نسائم الإيمان ومع الصحابى العباس بن عبد المطلب
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ، عم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ويكنى أبا الفضل، وان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، كان جميلا، أبيض، وكان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم ، وولد في مكة قبل مولد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعامين أو ثلاثة .
وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب، وهي أول من كسا الكعبة الحرير والديباج، وذلك أن العباس رضى الله عنه ضاع وهو صغير، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت، فوجدته ففعلت ، وله أحد عشر أخا، وست أخوات ، وقد ولد للعباس عشرة من الذكور ما عدا الإناث.
وزوجته هى أم الفضل، وهي لبابة الكبرى بنت الحارث، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوجة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان للعباس أيضًا من الولد من غير أم الفضل كثير، وتمام، وصفية، وأميمة، وأمهم أم ولد ، أي جارية تباع وتشترى ، والحارث، وأمه حجيلة بنت جندب بن الربيع، فكان للعباس من الولد عشرة ذكور، سوى الإناث .
وكان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه في الجاهلية رئيسا في قريش، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية، فأما السقاية فكان هو المسؤول عن سِقاية الحجاج والمعتمرين لبيت الله الحرام، وأما العمارة فإنه كان لا يدع أحدا يسب في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هجرا ، أي: كلاما قبيحا .
لأن أشراف قريش قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك، فكانوا له أعوانا عليه، وسلموا ذلك إليه ، فكانت السقاية لبني هاشم، وكان أبو طالب يتولاها، فلما اشتد الفقر بأبي طالب، أسند السقاية إلى أخيه العباس، وكان من أكثر قريش مالا، فقام بها، وعليه كانت عمارة المسجد ، وكان نديمه في الجاهلية أبا سفيان بن حرب.
وشهد مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، وأُخرج إلى بدر مكرها مثل غيره من بني هاشم، فأسر وشد وثاقه، وسهر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم، فقالوا: ما يسهرك يا نبي الله؟ قال: “أسهر لأنين العباس”.
فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه، ثم أمر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بالأسرى كلهم ، وفدى العباس نفسه وابني أخيه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفه عتبة بن عمرو، وكان أكثر الأُسارى يوم بدر فداء، لأنه كان رجلا موسرا، فافتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب.
وعبدالله بن عباس: كان الذي أسر العباس أبو اليسر: كعب بن عمرو أخو بني سلمة، وكان أبو اليسر رجلا ضعيف الجسم، وكان العباس رجلا جسيما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر: كيف أسرت العباس يا أبا اليسر؟ فقال: يا رسول الله، لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل، هيئته كذا وهيئته كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لقد أعانك عليه مَلكٌ كريم ” .
ولم يعلن العباس رضى الله عنه إسلامه إلا عام الفتح، ويقول أبو رافع خادم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : “كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يكتم إسلامه”.
فكان العباس رضى الله عنه إذن مسلما قبل غزوة بدر، وكان مقامه بمكة بعد هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه خُطة أدت غايتها على خير نسق، وكانت قريش دوما تشك في نوايا العباس رضى الله عنه ، ولكنها لم تجد عليه سبيلا، كما ذُكر أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد أمر العباس رضى الله عنه بالبقاء في مكة.
وفي بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحج وفد الأنصار، ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان ، ليعطوا الله ورسوله بيعتهم، وليتفقوا مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة، أنهى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نبأ هذا الوفد إلى عمه العباس رضى الله عنه .
فقد كان يثق بعمه في رأيه كله، فلما اجتمعوا كان العباس رضى الله عنه أول المتحدثين فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أَبَى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك
وإن كنتم ترون أنكم مسلِّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده ، وكان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يذكر بالمدينة ليلة العقبة فيقول: “أيِّدتُ تلك الليلة بعمّي العبّاس، وكان يأخذ على القومِ ويُعطيهم”.
وكان العباس رضى الله عنه جوادا مفرط الجود، وصولا للرحم والأهل، فطنا إلى حد الدهاء، وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش، استطاع أن يدرأ عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء.
ولم تكن قريش تُخفي شكوكها في نوايا العباس رضى الله عنه ، ولذا فقد وجدت في غزوة بدر فرصة لاختبار حقيقة العباس، فدخل العباس رضى الله عنه الغزوة مكرها، ويلتقي الجمعان في غزوة بدر .
وينادي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه قائلاً: “إن رجالاً من بني هاشم ومن غير بني هاشم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله ، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنما أخرج مستكرهًا”.
وقد أسر العباس رضى الله عنه فيمن أسر يوم بدر، وكان أسره على يد أبي اليسر كعب بن عمرو، وقد طلب منه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن يفدي نفسه وذويه، فرفض العباس رضى الله عنه قائلاً: إني كنت مسلما قبل ذلك، وإنما استكرهوني .
فقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : “الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدعى حقًّا فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فَافد نفسك” وبعثت له أم الفضل من مكة بالفدية، فأطلق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم سراحه.
ويجيء يوم حنين ليؤكد فدائية العباس رضى الله عنه ، فقد كان صوت العباس رضى الله عنه يومئذٍ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال، فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية تهامة ، ينتظرون مجيء عدوهم، كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في شعابه شاحذين أسلحتهم .
وعلى حين غفلة انقضوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة جعلتهم يهرعون بعيدا، وكان حول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ساعتئذ أبو بكر، وعمر، وعلي، والعباس وبعض الصحابة رضى الله عنهم جميعا ، ولم يكن العباس رضى الله عنه بجواره فقط، بل كان بين قدميه آخذا بخطام بغلته، يتحدى الموت والخطر .
وأمره الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يصرخ في الناس، وكان جسيما جهوري الصوت، فراح ينادي: “يا معشر الأنصار، يا أصحاب البيعة ، فردوا “لبيك لبيك”، وانقلبوا راجعين جميعا بعد أن شتتهم هجوم المشركين المفاجئ، وقاتلوا وثبتوا، فنصرهم الله.
ولما كان عام الرمادة، وهو عام الجدب سنة ثماني عشرة، استسقى عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالعباس قائلا: اللهم إنا كنا نستسقيك بنبيِنا إذا قحطنا، وهذا عمه بين أظهرنا ونحن نستسقيك به” فلم ينصرف حتى أطبق السحاب، وسقوا بعد ثلاثة أيام.
ودخل عليه عثمان بن عفان ، وكان العباس خال أمه أروى بنت كريز فقال: يا خال، أوصني ، فقال : “ أوصيك بسلامة القلب، وترك مصانعة الرجال في الحق، وحفظ اللسان، فإنك متى تفعل ذلك تُرضي ربك، وتصلح لك رعيتك ”.
وكان يقول رضى الله عنه لولده عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ناصحا: “ يا بني، إن الله قد بلغك شرف الدنيا فاطلب شرف الآخرة، واملك هواك، واحرز لسانك إلا مما لك
وقال العباس بن عبد المطلب لابنه عبد الله بن عباس ، حين اختصه عمر بن الخطاب وقربه: “يا بُني ، لا تكذبه فيطرحك، ولا تغتب عنده أحدا فيمقتك، ولا تقولن له شيئا حتى يسألك، ولا تفشين له سرا فيزدريك ”.
وقد توفاه الله في يوم الجمعة فى شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين هجريا ، وصلى عليه عثمان بن عفان رضى الله عنهم جميعا ، ودفن بالبقيع بالمدينه المنوره .