نسائم الإيمان ومع الصحابى هاشم بن عتبه
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
إن الله نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ ، ولو ذهبنا نسرد مواقفهم التي نصروا فيها الدين ، وأعمالهم التي استحقوا بها الرفعة والمنزلة العالية ، لما كفتنا المجلدات الطوال ، فقد كانت حياتهم كلها في سبيل الله تعالى ، وأي قرطاس يسع حياة المئات من الصحابة الذين ملؤوا الدنيا بالخير والصلاح .
والصحابى هاشم هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص بن عبد مناف الزهري الشجاع المشهور المعروف بالمرقال، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص، رضى الله عنهم أجمعين ، وقيل أنه لقب بالمرقال، لأنه كان يرقل في الحرب أي يسرع، من الإرقال وهو ضرب من العدو، وكان صالحا زاهدا وهو أخو مصعب بن عمير لأمه، وقد أسلم يوم الفتح وذهبت عينه يوم اليرموك، وهو الذي افتتح جلولاء، فعقد له سعد بن أبى وقاص لواء ووجهه وفتح الله عليه جلولاء.
والصحابى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، من أبطال الإسلام الشجعان، وقد اسلم هاشم بن عتبة يوم فتح مكة، وحسن إسلامه وأصبح من عباد الله الصالحين الزاهدين، ولقد تميز هاشم بالشجاعة المفرطة التي كانت نابعة من قوة اسلامه بالله عز وجل، فقد كان شجاعا لا ينتظر الاعداء لكنه يعدوا إليه، وعندما توفى الرسول صلى الله عليه وسلم، وارتد عن الاسلام الكثير من القبائل ورفضوا دفع الزكاة، وأمر أبو بكر الصديق بقتل المرتدين، كان هاشم بن عتبة قائدا لجيش المسلمين، وقام بقتل الكثير من المرتدين .
وقد شارك الصحابى الجليل هاشم بن عتبه، في معركة اليرموك التي قامت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأربعة سنوات، وكانت بين المسلمين والروم، وقد تمييز بشجاعته وعدم خوفه من الموت، فلقد اختاره القائد خالد بن الوليد لقوته وشجاعته ليضمه إلى مائة من المقاتلين، ولقد فقد هاشم عينيه اليمنى في هذه المعركة، وبعدما اصيبت بجرح عميق، وأيضا كان للصحابي الجليل هاشم بن عتبة دور كبير في معركة القادسية، حيث أنه قام بقيادة جيش المسلمين عاصمة بلاد فارس ومدينة بعقوبة والكثير من المدن العراقية.
وقيل أنه خرج سعد بن أبي وقاص إلى بلاد الفرس وكان أميرا على جيش المسلمين، فخرج معه ابن اخيه هاشم بن عتبة، وقد اظهر هاشم الكثير من الشجاعة والبسالة في مقاتلة اعداء الاسلام، فلم يكن يخف من شيء كان كل هدفه نصرة الاسلام أو الاستشهاد، وقد امر حاكم الفرس بتدريب اسد على القتال حتى يخاف منه المسلمون، فاطلقوا الفرس الاسد في طريق المسلمين، وانطلق يعدوا إلى صفوفهم، فإذا بهاشم بن عتبة الذي اعتاد أن يعدوا إلى أعدائه حتى يقضي عليهم، يعدوا في اتجاه الأسد وسقط فوقه واخذ يطعنه عدة طعنات حتى قتل الاسد.
فتعجب أهل الفرس من الرجل الذي لم يخاف من الاسد، وشعروا بالرعب عندما اخذ المسلمون في التكبير واستمروا في القتال، وتقدم هاشم بن عتبة وأصبح في مقدمة جيش المسلمين، واستمر في القتال حتى هلك جيش الفرس وهو يردد قوله تعالى (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ) وبعدما انتصر جيش المسلمين على جيش الفرس، ذهب إليه عمه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقبل رأسه تكريما له لشجاعته في القتال، فانحنى هاشم بن عتبة وقبل قدم عمه سعد بن أبي وقاص وهو يقول له : ما لمثلك أن يقبل رأسي.
وكان هاشم بن عتبة من أكثر مؤيدين على بن أبي طالب وقيل أنه لما جاء قتل عثمان إلى أهل الكوفة، قال هاشم بن عتبه، لأبي موسى الأشعري: تعال يا أبا موسى، بايع لخير هذه الأمة علي بن أبى طالب، فقال: لا تعجل، فوضع هاشم يده على الأخرى فقال: هذه لعليّ وهذه لي ، وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: شهدنا صفين مع علي بن أبى طالب، وقد وكلنا بفرسه رجلين، فإذا كان من القوم غفلة حمل عليهم، فلا يرجع حتى يخضب سيفه دما.
وفى النهايه هكذا هى الحياه فإن الله تعالى خلق الموت والحياة، وجعل الموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له، والحياة هي تعلق الروح بالبدن واتصالها به، وهذه هي حقيقة الموت والحياة، إلا أن الله تعالى يجسد الموت يوم القيامة في هيئة كبش ثم يذبح، وينتهى كل شئ، واستشهد هاشم بن عتبة رضى الله عنه، يوم معركة صفين هو وعمار بن ياسر، وقد حزن عليهما علي بن أبي طالب وبكى حزنا عليهما، وقد تم دفن كليهما في نفس مكان استشهادهما في محافظة الرقة في سوريا.