نسائم الإيمان ومع شيخ الإسلام إبن باز
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم حلية الأولياء، فبهم تستنير الديار، ويدعى إلى عبادة العزيز الغفار ، وهم دواء لكل داء، ونور في الظلماء، سلطانهم قاهر، ودليليهم باهر ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وإن العالم ليستغفر له مَن في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر” رواه الترمذي .
فالعلماء هم أعظم الناس خشية للرحمن، وأكثرهم بركة على أهل الإيمان، وقد خصهم الله باستنباط الأحكام، وميزهم بضبط الحلال والحرام ، وبين أيدينا شيخ من شيوخ الإسلام ، ألا وهو الشيخ إبن باز ، وهو عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز، وكنيته أبو عبد الله، وقد وُلد في مدينة الرياض، عام ألف وثلاثمئة وثلاثين .
وقد تعلم مبادئ العلوم، وبدأ بحفظ القرآن الكريم منذ طفولته عند الكتّاب، وعُرف بالتقى، والعلم منذ صغره، وتعود أصول العائلة إلى المدينة المنورة التي انتقلوا منها إلى الدرعية ثم إلى حوطة بني تميم قبل أن يستقر بهم المقام أخيرا في الرياض .
وفي الرياض تلقى ابن باز تعليمه على يد عدد من العلماء، منهم الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ الذي حرص على ملازمته، وأخذ عنه العلم الكثير في مجال الفقه، والعقيدة، والحديث، وقد أتم رحمه الله حفظه للقرآن الكريم قبل البلوغ.
ويقال أن سيرة الشيخ ابن باز رحمه الله، كانت مليئة بالبذل والعطاء، وذلك ما جعل حبه في قلوب الناس في شتى أنحاء العالم يتزايد، فمحبة الناس لا تُشترى بالمال، ولا بالتزين الأجوف الذي لا ينبع من قيم راسخة، ومبادئ ثابتة، وإنما هي هبة من الله عز وجل لعباده الصالحين.
وكان إبن باز أبا للمحتاجين والفقراء، يُواسيهم بماله وجاهه، بالإضافة إلى العديد من المشاريع الخيرية، والمساجد، وصروح العلم، حيث كان له دور في إنشائها داخل البلاد وخارجها، عن طريق الدعم برأيه وجاهه لدى أرباب الأموال والمسؤولين ، واشتهر ابن باز رحمه الله ، بتفقد أحوال المسلمين مهما بعدت بلادهم أو قربت، وبالشعور بآلامهم.
وكذلك الحرص على متابعة أخبارهم، وعلى الرغم من مهامه ومسؤولياته الضخمة في خدمة العلم، إلا أنه كان دائما يهتم بقضايا المسلمين، ويُساهم في حل مشكلاتهم، وكان شعاره أن المسلمين كالجسد الواحد، ولعل تأثر المسلمين في شتى بقاع العالم به دليل على بلوغ أثره إليهم.
ويقال أن ابن باز رحمه الله ، بدأ يعاني من مرض في عينيه سنة ألف وثلاثمئة وستة وأربعين، وبعدها بأربعة أعوام فقد بصره بشكل كاملٍ، ولكن الله أنار بصيرته، فكان له آراء فقهية مختلفة عن كثير من العلماء في بلده، منها: رأيه بوقوع طلقة واحدة عند قول الطلاق ثلاث مرات، ومنها: عدم وقوع طلاق السكران، وعدم وقوع الطلاق أثناء الحيض، وقد أنقذ الله تعالى، بفتواه الكثير من أُسر المسلمين من الخراب، وضياع الأولاد .
وبالإضافة إلى أنه كان يُفتي بالأيسر للناس، موافقا باجتهاده شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره من العلماء، وتجدر الإشارة إلى أنه كان مفتي، وقاضي، وإمام، وخطيب الخرج لمدة أربعة عشر عاما، ثم انتقل إلى الرياض للتدريس في معهد القضاء الأعلى، وكلية الشريعة، والمعاهد العلمية، وفي عام ألف وثلاثمئة وواحد وثمانين انتقل إلى المدينة المنورة، ليشغل منصب نائب رئيس الجامعة الإسلامية، وبقي في منصبه إلى أن تُوفي رئيس الجامعة.
فتولى فضيلة الشيخ إبن باز رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وفي عام ألف وثلاثمئة وخمس وتسعين عُيّن ابن باز رحمه الله مُفتيا عاما، ورئيسا للإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، فعاش حياته في خدمة الإسلام والمسلمين، وقد أمضى ابن باز رحمه الله، ثلاثة وستين عاما من عمره في خدمة العلم، فمنذ أن تولى القضاء وهو في السابعة والعشرين من عمره إلى أن توفي .
وقد بلغ التسعون عاما تقريبا، وهو يستقطب طلاب العلم، ويقوم بتعليمهم، ويعينهم ويرغبهم في طلب العلم، وينفق عليهم، وتعاهد المميزين منهم وتشجيعهم ، وقد عُرف ابن باز رحمه الله، بالكرم واسخاء، فقد كانت مائدته تستقبل الناس للغداء والعشاء، من غير أن يميز أحدا من الحضور، وربما اجتمع عنده الأمير والفقير، والقريب والغريب، من غير إسراف ولا مخيلة، بالإضافة إلى أنه كان ملجأ للمساكين الذين يعيشون من غير مأوى.
وتوفي في الطائف، فجر الخميس، السابع والعشرين من محرم، عام ألف وأربعمائة وعشرين، وصلى عليه الناس في الحرم المكي الشريف، وقد توفي الشيخ ابن باز بعد معاناة من آلام في المريء والقلب، وقد دفن في مقبرة العدل في مكة المكرمة بعد الصلاة عليه في المسج الحرام .