نسائم الإيمان ووقفه مع آداب الطــريق
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
لقد تفرد الإسلام العظيم بتشريعات خاصة أحاطت بكل شيء، ولم تترك شيئا إنسانا أو حيوانا أو جمادا إلا أنصفته وجعلت له حقوقا لا ينبغي لأحد أن يتعداها ، واعتبر الإلتزام بهذه الحقوق دين يدين العبد به لله سبحانه وتعالي وعبادة وقربي يتقرب من خلالها الإنسان إلي الله عز وجل ، وبأدائها يحظي العبد بمرافقة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم في الآخرة .
وإن ديننا الإسلامي الحنيف دين شامل لكل مناحي الحياة، فهو دين المبادئ والقيم، ودين الأخلاق والمعاملة، فلم يدع مجالاً من مجالات الحياة إلا بين فيها الحسن ليمتثل، والقبيح ليجتنب ، ومما يدل على شمولية الدين لكل مناحي الحياة، ما أوضحه الكتاب والسنة وآثار الأئمة من آداب الطريق، وحقوق المارة، ومجالس الناس العامة والخاصة ولقد دعا الإسلام إلى حفظ الحقوق العامة والخاصة، ومن الحقوق والآداب العامة حقوق وآداب الطريق.
ولقدعد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من أبواب الخير: ” تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الردئ البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة”.
ومعنى الجلوس في الطرقات هو اللبث فيها سواء اتخذ مجلسا في ناصيتها، أو دكة عند بيته، أو كرسيا خارج دكانه، أو كان في مقهى أو مطعم يجلس على حافة الطريق أو نحو ذلك، فكل ذلك جلوس في الطريق ، وليس المعنى ذات الجلوس، وإنما اللبث في الطريق فلو جلس في سيارته، أو وقف يتحدث مع صديقه، أو ينتظر أحدا، فكل أولئك يتناولهم حق الطريق المنصوص عليه في الحديث.
وإن كمال الأخلاق من كمال الإيمان، ونقصها من نقص الإيمان ، فالمؤمن حين يتحلى بحسن الخلق طاعة لله تعالى فإنما يدفعه لذلك إيمانه بأنه مأمور بحسن الخلق، مثاب عليه، معاقب على تركه، وارتباط الأخلاق بالإيمان وثيق جدا؛ ولذا نُفي كمال الإيمان عن جملة من الناس ساءت أخلاقهم.
وعباد الرحمن الذى قال عنهم الله عز وجل ، من سماتهم إنهم إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، فهم أصحاب الأخلاق العالية، والآداب الرفيعة، في مشيهم وهديهم ودلهم، وفي حديثهم أولى وأحرى، مع صدقهم، وقوة حجهم وحلمهم وصفحهم، وإعراضهم عن البذيء من القول، والفحش من الحديث، وتجنباً لحماقة الحمقى، وسفاهة السفهاء.
وإن في الجلوس على الطرقات أذية للمارة، وتضييق للطريق على المسافرين، وفي منعه صلى الله عليه وسلم للجلوس على الطرقات منعا لكثير من المفاسد ، كالعادات القبيحة التي يتعلمها الجالسون على الطرقات ، ومنها التدخين، ومضغ القات، والمظاهر الشاذة في اللباس أو الشعر، وغيرها من الأخلاق السيئة، وإلف المعصية .
وذلك لكثرة ما يرى من المعاصي والمنكرات فيصبح لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، أو يزيد البلاء بلاء فيسمي المعروف منكرا والمنكر معروفا ، أو يرتقي به الحال فيصير يفتخر بالمعصية ويتباهى بها، ويحدث بها من لم يعلم الناس أنه عملها .
وإن الناس شركاء في طرقهم التي يسيرون فيها، فكان لهذه الطرق حقوق تحفظ على الناس أخلاقهم، وتديم الألفة والمودة بينهم ، ولأجل هذه الحقوق كان الجلوس في الطرقات مظنة الوقوع في الإثم، فكان الأصل هو النهي عن الجلوس فيها احترازا من الإثم، لكن الصحابة رضي الله عنهم طمأنوا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام إلى أن مجالسهم فيها مجالس خير لا مجالس شر.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والجلوس في الطرقات ” قالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، قال رسول الله: “فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه” قالوا: وما حقه؟ قال: “غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “.
ولقد حذرنا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من الجلوس على الطرقات، وذلك لأن في الجلوس على الطرقات تعرض للفتن من النظر إلى النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات الأتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وهو كذلك تحذير للنساء من كثرة الخروج إلى الأسواق والأماكن العامة لغير حاجة ، لما فيه من مفسدة تعرضهن للأذية من أعين الذئاب البشرية، ومزاحمتهن للرجال على الطرقات ، حيث تجد الطرقات والأرصفة مليئة بالشباب التائه الضائع يتصيدون النساء ، وتجد الأرصفة ملأ بهؤلاء الشباب الذين لم يعطوا أي حق للطريق .
