نسائم الإيمان ووقفه مع فضيلة إكــرام الضيــف
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أراد أن يغرس في نفوس أصحابه والمؤمنين جميعا خلق إكرام الضيف، فكان من أول ما دعاهم إليه بعد دخوله إلى المدينة المنورة إطعام الطعام، فقال صلى الله عليه وسلم: ” يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نام، تدخلوا الجنةَ بسلام ” .
ولقد حثنا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على إكرام الضيف ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه” رواه البخاري ومسلم .
وإكرام الضيف هي سمة من سمات مجتمعنا الطيب ، فهذا الإنسان الذي لا يخلو من إحدى حالتين ، إما أن يكون غريبا عن البلاد، ليس له بيت يأوي فيه، أو أن يكون من أهل البلد، ولكنه حل ضيفا على صاحب دار، ولكل منهما حق الضيافة، الذي هو حقًا واجبا له، يؤجر فاعله، ويأثم الممتنع عنه إذا كان قادرا.
وكرم الضيافة يشمل حسن الاستقبال، والبشاشة، وتقديم الطعام والشراب، والجلوس في مكان طيب، وقد يتطلب المبيت إن دعت الحاجة، وذلك من يوم إلى ثلاثة كما جاء في السُّنة، فإن أراد الضيف الزيادة في المبيت على ذلك فالأمر متروك للمضيف، فلو فعل فهي صدقة، ولو أبى فلا إثم عليه .
وإكرام الضيف مكرمه من مكارم الأخلاق، وخصلة من خِصال الخير، وخُلق أكيد من أخلاق الإسلام، يدل على سماحة في النفس، وكرم في الطبع، وإيثار للغير، وشهامة ومروءة، وإيمان بما عند الله تعالى من العوض والفضل.
ويكفي أن خديجة رضي الله عنها عندما أرادت أن تصف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم اختارت من صفاته خمسة، كان منها إكرام الضيف، فقالت ” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ” رواه البخارى .
وإن إكرام الضيف من مكارم الأخلاق، وجميل الخصال التي تحلى بها الأنبياء، وحث عليها المرسلون، واتصف بها الأجواد كرام النفوس، فمَن عُرِف بالضيافة عُرِف بشرف المنزلة، وعُلو المكانة، وانقاد له قومه، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام، إلا كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام، وإكرام الضيف .
وإن أول ما ينبغي أن يستقر في نفوس المؤمنين أن علاقة المضيف بضيفه هي علاقة عبادة، فليست استضافته تطبيقا لعرف من الأعراف، ولا جريا لعادة اجتماعية سائدة، وإنما ليستشعر أنها عبادة من العبادات العظيمة، يؤديها ليؤجر عليها ، ولذلك فينبغي أن يرعى فيها حقوق الله تعالى.
فيجب على العاقل ابتغاء الأضياف، وبذل الكِسَر ، لأن نعمة الله إذا لم تُصن بالقيام في حقوقها، ترجع من حيث بدأت، ثم لا ينفع من زالت عنه التلهف عليها، ولا الإفكار في الظفر بها، وإذا رأى حق الله فيها، استجلب النماء والزيادة، واستأخر الأجر في القيامة، واستصغر إطعام الطعام.
ولقد حث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أمته على إكرام الضيف، وبين أن ذلك من تمام الإيمان بالله تعالى واليومِ الآخر، فقال صلى الله عليه وسلم: ” مَن كان يُؤْمن بالله واليوم الآخر فلْيُكرم ضَيْفه ” وأما من يبخل عن ضيفانه ويقصر في إكرامهم فلا شكَّ أن ذلك نقص في إيمانه ومروءته.
ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزة قالوا: وما جائزته قال: يومه وليله، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه” وإنها مكارم الأخلاق التي يدعو لها دين الاسلام فقد جاء ليعزز شأنها، وينشرها في البشرية؛ لتسعد في حياتها الدنيا، ولتتوثق علائقها، ولتكون في مجموع أفرادها كالفرد الواحد .
فأي غربة ستبقى للغريب حين يشعر وهو في طريقه إلى هذه البلاد أن له بيوتا سوف يأوي إليها وكأنها ملك له، وأن له أهلا سوف يأنس بهم وكأنهم أهله، فيشعر حينئذ بالأمن والاطمئنان، والراحة والحبور، ويفرغ لما جاء من أجله، أو يفرح بقدومه إذا كان لمحض الزيارة ورعاية الصلات.
وإكرام الضيف من أعظم سمات المؤمن وهى صفة الكرم، بل جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرم مرادفا للمؤمن ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ ” رواه مسلم .
