نسائم الإيمان ووقفه مع الإستقـــامه
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
إن الاستقامة هى أساس السعادة وسبيل للفلاح والرفعة في الدنيا والآخرة، والاستقامة هى لزوم لهدي الله عز وجل ، وثبات على دين الله سبحانه وتعالى، ومحافظة على أوامر الله عز وجل، وبعد عن نواهيه عز وجل، والاستقامة هى حفظ للأوامر بفعلها .
وحفظ للنواهي باجتنابها وتركها ، والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القيم ،من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها الظاهرة والباطنة ، والاستقامة هي وسط بين الغول والتقصير ، وكلاهما منهي عنه شرعاً ، والمؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة ، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته .
والاستقامة موضوع عظيم، جدير بكل مؤمن، العناية بالاستقامة، والحرص على ذلك في جميع الأوقات ، وإحرص على الخير، وبادر إليه وكن من أهله ، وأحذر الشر وأبتعد عنه وعن وسائله وأسبابه، وعليك بسؤال ربك والضراعة إليه ، أن يمنحك العون والتوفيق.
والاستقامة هى أن يكون نظر العبد إلى الآخر، طامعا في ثواب الله تبارك وتعالى، خائفا من عقابه، ويعلم أن أمامه جنة ونارا، وحسابا وعقابا، فيستقيم على طاعة الله عز وجل ، إلى أن يلقى الله عز وجل وهو راض عنه غير ساخط.
وإن تقوى الله عز وجل هى جماع الوصايا وأساس السعادة، وهي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، وهي وصية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم ، وإن أعظم ما يجب على العبد أن يعنى به في هذه الحياة الاستقامة على طاعة الله سبحانه وتعالى .
ولزوم صراطه المستقيم، وعدم الحيدة والانحراف عنه ذات اليمين وذات الشمال ، والاستقامة مطلب عظيم، ومقصد جليل، ولا بد فيها من مجاهدة للنفس، واستعانة بالله تبارك وتعالى ، فإحرص على ما ينفعك واستعن بالله .
وإعلم أن هذه الدنيا هي دار الابتلاء والامتحان، وهى دار العمل والإعداد للآخرة ، فالله خلق الخلق ، ليعبدوه، وأرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وأعطاهم عقولا وأسماعا وأبصارا، وابتلاهم بالشياطين، من الإنس والجن، والشهوات ،وهذه الدار دار عمل، ليست دار نعيم ولكنها دار عمل، وهي دار الغرور .
والاستقامة هي إخلاص التوحيد لله سبحانه وتعالى وترْك النواهي والثَّبات على ذلك، فهي بجميع أحوال الإنسان من أقوال وأعمال وثبات ، ولما كان من طبيعة الإنسان أنه قد يقصر في فعل المأمور ، أو اجتناب المحظور ، وهذا خروج عن الاستقامة .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه “رواه أحمد ، فهاتان قاعدتان للاستقامة لا بد منها وهى استقامة القلب، واستقامة اللسان.
واستقامة القلب تكون بعمارته بالإيمان بالله عز وجل ، والخوف منه، ورجائه تبارك وتعالى، وحسن التوكل عليه والثقة به، ومحبته جل وعلا، ومحبة ما يحبه من الأعمال والأقوال، والعناية بإصلاح القلب تزكية ونقاء وصلاحا، وإذا استقام القلب على هذه الحال تبعته الجوارح كلها في الاستقامة .
ويقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: “ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”، فوجب على كل مسلم أن يعنى بقلبه إصلاحا له، وتنقية له، واجتهادا في تزكيته وتطهيره .
واستقامة اللسان، تكون بصيانته وحفظه عن كل أمر يسخط الله، وشغله بكل نافع مفيد، وبكل قول سديد، وإذا استقام اللسان تبعته الجوارح لأنها فرع عنه ونتيجة من نتائجه، ولهذا يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإذا استقمت استقمنا، وإذا اعوججت اعوججنا”.
ويقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : “إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلاَّ غلبه، فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا”، فجعل البشارة عليه الصلاة والسلام لمن سدد أو قارب، والمسدد هو الذي أصاب الاستقامة في تمام حقيقتها وأبهى صورها وأتم حللها، والمقارب هو الذي يجاهد نفسه على بلوغ تمام الاستقامة ولما يكملها، وهو قريب من الكمال .
فلا يزال مجاهدًا نفسه على ذلك، فعلينا أن نجاهد أنفسنا على السداد، وهو كمال الاستقامة، ومن لم يبلغ السداد فعليه بالمقاربة، وليحذر أشد الحذر من الانحراف عن طريق الاستقامة، والكيس هو من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
ومن أسباب الاستقامة المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة ، لأنها صلة بين العبد وربه ، وهي من عوامل ترك الفحشاء والمنكر ، وأيضا من أسباب الاستقامة طلب العلم ، والمقصود به علم الكتاب والسنة ، لأنه الوسيلة لمعرفة الله تعالى وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأيضا من أسباب الاستقامة اختيار الصحبة الصالحة ، لأن الجليس الصالح يعين صاحبه على الطاعة وعلى طلب العلم ، وينهيه على أخطائه ، أما الجليس السيء فعلى العكس من ذلك تماماً ، وأيضا من أسباب الاستقامة حفظ الجوارح عن المحرمات وأهمها هو اللسان فيحفظه عن الكذب والغيبة والنميمة وغيرها، ويحفظ بصره عن المحرمات ، ومن أسباب الاستقامة معرفة خطوات الشيطان للحذر منها .
وللاستقامة فوائد وثمرات يجنيها العبد في حياته وبعد مماته : ومن ثمرات الاستقامة هو طمأنينة القلب بدوام الصلة بالله عز وجل ، والاستقامة تعصم صاحبها بإذن الله عز وجل من الوقوع في المعاصي والزلل وسفاسف الأمور والتكاسل عن الطاعات.
وأيضا من ثمرات الاستقامة تنزل الملائكة عليهم عند الموت ، وقيل عند خروجهم من قبورهم ، قائلين ، ألا تخافوا ولا تحزنوا ، على ما قدمتم عليه من أمور الآخرة ، ولا ما تركتم من أمور الدنيا من مال وولد وأهل.
ومن ثمرات الاستقامة حب الناس واحترامهم وتقديرهم للمسلم ، سواء كان صغيراً أو كبيراً على ما يظهر عليه من حرص على الطاعة ، والخلق الفاضل ، ومن ثمرات الاستقامة وعد الله المتقين أن لهم في الجنة ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذ أعينهم ، وتطلبه ألسنتهم ، حساناً من الله تعالى.
وقد جعل الله عز وجل لمن آمن بدينه حقا، واستقام على طريقه صدقا، الفضائل العظيمة، والمنازل الرفيعة، والدرجات العلا في يوم تزل فيه الأقدام، وتخف فيه الموازين، ولا شك أن الاستقامة من أعظم المسؤوليات، وأوجب الواجبات، التي كلفنا الله عز وجل بها، وأن على المرء أن يبذل جهده ويسأل ربه العفو والغفران إذا ما قصّر أو أخل في حياته بشيء منها .
فمتى الإستقامه ، فلا تخادع نفسك، فأنت على نفسك بصير، ولا تقل: كنت وكان وسوف، فإنها حبائل الشيطان، بل سل نفسك بصدق وفي الحال ، من أنا عند الله عز وجل ؟ فإن أدركت أنك في الحضيض، فقل لها: وحتى متى؟
فإن تسرب إليك هاتف من يأس فذكرها بالله الرحيم، فإن تعلقت بالرحمة ولم تعمل فهذا عين الغرور، فمن يحسن الظن بالله يحسن العمل، وما مآل المغترين إلا أن يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
وقال ابن مسعود: “إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد رغبته، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له “.