نسائم الإيمان ومع الخليفه المهدى ( الجزء الثانى )
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
وبعد أن جمع جيشا كثيرا، فقد أمّر عليهم عبد الملك بن شهاب المسمعي في البحر، وأرسلهم إلى بلاد الهند، فلما وصلوا إربد حاصروها وضيقوا على أهلها الحصار حتى فتحها الله عليهم، واستشهد في هذه المعركة من المسلمين بضعة وعشرون رجلا وكان ذلك سنة مائه وتسعه وخمسين من الهجره، في سنة مائه وواحد وستين من الهجره، قد عبر عبد الرحمن بن حبيب الفهري، المعروف بالصقلبي، من إفريقية إلى الأندلس محاربا لعبد الرحمن الداخل الأموي ليدخل في طاعة الدولة العباسية، وكان عبوره إلى تدمير، وكاتب سليمان بن يقظان بالدخول في أمره ومحاربة عبد الرحمن الأموي، والدعاء للمهدي.
وكان سليمان ببرشلونة، فلم يجبه، فاغتاظ منه فقصد بلده فهزمه سليمان فعاد الصقلبي إلى تدمير، وسار إليه عبد الرحمن الأموي وضيق عليه وأحرق السفن فقصد الصقلبي جبلا منيعا بناحية بلنسية فبذل الأموي ألف دينار لمن يأتيه برأسه، فاغتاله رجل من البربر وحمل رأسه إلى عبد الرحمن الأموي فأعطاه ألف دينار، وفي سنة مائه وستين من الهجره، خرج يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرم بخراسان هو ومن معه على المهدي، واجتمع معه بشر كثير فتوجه إليه يزيد بن مزيد الشيباني واقتتلا، وفي النهاية انتصر يزيد وبعث به وأصحابه إلى المهدي فقتلهم المهدي وصلبهم.
وكان قد تغلب على بوشنج وعليها مصعيب بن زريق فهرب منها، وتغلب على مرو والروذ والطالقان والجوزان، وفي سنة سنة مائه وثلاثه وستين من الهجره، خرج المهدي لمحاربة الروم فعسكر بالبردان، وجمع العسكر من خراسان وغيرها، فاستخلف على بغداد ابنه الهادي واصطحب معه ابنه الرشيد، فعبر الفرات إلى حلب، وجمع من بتلك الناحية من الزنادقة، فقتلهم ومزق كتبهم، فسار عنها مشيعا لابنه الرشيد، فسار بمن معه فنزلوا حصن سمالوا، فحصروه ثمانية وثلاثين يوما، حتى فتحه الله عليهم وفتحوا فتوحات كثيرة. وفي سنة سنة مائه وخمسه وستين من الهجره.
وقد سيّر المهدي ابنه الرشيد لغزو الروم في خمسة وتسعين ألفا وتسعمائة وثلاثة وتسعين رجلا، فلقيه عسكر نقيض، قومس القوامسة فبارزه يزيد بن مزيد، فغلبه يزيد وهزمت الروم، وسار إلى الدمستق وهو دومستيكوس، وهو صاحب المسالح، فحمل لهم مائة ألف دينار، و توجّه الرشيد لمهاجمة عاصمة البيزنطيين، فبلغ خليج القسطنطينية، وصاحب الروم يومئذ الإمبراطورة أيرين أثينا، فجرى صلح بينها وبين الرشيد، على أن تقيم له الأدلاء والأسواق في الطريق، ومقدار الفدية سبعون ألف دينار كل سنة، فرجع عنها، وقد ذكر ابن كثير، أن المهدي قد ألح على عيسى بن موسى أن يخلع نفسه وهو مع كل ذلك يمتنع.
وهو مقيم بالكوفة، فبعث إليه المهدي أحد القادة الكبار وهو: أبو هريرة محمد بن فروخ في ألف من أصحابه لإحضاره إليه، وأمر كل واحد منهم أن يحمل طبلًا، فإذا واجهوا الكوفة عند إضاءة الفجر ضرب كل واحد منهم على طبله، ففعلوا ذلك فارتجت الكوفة، وخاف عيسى بن موسى، فلما انتهوا إليه دعوه إلى حضرة الخليفة فأظهر أنه يشتكي، فلم يقبلوا ذلك منه بل أخذوه معهم فدخلوا به على الخليفة في يوم الخميس الثالث من شهر المحرم من هذه السنة، فاجتمع عليه وجوه بني هاشم والقضاة والأعيان وسألوه في ذلك وهو يمتنع، ثم لم يزل الناس به بالرغبة والرهبة حتى أجاب يوم الجمعة الرابع من المحرم بعد العصر.
وقد بويع لولدي المهدي: موسى، وهارون الرشيد، صباح يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم، وجلس المهدي في قبة عظيمة في إيوان الخلافة، ودخل الأمراء فبايعوا، ثم نهض فصعد المنبر وجلس ابنه موسى الهادي تحته، وقام عيسى بن موسى على أول درجة، وخطب المهدي فأعلم الناس بما وقع من خلع عيسى بن موسى نفسه وأنه قد حلل الناس من الأيمان التي له في أعناقهم، وجعل ذلك إلى موسى الهادي، فصدق عيسى بن موسى ذلك وبايع المهدي على ذلك، ثم نهض الناس فبايعوا الخليفة على حسب مراتبهم وأسنانهم، وكان من مآثر الخليفه المهدى وحسن سياسته.
قد قيل أنه هاجت ريح شديدة فدخل المهدي بيتا في دار فألصق خده بالتراب وقال: اللهم إن كنت أنا المطلوب بهذه العقوبة دون الناس فها أنا ذا بين يديك، اللهم لا تشمت بي الأعداء من أهل الأديان، فلم يزل كذلك حتى انجلت، وقيل أنه دخل عليه رجل يوما ومعه نعل فقال: هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أهديتها لك فقال: هاتها فناوله إياها، فقّبلها ووضعها على عينيه وأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما انصرف، قال المهدي: والله إني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير هذا النعل، فضلا عن أن يلبسها ولكن لو رددته لذهب يقول للناس: أهديت إليه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّها على، فتُصدقه الناس.
لأن العامة تميل إلى أمثالها، ومن شأنهم نصر الضعيف على القوى وإن كان ظالما، فاشترينا لسانه بعشرة آلاف درهم ورأينا هذا أرجح وأصلح، وقيل أنه وكان يتتبع الزنادقة وهم المارقين عن الدين، ويعاقبهم بالقتل، وقد جاء فى كتاب الدولة العباسية، أن هناك مجموعة القرارات التي اتخذها الخليفة المهدي فور تسلمه مقاليد السلطة، وهي: إطلاق من كان في سجن المنصور إلا من كان في رقبته دم أو قتل، كما لم يعفُ عن أصحاب الجنايات، وقد أمرَ المهدي ببناء القصور في طريق مكة المكرمة أوسع من تلك التي بُنيت في عهد الخليفة السفّاح من القادسية إلى زبالة.
فقد أمرَ المهدي بالزيادة في قصور السفّاح وترك المنازل التي بناها المنصور على حالها، وقد أمرَ باتخاذ المصانع في كُل مُنهل، وهي بمثابة حيضان تُبنى يتم ملؤها من مياه الآبار حتى يكون الاستقاء سهلا على رجال القوافل الذين لا ينقطع مرورهم من تلك الجهات، وقد أوعز بتجديد الأميال والبرك، كما حفر الركايا مع المصانع وجعل لذلك عاملا خاصا يقوم به، وقد أمر بأن يجري على المجذومين وأهل السجون، لئلا يُضطر المجذومين للمشي في السُبل وسؤال الناس حاجاتهم، فيكونون سببا في انتشار المرض، وليكون للمسجونين ما يلبي حاجاتهم فلا يموتون جوعا، إلّا من كان له أهل يسألون عنه.
وقد أقام المهدي، البريد بين مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومكة المكرمة واليمن، وكانت بغالا وإبلا، ولم يكن هناك بريد من قبل، وقد أدخل في المسجد الحرام دورا كثيرة مما يحيط به، ومحا اسم الوليد بن عبد الملك من حائط المسجد النبوي وكتب اسمه مكانه، وقد توفي الخليفة المهدي بماسبذان قرب مدينة مندلي العراقية سنة مائه وتسعه وستين من الهجره، وقال السيوطي: ساق المهدي خلف صيد، فاقتحم الصيد خربة، وتبعه الفرس فدق ظهره في بابها، فمات لوقته، وقيل مات مسموما، وقال ابن الأثير: كانت خلافته عشر سنين، وتوفي وهو ابن ثلاثه وأربعين سنة وصلى عليه ابنه الرشيد.