ولم يراعوا حرمة أعراض المسلمين، فأطلقوا العنان للبصر بدلا عن أن يغضوه، وبذلوا الأذى بدلاً من أن يكفوه، وأمروا بالمنكر وكان المفترض أن يأمروا ينهوه ، فهؤلاء يحرم عليهم الجلوس على الطرقات، ويأثموا ببقائهم فيها ، لأنهم لم يعطوا الطريق حقه، وبعض هؤلاء يجلسون عند أبواب المحلات في الأسواق يتصيدون الداخل الخارج من النساء .
فيجب على المؤمن أن يتحلى بحسن الخلق ، فالمؤمن حين يتحلى بحسن الخلق طاعة لله تعالى فإنما يدفعه لذلك إيمانه بأنه مأمور بحسن الخلق، مثاب عليه، معاقب على تركه، وارتباط الأخلاق بالإيمان وثيق جدا ولذا نُفي كمال الإيمان عن جملة من الناس ساءت أخلاقهم .
وعن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى اله عليه وسلم على المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: “يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لاتؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله”.
وإن المجالس التي يجتمع فيها الناس فى هذه الايام ويتحدث فيها بعضهم إلى بعض في غالبها لا يذكرون الله عز وجل فيها بل يغلب فيها الكذب والغيبة والنميمة، وقول الزور والفحش، والسباب واللعان، وغيرها من المنكرات، وما اجتمع قوم في مكان لا يذكرون الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة.
وقد ذكر النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام جملة من الحقوق للطريق يجب على من كان في الطريق أن يراعيها، فمنها غض البصر؛ لأن الطرق تسلكها نساء لحاجتهن، وقد تُفتح أبواب بيوت أو نوافذها فيكشفها الجالس في الطريق فوجب عليه أن يصرف بصره، ولا يطلقه في حريم الناس وبيوتهم وعوراتهم.
ولا يؤذي مسلما يحمل في يده متاعا له فيرمقه ببصره لمعرفة ما معه ، فإن هذا من سوء الأدب، ومن التطفل على حقوق الغير، ومن إطلاق البصر فيما لا ينبغي، مع ما يسببه من حرج وأذى لأخيه ، ومن سوء الأدب، واكتساب الإثم: أن يجلس في طريق فلا يرد السلام على أحد، أو يرده على من يعرفهم فقط، أو يرده على من كان في منزلته أو من جنسه .
كفعل بعض المتكبرين لا يردون السلام على بعض الناس ، وهذا اكتساب للإثم، وإخلال بحق الطريق، فمن جلس في طرق الناس وجب أن يؤدي لهم حقوقهم فيها ، ويجب أيضا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فريضة واجبة ، فإن من شأن من جلس في الطرقات أن يرى بعض المنكرات، فعليه أن ينهى أصحابها عنها وإلا لم يك مؤديا لحق الطريق .
ويجب أيضا حسن الكلام، فعن أبي طلحة رضي الله عنه ، وقد جاء في الحديث أن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء، وكم يتعلم الأطفال في الطرق من ألفاظ بذيئة فاحشة بسبب إهدار هذا الحق من حقوق الطريق، فيتعلمون اللعن والسب والشتم، وألفاظا جنسية خادشة للحياء، ويقولونها وقد لا يفهمون معانيها، ولا يتعلمون كثيرا منها إلا في الطرقات .
حتى صار يطلق على اللفظ البذيء هى لغة شوارعية، وألفاظ سوقية، نسبة إلى السوق أو إلى السوقة وهم أراذل الناس ، ولولا أن من يجلسون في الطرقات قد أهدروا حسن الكلام فيها، وأتوا بقبيحه ، لما خُلع على الكلام القبيح هذا الوصف، ولما نُسب إلى الشارع أو السوق.
ولما كان الجلوس في الطرقات ذريعة إلى ارتكاب المحرمات، وكان من أصول الإسلام الحكيمة حِياطةُ المؤمن من كل ما عساه أن يفتح عليه بابا من الشر، لا جرم نهى أَحكم الخلق صلى الله عليه وسلم عن الجلوس في الطرقات العامة ، سدا لباب الفساد ، فإن درء المفاسد مقدم في الدين على جلب المصالِح .
وما من شك في أن الجلوس على رؤوس الطرق، وفي الميادين والأماكن العامة مدعاة إلى الكسل وتضييع الأوقات والأعمار فيما لا جدوى فيه، وكثيرا ما يَفتح على صاحبه أبوابا من الشر كانت موصدة ، والطريق مرفق عام وملك للناس جميعا فالكل يمشي فيه ويستخدمه ولا غني لأحد عنه .
فلا يجوز الجلوس فيه علي نحو يعرقل المرور و يضيق علي الناس مصالحهم ويخدش حياء المارة وبذلك نستنتج ان الشريعة الاسلامية تتسم بالشمولية والرحمة في تشريعاتها ، وجاءت لاسعاد البشرية من خلال تحقيق مقاصد خمسة وهي : حفظ الدين والنفس والمال والعقل والعرض .
وإن احترام حق الطريق والحفاظ علي المرافق العامة من الأخلاق العالية التي جاءت رسالة الإسلام تهذبها وتقويها كما قال النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” .