الدكرورى يكتب عن إتساع أبواب الخير ” الجزء الثانى “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع إتساع أبواب الخير، وقد توقفنا عند قول الحق سبحانه وتعالى” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة” أى من كان لك عنده حق وعلمت أنه معسر لا يستطيع السداد فالشرع يوجب عليك أن تنظره وتؤجله حتى يتيسر حاله، وأبلغ من ذلك أن تترك له هذا المال من أجل أن تساعد في تيسير حاله، وأبلغ من ذلك أن تمده بمال جديد حتى يتيسر حاله على الفور، فقال النبى صلى الله عليه وسلم “كان رجل يداين الناس” أى يعطيهم المال يقرضهم، فإذا رأى معسرا قال تجاوزوا عنه، أى سامحوه في هذا الدين لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه” وفي رواية ” وقال الله عز وجل، نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه، وليس ذلك في الحقوق المادية وحدها بل من ظلمك أو كان لك عنده حق أدبي فسامحه رجاء أن يسامحك الله عز وجل ويتجاوز عنك، فقال تعالى فى سورة آل عمران ” والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” ويقول الله تعالى في محكم آياته فى سورة الحج.
” يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” ولفعل الخيرات فوائد متعددة وثمرات يجنيها العبد في دنياه وآخرته ومنها أن فعل الخير عنوان للإيمان الصحيح والعقيدة السليمة، والفطرة السليمة تهتدي إلى الخير وتشعر به، لأن الإنسان مفطور على البر والخير، وأن فعل الخير الزاد الحقيقى الذي ينفع الإنسان في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم، وأن القليل من فعل الخير مقبول عند الله تعالى، فيقول تعالى ” فمن يعمل مثقال ذرة خير يره” والمعنى أن أي فعل مهما كان قليلا، حتى لو كان مثقال ذرة فإن الله يجزيه على عمله، ويرى نتيجة فعله، واعلموا أن الله تعالى لا يضيع عمل عاملٍ من ذكر أو أنثى، فقال تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” وأن فعل الخير من أخص خصائص المجتمع الإيمانى، فقال تعالى كما جاء فى سورة الحشر” ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”
أى بمعنى يقدمون خدمة الآخرين ومصلحتهم العامة على المصلحة الشخصية الخاصة، ويطعمون الطعام للفقراء والمساكين ويقدمون لهم ما يحتاجون إليه من عون ومساعدة، ولا ينتظرون منهم أي مردود، وهذا هو المعنى الصحيح للتطوع، وكان فعل الخيرات من ألزم الأشياء اللازمة لرسول الله صلي الله عليه وسلم، يوم أن نزل عليه الوحي الالهي ودخل علي زوجه السيدة خديجة رضى الله عنها ويقول زملونى، زملونى، فوصفته صلي الله عليه وسلم بعمله مع المجتمع وحبه الخير للناس وأن ذلك يكون سببا في حفظ الله تعالى له، وأن فعل الخير فيه استسلام لأمر الله تعالى، فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة القصص ” واحسن كما احسن الله إليك” وهو أمر قرآني أن يقابل الإنسان إنعام الله عليه بالمال، أو بالصحة، أو بالوقت، بالإحسان على الآخرين، وتقديم الخير لهم، سواء بالمال، أو بالمشورة الصادقة، أو بالمواساة، وأن فعل الخير يعطي الخيرية لأصحابه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة البينة.
” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية” وأن فعل الخير يسبب الراحة النفسية، فتقول الدراسات العلمية إن الإكثار من فعل الخيرات يؤثر إيجابيا على الحالة النفسية للإنسان بل وتقي من أمراض القلب، وإنه لا قيمة للحياة بدون فعل الخير، ولا نجاة للعبد في الآخرة بلا فعل الخير، ولا راحة نفسية ولا سعادة قلبية للعبد دون فعله الخير، ولا دخول للجنة دون فعل الخير، ولا فوز برضوان الله دون فعل الخير، ولا نور في القلب ولا في القبر ولا على الصراط دون فعل الخير، وفعل الخير في الحياة كالنهر الجاري، يتدفق بقوة وغزارة، ومن كل حدب وصوب فمن هنا العبادات والأذكار والقرآن والنوافل والقربات، ومن هناك حسن الأخلاق وصلة الأرحام ومدّ يد العون للمحتاج، وعن يمينه الصدقات، وعن شماله أداء الأمانات، فحيثما ولى بوجهه ينال الخير، ويفعل الطيب، وبعضنا، فعل الخير في حياته كالخيط الرفيع لا يكاد يُرى ولا يقوى، ولا يكاد يسمن ولا يضحى، فهو ضعيف شحيح قليل، فلا يمكن أن تربط به ما يثبت.
