نسائم الإيمان ومع النهايه الحقيقيه لكل حى
بقلم / محمـــــد الدكـــرورى
إن النهايه الحقيقيه لكل حى، هى الموت، وإن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس الذي طعمها أكره وأبشع، لأنه هادم اللذات، وقاطع الراحات، وجالب الكريهات، فإنه أمر يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر الأفظع، والخطب الجسيم، وإن يومه لهو اليوم العظيم، فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك؟ وانتقالك عن موضعك؟ إذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصحب والرفيق، وهجرك الأخ والصديق، وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر.
وغطوك من بعد لين لحافها بتراب ومدر، فيا جامع والمال، والمجتهد في البنيان، ليس لك من مالك والله إلا الأكفان، بل للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين المال الذي جمعته؟ هل أنقذك من هذه الأهوال؟ وإذا فكر الإنسان في الميت: يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، مساكين أهل القبور، عن يمينهم التراب، وعن يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب، فكانوا أهل الدور والقصور، فصاروا أهل التراب والقبور، وكانوا أهل النعمة فصاروا أهل الوحشة والمحنة.
وقد سالت العيون، وصدأة الجفون، وتقطعت الأوصال، وبطلت الآمال، وصار الضحك بكاء، والصحة داء، والبقاء فناء، وإن الله عز وجل، خلق الثقلين لحكمة بالغة خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له، وليخلصوا له العبادة، وخلق الليل والنهار وجعلهما خزائن للأعمال يحصي على العبد ما له وما عليه، ويقول عز وجل، ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ويقول سبحانه ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) فاعلموا أيها الناس أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة .
يفوز فيها المتقون ، ويخسر فيها الغافلون ، ومن حكمته سبحانه أنه لم يجعل هذه الدار للبقاء والاستمرار، وإنما جعلها دار ممر واعتبار، فالرابح من صلح زرعه، والخاسر من فسد ثمره ، وكل الناس يعلم أنما هذه الحياة الدنيا ليست لحي سكنا ، فهي سريعة الزوال، وشيكة الارتحال، ولقد قال الله لنبيه الكريم ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإئن مت فهم الخالدون ) فالبقاء لله الواحد القهار، قال تعالى ( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب).
وقد أمرنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن نكثر من ذكر الموت ، كما في الحديث الصحيح الذى رواه الترمذي فعن أبى هريره رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ” أكثروا من ذكر هادم اللذات ” ويعنى بذلك الموت، والناس في ذكر الموت على ضروب وأصناف، فمنهم المنهمك فِي لذاته المثابر على شهواته ، لَا يخطر الموت له على بال ، ولاا يحدث نفسه بزوال ، ولا يذكر الدار الآخرة ، لأنه مفتون بالدنيا وشهواتها ، واتخذ إلهه هواه فأصمه ذلك وأعماه وأهلكه وأرداه.
وصنف آخر وقليل ما هم، من أزيل من عينه قذاها ، وكشف عن بصيرته عماها ، وعرضت عليه الحقيقه فرآها ، فلبى المنادى وأجاب الداعى وشمر لتلافي ما فات ، وتأهب لهجوم الممات، والانتقال إلى محلّة الاموات، ومع هذا، فإنه يكره الموت ، ولكنه لا يكره الموت لذاته ولا لأنه هادم لذاته ، ولكن ، يخاف أَن يقطعه عن الاستعداد ليوم المعاد ، والاكتساب ليوم الحساب، وإن الموت، كثيراً من الناس ينفرون من سماعه، ويفرون من الحديث حوله، والناس يفرون من ذكر الموت، ويفرون من الموت.
ويحسب الإنسان أنه إذا خنس من الموت بوسيلة، أنه قد فر منه، وأنه لن يقع فيه، وإذا هو يفر من سماع مواعظ الموت، لأنها تقطع عليه لذات الدنيا، وتجعله يعيش في مخاوف عظيمة، لذلك ترى أكثر الناس لا يحبون سماع مثل هذه المواعظ، فالحياة الدنيا متاع الغرور، وكل شيء إلى الله صائر، ولا يبقى إلا وجه الله العظيم، ورسول الله أعظم البشر، وأحب خلق الله إلى الله، وعظه الله عز وجل، بالموت، فقال له سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم، وهو على قيد الحياه: ( إنك ميت وإنهم ميتون ) .
أى قال له: إنك ميت أنت يا محمد، صلى الله عليه وسلم، لن تنجو من الموت كما لم ينجو أحد من الأنبياء عليهم السلام، من قبلك، وهذا الموت كتاب مؤجل، لا يستقدم عنه الميت لحظة ولا يستأخر، فقال الله عز وجل : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) ومهما حرص الحريصون على الفرار من الموت، وعلى الدخول في الأغطية والمحصنات من المباني، فإن الله عز وجل، يخرج أرواحهم من داخل تلك المباني، فقال عز وجل:( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيده ) .
أى لو كان بناء حصينا فإن الله تعالى، يدخل ملك الموت على الشخص الذي حان أجله فيقبضه ولو كان في برج مشيد، ولا يدري الإنسان متى يفجؤه الأجل ولا أشد وأعظم على الميت وأهله من إتيان الموت له فجأة ، وهو في كامل صحته وعنفوان قوته ، وتمام نشاطه ، ومع تزايد النعم والعيش الرغيد ، لم يحسب للموت حسابه ولم يظن أهله أن ينزل عليه الموت ، فإذا هم به قد سقط ميتا لا حراك به فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر.