نسائم الإيمان ومع الصحابى عبد الله بن العباس
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
إن الرجال في الإسلام لا يعرفون اليأس من الحياة، وحتى الموت ، ويصنعون منه حياة ، ولكنها حياة أبدية في نعيمٍ لا ينقطع ، فهم يقاتلون من أجل نشر النور والحق ولا يبالون بالموت ، وذلك لأن موتا واحدا يخلف حيوات لا تحصى لقلوب دخلها نور الإسلام .
وإن الصحابي الجليل ، هو من صحب رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وآمن به ومات وهو مؤمن به، وللصحابة الكرام فضل عظيم في نشر الدين الإسلامي، فقد أخذوا الدين عن رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مباشرة، لذلك كان منهم خير الفقهاء والعلماء، وأعلم الناس بالإسلام على الاطلاق .
وكان من أشهر فقهاء الصحابة العبادلة وهم: عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومن فقهاء الصحابة أيضًا: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء رضي الله عنهم أجمعين.
ومعنا صحابى جليل من هؤلاء الصحابة الكرام ، ألا وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو حبر الأمة وفقيهها وإمام التفسير ، وقد ولد عبد الله رضى الله عنه ببني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين .
وكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دائم الدعاء لابن عباس فدعا أن يملأ الله جوفه علما وأن يجعله صالحا ، وكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه وهو يقول: ” اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل”.
وعبد الله بن عباس رضى الله عنه ، هو إمام من أئمة التفسير، وقد نال بركة دعاء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، له ، حيث يقول ابن عباس: كنت في بيت ميمونة بنت الحارثِ فوضعت لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم طهورا ، فقال من وضع هذا ؟ فقالت ميمونه : عبد الله ، فقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل”.
وقد عاش عبد الله بن عباس بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، عمرا طويلا، فبلغ الخلافة الأموية، وفي الخلافة الراشدية ، وبعد واحد وسبعين عاما في خدمة الإسلام، توفِي حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في مدينة الطائف .
ومن صفات عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، إنه كان رجلا قوي الذاكرة، فطينا ذكيا، فصيحا بليغا، إذا حادث أحدا أقنعه بحجته وتركه مبهورا من حسن منطقه وحواره وغزارة علمه، حتى أن الناس كانت تغبط عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على ما عنده من العلم وقوة الحجة، وقد اشتهرت قوة حجته عندما وقف في وجه الخوارج بعلمه وحجته .
كما أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان صاحب خلق رفيع وعلم منقطع النظير، وكان كريما يفيض على الفقراء مما رزقه الله سبحانه وتعالى، حتَّى قيل عنه: ” ما رأينا بيتا أكثر طعاما، ولا شرابا، ولا فاكهة ، ولا علما من بيت ابن عباس”، وكان عابدا تقيا ورعا، يصوم النهار ويقوم الليل، وكان كثير الخشوع والبكاء أثناء صلاته، حتى قيل إنه لم يقرأ آية من آيات الوعيد والحساب إلّا دمعت عيناه وعلا صوت نحيبه .
وقد هاجر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إلى المدينة المنورة مع أبيه وهو صغير، فقابلا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في الطريق بين مكة والمدينة حيث كان رسول الله سائرا لفتح مكة ، وقد ذاع صيت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، في بلاد المسلمين وانتشر علمه، وعُرف ببين الناس بحبر الأمة وترجمان القرآن الكريم .
فهو عالم من علماء الصحابة ، ونال حب العلم وسهولة الحفظ من بركة دعاء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، له ، وعند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لابن عباس من العمر أربعة عشر عاما فقط، فكبر وشب في زمن الخلافة الراشدية، وكان مقرَبا من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا .
ثم في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عُيِن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما واليًا على البصرة في العراق، وكان هذا بعد أن ولي إمامة الحج في عهد خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة خمسه وثلاثون للهجرة
وعندما بدأ الانقسام بين المسلمين بين مؤيدي علي بن أبي طالب ومؤيدي معاوية بن أبي سفيان، وبعد مقتل علي بن أبي طالب وانتقال الخلافة إلى الأمويين، عاد عبد الله بن عباس رضي الله عنه الذي كان واليا على البصرة إلى مكة المكرمة، واتخذ موقفا محايدا مبتعدا عن كلِ ما يمس الفتنة، فاعتزل السياسة ولم يظهر أي موقف سياسي تجاه أي طرف من الأطراف المتنازعة .
فلم يتحدث عن ثورة الحسين بن علي على يزيد بن معاوية ولم يعطي رأيه وموقفه في حرب عبد الله بن الزبير ضد الأمويين، ولما سيطر عبد الله بن الزبير على الحجاز غضب من عبد الله بن عباس لموقفه المحايد ونفاه إلى الطائف وفي الطائف مات عبد الله بن عباس رضي الله عنه .
وبعد انتهاء الحرب بانتصار الأمويين على ابن الزبير أكرم الأمويين نسل عبد الله بن عباس لموقفه المحايد في الحرب، وأغدقوا عليه وعلى أولاده الأعطيات الكثيرة، وكان من أبرز أبناء عبد الله بن عباس هو علي السجاد، الذي منحه الأمويون مدينة كاملة كثيرة البساتين والمزارع، ومع استلام الوليد بن عبد الملك الخلافة الأموية، بدأت علاقة علي السجاد بالأمويين تضرب قليلا بسب زواج علي السجاد من طليقة الوليد .
فقسى الوليد على علي وأمره بتطليقها وفرض عليه الإقامة الجبرية في مدينة الحميمة حتى مات فيها، وبعد موت علي السجاد ورث ابنه محمد بن علي مال أبيه، ولكن محمد كان في نفسه شيء تجاه الأمويين بسبب سوء معاملتهم لوالده علي السجاد، فانضم سرا إلى الأحزاب المناهضة للحكم الأموي في تلك الفترة وعمل معهم على إسقاط الأمويين.
وبعد حياة حافلة بالعلم والإنجازات، وبعد واحد وسبعين عاما أمضاها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يتعلم ويعلم الناس، توفي رضي الله عنه في مدينة الطائف في عام 68 هجرية، ودفنه ابنه دفنه علي بن عبد الله بن العباس ومحمد بن الحنفية، ويذكر التابعي سعيد بن جبير رحمه الله ، في قصة موت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .
” أنه مات ابن عباس بالطائف فشهدنا جنازته ، فجاء طائر لم يُرَ على خلقته حتى دخل في نعشِهِ، ثم لم ير خارجا منه، فلما دفن تليت هذه الآية لم يدر من تلاها: ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) .