نسائم الإيمان ومع الراهب بحيرى ( الجزء الثانى )
إعداد / محمـــد الدكــــرورى
نكمل مع بحيرى الراهب وإستقباله القافله القادمه من مكه، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أبو طالب وأشياخ قريش: وما علمك بذلك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة.
وإنا نجده في كتبنا، ثم أكرمهم بالضيافة، وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام، خوفا عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة، ولكن كان هناك حوار بين الاهرب وبين النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عندما قام إليه بحيرا الراهب، الى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأي حق لهما عندي؟ لا تسألني بحق اللات والعزى، فو الله ما أبغضت شيئًا قط بغضهما، وما تأملتهما بالنظر إليهما كراهة لهما، ولكن اسألني بالله أخبرك عما تسألني عنه إن كان عندي علم، قال بحيرا: فبالله أسألك، وجعل يسأله عن أشياء من أحواله، فيخبره حتى سأله عن نومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنام عيناي، ولا ينام قلبي.
وجعل ينظر في عينيه إلى الحمرة، ثم قال لقومه: أخبروني عن هذه الحمرة تأتي وتذهب، أو لا تفارقه؟ قالوا: ما رأيناها فارقته قط، وكلمه أن ينزع جبة عليه حتى نظر إلى ظهره، وإلى خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام مثل زر الحجلة، متواسطا فاقشعرت كل شعرة في رأسه، وقبل موضع خاتم النبوة
وجعلت قريش تقول: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرًا، وجعل أبو طالب، لما رأى من الراهب، يخاف على ابن أخيه، ثم قال الراهب لأبي طالب: ما يكون هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون أبوه حيًّا، قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال أبو طالب: توفي وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبًا، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلدك.
واحذر عليه اليهود، فو الله إن رأوه، أو عرفوا منه الذي أعرف ليبغنه عنتًا، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده في كتبنا، وما ورثنا من آبائنا، وقد أخذ علينا مواثيق، قال أبو طالب: من أخذها عليكم؟ فتبسم الراهب، ثم قال: الله أخذها علينا، نزل به عيسى بن مريم، فأقلل اللبث، وارجع به إلى بلد مولده، فإني قد أديت إليك النصيحة، فإن اليهود تطمع أن يكون فيها، ومتى يعلموا أنه من غيرها يحسدوه.
قال: ورآه رجال من اليهود فأرادوا أن يغتالوه، وعرفوا صفته وهم: زريد، وتمام، ودبيس، وهم من أهل الكتاب كانوا قد هموا وأجمعوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه ذلك، وهم يظنون أن بحيرا سيتابعهم على رأيهم، فنهاهم أشد النهي، وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم. قال: فما لكم إليه سبيل، فتركوه، وخرج به أبو طالب راجعًا سريعًا خائفًا من اليهود أن يغتالوه، قال: وشب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب يكلؤه الله.
ويحفظه من أمور الجاهلية ومعايبها، لما يريد به من كرامته، وعلى دين قومه حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم جوارا، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم خلقا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأذى، وما رؤي ملاحيًا أحدًا، ولا مماريًا أحدًا حتى سماه قومه الصادق الأمين، لما جمع الله له من الأمور الصالحة، فلقد كان الغالب عليه بمكة الصادق الأمين.
وهذه القصة لها أصل صحيح بما فيها قوله: لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي، كما قال غير واحد من أهل العلم منهم، وأما كيفية السجود: فيمكن أن تكون بميلها أو تحركها أو بكيفية أخرى لا نعلمها، كما قال الله تعالى عن سجود هذا الكون لله تعالى وتسبيحه بحمده.