، أن يكون حوله مؤمنون على شاكلته، يعرفون قدره، ويعرفون علمه، يعرفون خلقه، يعرفون ورعه، يعرفون محبته لله عز وجل .
إن السيدة الفاضلة هي من يرضى عنها الله سبحانه وتعالى ، وتكون مقبولة عنده بقبول حسن تفوز بجنَّة النعيم التي وعد الله بها عباده المتقين، ولا بدَّ من التنويه أن نساء الجنة تتفاوت مكانتُهنَّ ويتفاضلن فيما بينهن، وأفضل نساء أهل الجنّة أربعة نسوة وهن: خديجة بنت خُويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسيا امرأة فرعون .
ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أفضلُ نساءِ أهلِ الجنةِ خديجةُ بنتُ خويلدٍ، وفاطمةُ بنتُ محمدٍ، ومريمُ بنتُ عمرانَ، وآسيةُ بنتُ مُزاحمٍ امرأةُ فرعونَ”، فالسيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هي إحدى سيدات الجنه ، وذلك لورعها وتقواها وصبرها واحتسابها .
فكانت الابنة الرابعة للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم ، السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها ، فهي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمُّها خديجة أمُّ المؤمنين، كانت أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سيدة النساء في زمنها، وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع، والسيدة فاطمة رضي الله عنها إحدى هؤلاء الأربع .
والسيدة فاطمة الزهراء كانت واحدة زمانها، وعظيمة دهرها، لما تهيأ لها من الكثير من مشاهد النبوة والوحي، فقد صحبت أباها من نعومة أظفارها إلى أن فارقها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم, يوم التحق بالرفيق الأعلى، على مدى ربع قرن .
ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها الإمام علي كرم الله وجهه في ذي القعدة من سنة اثنتين بعد وقعة بدر، ولها من الأولاد الحسن، والحسين، والمحسن، وأم كلثوم، وزينب، أبناء علي بن أبي طالب، وكان عليه الصلاة والسلام يحبها، ويكرمها، ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت رضي الله عنها صابرة، دينة، خيرة، قانعة، شاكرة لله عز وجل، وقد غضب لها النبي عليه الصلاة والسلام, لما بلغه أن أبا الحسن هم ولم يفعل بما رآه سائغاً من خطبة بنت أبي جهل.
وكانت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها أصغر بنات النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم وقد صاحبت أبيها دهرًا طويلًا ، حيث توفيت جميع أخواتها في حياة النبيِ فآزرت أبيها وناصرته عندما آذته صناديد قريش، وقد طرحت سلا الجزور عن ظهر رسول الله صلى الله عليهم وسلم ، بعد أن وضعها عقبة بن أبي معيط أثناء انشغال النبيِ في صلاته
كما أنَّها قامت بشتم كفار قريش على فعلتهم ، وطالبت السيدة فاطمة الزهراء بنصيبها من ميراث أبيها بعد وفاته من أبي بكرٍ إلَّا أنَّ أبا بكرٍ رفض ذلك ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا نُورِّثُ ما تركنا صدقةً”، فهجرت السيدة فاطمة أبا بكرٍ حتى تُوفيت، إلَّا أنَّ أبا بكرٍ ترضَّاها حتى رضيت .
وذكر هذه السيدة الجليلة ، يعطر المجالس، الكمال رائع في المرأة الوفية، المرأة المحبة، المرأة خفيفة المؤنة، كثيرة البركة، المرأة التي تسعى لإسعاد زوجها، المرأة التي ترضى من زوجها كل قليل، المرأة التي تحب الله .
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لم يزوجها إلا لرجل كفء لها، والكفاءة في الزواج مهمة جداً، أحياناً فتاة تحفظ كتاب الله ، فلا ينبغي أن تُزوج لشاب شارد ، لا يعرف قيمة دينها، ولا قيمة ورعها، آباء كثيرون تزل أقدامهم حين لا يزوجون بناتهم لمن كان كفئًا لهن .
فهذه السيدة رضي الله عنها لها من البلاء في الإسلام ما كان لها، ولها من التضحية في سبيل الله ما كان لها، ولها من معايشة الدعوة الإسلامية من بدايتها مثل ما لها ، ومن كان زوجها؟ هو ربيب النبي عليه الصلاة والسلام الذي رباه، وحامل لوائه، وناصره على أعدائه، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا غرابة أن الله تعالى يباهي جميع خلقه بفاطمة ابنة حبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما حباها من تلك الخصال والصفاء .
وسيدنا علي لم يكن ليتقدم لخطبة فاطمة من أبيها إلا على وجل شديد لما يعلم ما لها من المكانة العظيمة عنده صلى الله عليه وسلم، وما لها من الحب الكبير في نفسه الشريفة، فكان يتحين الفرص المواتية ليتقدم إليه بهذا الطلب الغالي، وطال انتظار علي سنين عددًا، حتى إذا خامره الرجاء في تحقيق رغبته بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، أمسك أيضاً ، لأنه لا يملك مهرها، فقير، وليس في يده مال، ثم زاد إحجامه ، حينما بلغه أن الصحابيين الجليلين خطباها .
وهما سيدنا أبو بكر خطبها، وسيدنا عمر خطبها، وهو فقير ، لا يملك نقيرًا ولا قطميرًا، إلا أنه ابن عمها، وحين شعر الصحابة برغبة علي في خطبة فاطمة ، شجعه على مراده بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يزيده في الترغيب بما له من قرابة النسب، ومنزلة أبويه من قلبه الشريف، أبوه أبو طالب، وأمه فاطمة بنت أسد، وكانت أول هاشمية تلد هاشمي، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم حين كفله عمه أبو طالب أماً بعد أمه .
ويوجد هناك مداخلات، قرابة شديدة، مكانة عالية، فوقف علياً رضي الله عنه ملياً يفكر، هو بحق أجدر الناس بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه كان قد تربى، وعاش في حجر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولم يفارقه ، فزاد هذا في أمله، فتشجع ، وطلب من النبي فاطمة .
وتم زواجهما على بركة الله تعالى، وكان عمر العروس فاطمة يوم زواجها من علي بن أبي طالب ثمانية عشر عاماً، وكان علي زوجها ستة وعشرين عاماً، فكانا قريبين من أحلام أمثالهما، غير أنهما كانا منصرفين إلى ما هو أسمى من كل ذلك، إنهما تابعا السير في سبيل نشر الدعوة .
وما العمل الذي كانت تقوم به فاطمة حينما يكون زوجها غائباً عن البيت ، وكيف كانت تستقبله حينما يأتي إليها ؟ فهذا علي رضي الله عنه ينصرف مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته، وهذه فاطمة تستمر في نهجها بين نسوة الأنصار، والمهاجرين، وفتياتهم، تبث فيهم روح الدعوة الإسلامية المنفتحة، الممتدة في ربوع الحجاز، وكان زوجها علي بن أبي طالب لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً .
ولم تكن حياة السيده فاطمة في بيت زوجها مترفة، ولا ناعمة، شأنها في ذلك ، شأن حياتها عند أبيها قبل زواجها، حياة خشنة، والحياة الناعمة لا تصنع الرجال، ولا تصنع البطلات ،
وسيدنا علي ، حينا شُغل بالجهاد مع رسول الله ، شُغل عن جمع المال، والاتجار به.
فكان حال سيدنا علي واضحًا للسيدة فاطمة، وكانت تعلم أن علياً لم يكن ثرياً، فلذلك لم تفاجأ بالجهاز التي جُهزت به، كان مؤلفاً من خميلة ووسادة ، حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين ، وتلك الصحابية خميلة ووسادة ، حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين، وشيء من العطر، وهي في هذا راضية كل الرضا، لأن هذا الزواج كان برضا أبيها، لذلك كانت فاطمة سعيدة كل السعادة في بيت زوجها علي رضي الله عنه على ما كانت عليه من شظف العيش .
فقد كانت فاطمه مع النبي، وشهدت كل أحداث الدعوة، وشهدت معاناة النبي في مكة، شهدت الهجرة، شهدت الغزوات، كل المعاناة التي عاناها النبي كانت إلى جانبه، كانت معه، كانت ترى بعينيها تطور البعثة من حال إلى حال، لذلك كانت رضي الله عنها شديدة الحزن على أبيها عليه الصلاة والسلام، فهي لم تعرفه إلا نبياً مرسلاً من عند الله تعالى .
وهي دون الرابعة من عمرها، فلم تكد تعي على الدنيا إلا ويملأ سمعها أحداث تبليغ الدعوة ونشرها، وبثها بين جموع قريش، ولازمت النبي، وشهدت كل شيء، شاركته في كل شيء، عانت كل شيء، لذلك قال علماء السيرة: كانت أشد عزماً من أخواتها، وأكثر وعياً لما جرى، ويجري من أحداث ، واكبت دعوة التوحيد والإيمان .
إن مكانة السّيدة فاطمة رضي الله عنها لكبيرة، فهي من أحبّ النّاس إلى رسول الله وأقربهم إلى قلبه، وهي سيّدة نساء الجنة كما بشّرها النّبي عليه الصّلاة والسّلام، وعندما مرضت رضي الله عنها طلبت من أسماء بنت عميس أن تصنع لها شيئاً يسترها بعد مماتها؛ لأنّها كانت شديدة الحياء، فصنعت لها أسماء من جريد رطب مثل النّعش فسترت فيه رضي الله عنها وقام بتغسيلها زوجها الإمام علي ودفنها ليلاً في مدافن البقيع بعد الصلاة عليها.