العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

فى نسائم الإيمان ومع الإمام أبو داود

0

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن من أعظم الأمور هو توقير العلماء، والاعتراف بفضلهم ومنزلتهم، فسمعتهم الطيبة على الألسن مذكورة، وهيبتهم في صدور الناس محفوظة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحِيتان في جوف الماء .

وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر” رواه أبو داود.

والإمام أبو داود هو أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستانى ، وهو أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله، وصاحب السنن ، وقد وُلد بسجستان سنة اثنتين ومائتين من الهجرة، في إقليم صغير مجاور لمكران أرض البلوش الازد يُدعي سجستان وهو اقليم في إيران يسمى حاليا سيستان بلوچستان.

وتنقل بين العديد من مدن الإسلام ، وهو والد أبي بكر عبد الله بن أبي داود، من أكابر الحفاظ ببغداد، وكان عالما متفقا عليه، وله كتاب المصابيح ، وكان أبو داود رحمه الله على مذهب السلف في اتباع السنة والتسليم لها، وترك الخوض في مضائق الكلام .

ونشأ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى محبا للعلم شغوفا به، وكان همه منذ نعومة أظافره طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدوينه، وقد بدت عليه أمارات النجابة منذ صباه ، وكان لكونه من تلامذة الإمام البخاري فقد كان له تأثير خاص فيه ، إذ إنه أفاد منه أيَما إفادة، وقد سلك في العلم سبيله .

وفوق ذلك فكان يشبه الإمام أحمد بن حنبل في هَديه ودَلِّه وسمته ، وقد قال عنه ابن خلكان: كان في الدرجة العالية من النسك والصلاح ، وكان أبو داود كغيره من علماء عصره وكسنة متبعة بين علماء الحديث، فقد طوف أبو داود البلاد، وارتحل إلى أمصار الحضارة الإسلامية في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم .

ولقد لقي خلال هذه الرحلات عددا كبيرا من كبار الحفاظ والمحدثين، فكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين، وسمع أبا عُمر الضرير، ومسلم بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن رجاء، وأبا الوليد الطيالسي، وأحمد بن يونس، وأبا جعفر النفيلي، وأبا توبة الحلبي، وسليمان بن حرب، وخلقا كثيرا بالحجاز والشام ومصر والعراق والجزيرة والثغر وخراسان.

وحين وهب أبو داود حياته لعلم الحديث كان له تلاميذ كثيرون، يتعلمون منه ويروون عنه، وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده الإمام الترمذي، والإمام النسائي، وابنه الإمام أبو بكر بن أبي داود، وأبو عوانة، وأبو بشر الدولابي، وعلي بن الحسن بن العبد، وأبو أسامة محمد بن عبد الملك، وأبو سعيد بن الأعرابي .

وأبو علي اللؤلُئي، وأبو بكر بن داسَة، وأبو سالم محمد بن سعيد الجلودي، وأبو عمرو أحمد بن علي، وغيرهم ، و كان أبو داود رحمه الله من المكثرين في التأليف، وخصوصا في فنون علم الحديث روايةً ودرايةً ، فمن مؤلفاته هو كتاب دلائل النبوة، وكتاب التفرد في السنن، وكتاب المراسيل، وكتاب المسائل التي سئل عنها الإمام أحمد .

وكان لأابى داود منزله عظيمه عند الأمراء ، فقد قال أبو بكر بن جابر خادم أبي داود رحمه الله ، كنت مع أبي داود ببغداد، فصلينا المغرب، فجاءه الأمير أبو أحمد الموفق أى ولي العهد فدخل، ثم أقبل عليه أبو داود، فقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ قال: خلال ثلاث ،قال: وما هي؟

قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا ، ليرحل إليك طلبة العلم، فتعمر بك، فإنها قد خربت، وانقطع عنها الناس ، لما جرى عليها من محنة الزنج،فقال: هذه واحدة، قال: وتروي لأولادي أى السنن، قال: نعم، هات الثالثة، قال: وتفرد لهم مجلسا ، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة، قال: أما هذه فلا سبيل إليها ، لأن الناس، شريفهم ووضيعَهم، في العلم سواء، وقال ابن جابر: فكانوا يحضرون ويقعدون في مكان قريب، عليه ستر، ويسمعون مع العامة.