ولقد جاء رسول الإسلام والأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم بشريعته العظيمة، فكان أجود الناس ، فما عرف عنه أن رد سائلا، ولا عبس في وجه ضيف، بل كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وإذا أعياه المال والطعام ولم يجد منهما شيئا، التفت إلى أصحابه يطلب منهم أن يستضيفوا ضيفه .
وقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ” والمعنى هنا أن لا يقصد بضيافته التفاخر والمباهاة بل يقصد الاستنان بسنة النبي عليه الصلاة والسلام والأنبياء من قبله كإبراهيم عليه السلام والذي يلقب بأبي الضيفان، كأن ينوي بها إدخال السرور على المؤمنين وإشاعة الغبطة والبهجة في قلوب الناس .
ومن الواجب على المُضيف أن يكرم ضيفه مدةالضيافة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ، أما اليوم الأول فيزيد في بره وإكرامه، ثم يكرمه في اليومين الآخرين بما يحضر عنده دون أن يتكلَّف له، فإذا زاد بقاء الضيف وإقامته على ثلاثة أيام، فإن أكرمه المضيف كان ذلك منه بمنزلة الصدقة على الضيف، يؤجر ويثاب عليها .
ولكن لا ينبغي للضيف أن يثقل على مضيفه حتى يحرِجه ويضيق عليه، فقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” مَن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخر فليُكرم ضيفه، جائزته يومٌ وليلة، والضِّيافةُ ثلاثةُ أيامٍ، فما بعد ذلك فهو صدَقة، ولا يحلُّ له أن يثوي ، عنده حتى يُحرجه ” .
وإكرام الضيف إنها لوحة من لوحات الإنسانية الكريمة، التي تتضاءل أمامها كثير من لوحات الكرم الحاتمي، فماذا بعد أن يؤثر المرء ضيفه على نفسه وعلى أطفاله حتى يبيتوا جائعين ليشبع ضيفهم، بل يوهموه أنهم يأكلون معه، ويطفئون السراج حتى لا يكتشف هذا النبل والكرم العظيم.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البركة تأتي مع الضيف، وأن طعامه لن يضيق على أهل البيت رِزقهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ” طعامُ الاثنين كافي الثَّلاثة، وطعامُ الثَّلاثة كافي الأربعة ” بل إن من أحب الطعام إلى الله تعالى ما تتكاثَر عليه الأيدي ويأكل منه الضيفان .
فقال صلى الله عليه وسلم ” إنَّ أحبَّ الطَّعام إلى الله ما كثُرَت عليه الأيدي ” وعندما جاءه عدد من أصحابه يَشكون إليه عدم الشبع، قال لهم: ” فلعلَّكم تَفترقون “، قالوا: نعم، قال: ” فاجتمِعوا على طعامكم، واذكُروا اسمَ الله عليه يُبارك لكُم فيه ”
وكذلك يجب على الضيف أن يجيب الدعوة ولا يتأخر عنها إلا من عذر، كأن يخشى ضررا في دينه أو بدنه لقوله صلى الله عليه وسلم : ” إذا دعي أحدكم فليجب ” رواه مسلم وقوله: ” لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، أو أهدي إلى ذراع أو كراع لقبلت ” وأن لا يميز في الإجابة بين الفقير والغني لأن في عدم إجابة الفقير كسرا لخاطره ، كما أن في ذلك نوعا من الكبر، والكبر ممقوت.
ومما يروى في إجابة دعوة الفقراء أن الحسن بن علي رضي الله عنهما مر بمساكين وقد نشروا كسرا على الأرض وهم يأكلون فقالوا له : هلم إلى الغداء يا ابن بنت رسول الله فقال : نعم إن الله لا يحب المتكبرين ، ونزل من على بغلته وأكل معهم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: “ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟” قالا: الجوع يا رسول الله. قال: “وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا”، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأتهُ المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً وسهلاً .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أين فلان؟” قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمدُ لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني.
قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بُسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المُدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياك والحَلوب”، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود ، والمجهود من أصابه الجهد والمشقة والحاجة والجوع ، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماءٌ ، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق.
فقال صلى الله عليه وسلم : “من يُضيف هذا الليلة رَحمه الله” فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحْلِهِ فقال لامرأته: هل عندك شيءٌ؟ قالت: لا إلا قُوتُ صِبياني. قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فاطفئي السراج .
وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السِّراج حتى تُطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال: “قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة” رواه البخاري ومسلم .
ويجب عليك إذا كان معك أكثر من ضيف، فأقبل على كُل واحدٍ منهم بوجهك، ولا تخص أحدا دون الآخر بحديثك، أو شيء من ضيافتك، وحاول أن تلتمس رضى كل واحد منهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس لضيوفه، فقد كان يعطي كل واحد من ضيوفه نصيبه، ولا يحسب ضيفه أن أحدا أكرم عليه منه.