ولا أن تجرّ به ما يثقل، فلو نظر نظرة العاقل في سيرته اليومية لوجدها حزينة قاتمة، بالكاد يسطر له ملائكة اليمين باليوم سطرا أو سطرين من فعل الخيرات، في حين يسطر له ملائكة الشمال في اليوم ثلاثا وعشرين صفحة من فعل السيئات، وبعضنا كأهل الأعراف، لا يفعل الخيرات ولا يفعل السيئات، فخيراته قليلة، وأوقاته الضائعة في المباحات كثيرة، ولكنه خسر وفاتته حسنات ورحمات عديدة، وهكذا فإن فعل الخيرات هو مطلب رباني، هو دعوة إلهية، هو نصيحة نبوية، فاقبلوها، وخذوا بها وعظموها، واعملوا بها، وفعل الخيرات به تكون أيها الإنسان من المفلحين، وبغيره تكون من الخائبين، ومن منا لا يحب أن يكون من المفلحين والفائزين والرابحين والرافعين رؤوسهم والناجين؟ فإذا أردت ذلك فربك سبحانه وتعالى يدلك على الطريق، إنها طريق فعل الخيرات والإكثار منها، وإن فعل الخيرات، مقبول مبارك فيه، مضاعف، مأجور عليه قلّ أم كثر، صغر الخير أم عظم، فافعل الخير ولو كان حرفا تقوله، أو درهما تتصدق به.
أو يد عون تمدها، أو بسمة تظهرها، أو خطوة تخطوها، أو أصغر من ذلك أو أكبر، كله ستجده في الكتاب مسطورا، وعند ربك مأجورا، فاقرأ معى تلك الآية التي لا نظير لها ولا قبيل، يقول فيها ربك سبحانه وتعالى” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره” وإن الخير الذى أشار الله تعالى إليه، ينتظم فى كل بر، ويشمل كل عمل صالح، فطاعة الله خير والإحسان إلى الناس خير والإخلاص والنية الطيبة خير، والإحسان إلى الناس خير وبر ذوي القربى خير والقول الجميل خير، ونظافة الجسد خير، وإماطة الأذى عن الطريق خير، وغراس الأشجار خير، والمحافظة على البيئة من التلوث خير، واحترام الآخر خير، والصدق خير والالتزام بالوعد والعهد خير، وبر الوالدين خير وإغاثة الملهوف خير، ورعاية الحيوان خير، والرياضة البدنية خير، وكل عمل ينهض بالفرد ويرقى بالمجتمع فهو خير، والدعوة إلي الله تعالى خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير، والعدل خير والسلام خير، والاستزادة من العلم والحكمة خير.
لقول الله سبحانه كما جاء فى سورة البقرة” يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا” ولفعل الخير لا بد أن تكون له أهداف ومقاصد، وهى إرضاء الله عز وجل، والحصول علي الأجر والثواب، ودعوة الناس إلى الإسلام، وفعل الخير بما يضمن للآخرين حق الحياة الكريمة، والتنمية ومساعدة الآخرين، ونشر قيم التضامن والتسامح والتعاون، وإن البطء والتثاقل والتروى والتأنى ينبغي أن يكون بعيدا عن عمل الآخرة لأن عمل الآخرة طريق صحيح، لا يحتاج إلى تأمل وتفكر، ويحتاج إلى المبادرة قبل الفوات لأن كل يوم يمضي هو من الفوات، وبعد الفوات يكون الندم، والندم لا يغني عن العاقل شيئا، فالمسارعة والمسابقة والمنافسة في فعل الخيرات لها بعض السمات الأساسية منها المسارعة والمنافسة والمسابقة مطلب شرعي وأمر إلهي، ووصية نبوية، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” رواه الحاكم.