وإن الذي ذاع صيت أبي داود وزاده شهرة هو كتابه العظيم المعروف بسنن أبي داود، وهو كتاب يأتي في المرتبة بعد صحيح البخاري وصحيح مسلم في الشهرة والمكانة، وقد عُدَ أول كتب السنن المعروفة، وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وقد بلغت أحاديث هذا الكتاب ثمانمائة وأربعة آلاف حديث، صنفه وانتقاه من أصل خمسمائة ألف حديث ، ولذا يُعَد الكتاب من مظان الحديث الحسن ، وقد رتب أبو داود كتابه على كتب وأبواب، فشمل خمسة وثلاثين كتابا، وواحدا وسبعين وثمانمائة وألف باب.

ولقد جاء سهل بن عبدالله التستري إلى أبي داود السِّجستاني، فقيل: يا أبا داود، هذا سهل بن عبدالله، جاءك زائرا، فرحب به، وأجلسه، فقال سهل: يا أبا داود، لي إليك حاجة،قال: وما هي؟ قال: حتى تقول: قد قضيتها مع الإمكان، قال: نعم،قال: أخرج إلي لسانك الذي تحدّث به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبِّله،فأخرج إليه لسانه فقبَّله .

وفي السنن لم يقتصر أبو داود على الصحيح، بل خرج فيه الصحيح والحسن والضعيف، وقد وضح منهجه فيه فقال: ذكرت في كتابي الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ، وقال: وما كان فيه وهن شديد بيَّنته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض .

وقد جمع أبو داود كتابه هذا قديما، وحين فرغ منه عرضه على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فاستجاده واستحسنه، والفقهاء لا يتحاشون من إطلاق لفظ الصحاح ، عليها وعلى سنن الترمذي، لا سيما سنن أبي داود.

وقال أبو داودَ رحمه الله كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديثٍ، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب ، يعني كتاب السنن، وجمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديثٍ؛ ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:

أحدها قوله صلى الله عليه وسلم: ” الأعمال بالنيات” والثاني: قوله: ” مِن حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يَعْنيه “، والثالث: قوله: ” لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسِه “، والرابع: قوله: ” الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبين ذلك أمورٌ مشتبهاتٌ ”

وكان أبو داود متمسكا بسنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حريصا كل الحرص على تطبيقها، وبيان أهميتها للناس ليقوموا بأدائها، وكان لأبي داود منهج أشبه بمنهج الصحابة في اتباع السنة النبوية والتسليم بها، وترك الجدل في الأمور التي تشعل نار الفتنة بين المسلمين.

وقد ترك له ابنا يشبهه في كثير من صفاته وهو: الحافظ ابو بكر عبد الله بن أبي داود الذي كان تلميذا نجيبا لوالده، وشارك أباه في التتلمذ على شيوخه بمصر والشام، وسمع الحديث عن كبار العلماء ببغداد وخراسان وأصبهان وسجستان وشيراز، فصار عالما فقيها، وألف كتاب المصابيح.

وقيل عن أبى داود ، ألين لأبى داود الحديث كما ألين لداود الحديد ، وكان في الدرجة العليا من النسك والصلاح، وكان أبو داود يقول: الشهوة الخفية هى حب الرياسة ، وقد توفي الإمام أبو داود بالبصرة يوم الجمعة، السادس عشر من شوال، سنة خمسٍ وسبعين ومائتين، عن ثلاث وسبعين سنة، ودُفن إلى جانب قبر سفيان الثوري .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد