نسائم الإيمان ومع السيده أم رومان بنت عامر الكنانيه ( الجزء الثانى )
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونزل آل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبني مسجده وأَبياتا حول المسجد، فأنزل فيها أهله، فمكثنا أياما، ثم قال أَبو بكر: يا رسول الله، ما يمنعك أن تبتني بأهلك؟ قال: “الصداق” فأعطاه أبو بكر اثنتي عشرة أُوقية ونشّا، فبعث بها إلينا، وبَنى بي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، في بيتي هذا الذي أنا فيه، وهو الذي تُوفي فيه، ودفن فيه، وأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، سودة بنت زمعة أَحد تلك البيوت، فكان يكون عندها، وكان تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إياي، وأَنا ألعب مع الجواري، فما دريت أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجني، حتى أَخبرتني أُمي.
فحبستني في البيت، فوقع في نفسي أني تزوجت، فما سألتها حتى كانت هي التي أَخبرتني ” وعن عائشة رضى الله عنها قالت: ” تزوجني النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن.
فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين ” وتقول السيده عائشه رضى الله عنها كان أم رومان، في حادثة الإفك أغمى عليها حزناً على ما أصاب ابنتها، ولما أفاقت أخذت تدعو الله أن يظهر الحق، وظلت تواسى ابنتها ودموعها تتساقط، وجعلت تقول: أي بنية، هوني عليك، فوالله لقل ما كانت امرأة حسناء عند زوج يحبها ولها ضرائر إلا كثرن وكثر عليها الناس، وتحكي أم رومان بنت عامر الكنانية عن ذلك فتقول: بينما أنا مع عائشة جالستان إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار وهي تقول فعل الله بفلان وفعل، قالت: فقلت لم؟
فقالت: إنه نمى ذكر الحديث فقالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها، قالت: فسمعه أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: نعم، فخرت مغشياً عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فجاء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال: “ما لهذه؟” قلت: حمى أخذتها من أجل حديث تحدث به، فقعدت فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقونني ولئن اعتذرت لا تعذرونني فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه فالله المستعان على ما تصفون، فانصرف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ما أنزل، فأخبرها فقالت: بحمد الله لا بحمد أحد، وقد تلقت السيده أم رومان تعاليم الشريعة.
وكانت مسرورة بزيارة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لزوجها الصديق، وأخذت تبذل ما في وسعها لإكرامه، وذكر ابن سعد أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كان يوصي أم رومان بعائشة ويقول: ” يا أم رومان استوصي بعائشة خيرا واحفظيني فيها” وكانت أم رومان تتألم لما يلحق بالمسلمين من العذاب على أيدي المشركين، وكانت تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يحثهم على الصبر، فكان يسعدها أن ترى زوجها الصديق ينقذ المؤمنين المستضعفين من العذاب، فيعتقهم من خالص ماله، فتشد أزره وتعاونه في عمله الطيب المبارك ولو بالكلمة الطيبة.
وكانت أم رومان امرأة صالحة، ولها فضل السبق في مضمار الهجرة، وبعد أن أكرم الله المؤمنين في غزوة بدر، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة في شوال من السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة، وكانت أم رومان قد هيأت عائشة لتكون في بيت النبوة، فأحسنت تربيتها وزوّدتها بالقرءان والأدب، وكانت أم رومان امرأة صالحة، وتوفيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم في ذي الحجة سنة ست من الهجرة، وكان لوفاتها رضوان الله عليها أثر كبير في نفس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكذلك في نفس ابنتها وزوجها، ولكن الله أكرمها بكرامة عظيمة، فقد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى قبرها واستغفر لها.
ويروى أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لم ينزل في قبر أحد إلا خمسة قبور، ثلاث نسوة ورجلين، منها قبر السيدة خديجة في مكة المكرمة، وأربعة في المدينة، منها قبر أم رومان في البقيع حيث دعا لها هناك وقال: “اللهم إنه لم يخفَ عليك ما لَقيت أم رومان فيك وفي رسولك” ومن رصيد أم رومان من البشائر أنها روت عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا انفرد بإخراجه الإمام البخاري رحمه الله، وقد أختلف في وفاة الصحابيه أم رومان، اختلافا شديدا فقيل ماتت في حياة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فى شهر ذي الحجة فى السنه السادسه من الهجره.
وقال آخرون أنها كانت حية فى السنة التاسعه من الهجره، حين عرض النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم آية التخيير ( يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ) فنادى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على زوجته عائشة وقال لها: ” يا عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتأتي فيه بشئ حتى تعرضيه على أبويك: أبي بكر، وأم رومان ” وذكر لها الآية، فقالت له: ” فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ولا أؤامر في ذلك أبا بكر ولا أم رومان” فضحك، وقال بعضهم إن مسروق سمع منها وعمره خمسة عشر سنة أوائل خلافة عمر بن الخطاب وقيل إنه لم يدركها.